قوله تعالى : { جَنَاحَ الذُّلِّ } : هذه استِعارةٌ بليغة ، قيل : وذلك أنَّ الطائرَ إذا أراد الطيرانَ نَشَرَ جناحَيْه ورَفَعَهما ليرتفعَ ، وإذا أراد تَرْكَ الطيران خَفَضَ جناحيه ، فجعلَ خَفْضَ الجناحِ كنايةً عن التواضعِ واللِّين . قال الزمخشري : " فإنْ قلتَ : ما معنى جَناح الذُّل ؟ قلت : فيه وجهان ، أحدُهما : أن يكونَ المعنى : واخفِضْ لهما جناحَك كما قال : " واخفِضْ جناحَك للمؤمنين " فأضافه إلى الذُّل أو الذِّل كما أَضيف حاتمٌ إلى الجودِ على معنى : واخفِضْ لهما جناحَك الذليلَ أو الذَّلولَ . والثاني : أن تَجعلَ لذُلِّه أو لذِلِّه جناحاً خفيضاً ، كما جعل لبيد للشَمال يداً وللقَرَّةِ زِماماً- في قوله :
وغداةِ ريحٍ قد كَشَفْتُ وقَرَّةٍ *** إذ أصبحَتْ بيدِ الشَمال ؟ِ زِمامُها
مبالَغةً في التذلُّل والتواضع لهما " انتهى . يعني أنه عبَّر عن اللينِ بالذُّلِ ، ثم استعار له جناحاً ، ثم رشَّح هذه الاستعارةَ بأَنْ أمرَه بخفضِ الجَناح .
ومِنْ طريفِ ما يُحكى : أن أبا تمام لَمَّا نظَم قوله :
لا تَسْقِني ماءَ المَلام فإنني *** صَبٌّ قد اسْتَعْذَبْتَ ماء بكائي
جاءه رجلٌ بقَصْعةٍ وقال له : أَعْطني شيئاً من ماء المَلام . فقال : حتى تأتيَني بريشةٍ مِنْ جَناح الذُّلِّ " يريد أن هذا مجازُ استعارةٍ كذاك . وقال بعضهم :
أراشُوا جَناحِيْ ثم بَلُّوه بالنَّدى *** فلم أَسْتَطِعْ مِنْ أَرْضِهم طَيَرانا
وقرأ العامَّةُ " الذُّلِّ " بضم الذَّال ، وابن عباس في آخرين بكسرها ، وهي استعارةٌ ؛ لأنَّ الذِّلَّ في الدوابِّ لأنه ضدُّ الصعوبة ، فاستعير للأناسيِّ ، كما أن الذُّلَّ بالضمَّ ضدُّ العِزِّ .
قوله : { مِنَ الرَّحْمَةِ } فيه أربعةُ أوجهٍ ، أحدُها : أنها للتعليل فتتعلق ب " اخفِضْ " ، أي : اخفِضْ مِن أجل الرحمة . والثاني : أنها لبيانِ الجنس . قال ابنُ عطية : " أي : إنَّ هذا الخفضَ يكون من الرحمة المستكنَّة في النفس " . الثالث : أن تكونَ في محلِّ نصبٍ على الحالِ مِنْ " جَناح " . الرابع : أنها لابتداءِ الغاية . قوله : { كَمَا رَبَّيَانِي } في هذه الكافِ قولان ، أحدهما : أنها نعتٌ لمصدرٍ محذوف ، فقدَّره الحوفيُّ : " ارْحَمْهما رحمةً مثلَ تربيتِهما لي " . وقدَّره أبو البقاء : " رحمةً مثلَ رحمتِهما " ، كأنه جعل التربيةَ رحمةً . الثاني : أنها للتعليل ، أي : ارْحَمْهما لأجلِ تربيتِهما كقولِه : { وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ } [ البقرة : 198 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.