محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرٗا} (24)

[ 24 ] { واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا 24 } .

ومعنى قوله : { واخفض لهما جناح الذل } تذلل لهما وتواضع . وفيه استعارة مكنية وتخييلية . فشبه الذل بطائر تشبيها مضمرا ، وأثبت له الجناح تخييلا ، والخفض ترشيحا . و ( خفضه ) ما يفعله إذا ضم أفراخه للتربية . أو استعارة تصريحية في المفرد وهو الجناح ، والخفض ترشيح . و ( الجناح ) الجانب كما يقال ( جناحا العسكر ) وخفضه مجاز . كما يقال : ( ليّن الجانب ) و ( منخفض الجانب ) وإضافة الجناح إلى الذل للبيان . لأنه صفة مبيّنة . أي جناحك الذليل . وفيه مبالغة لأنه وصف بالمصدر . فكأنه جعل الجناح عين الذل . أو التركيب استعارة تمثيلية . فيكون مثلا لغاية التواضع . وسر ذكر الجناح وخفضه ، تصوير الذل كأنه مشاهد محسوس . و ( من ) من قوله تعالى : { من الرحمة } ابتدائية على سبيل التعليل . أي من فرط رحمتك لهما ، وعطفك عليهما ، لكبرهما وافتقارهما اليوم ، إلى من كان أفقر خلق الله إليهما بالأمس . وافتقار المرء إلى من كان مفتقرا له ، غاية في الضراعة والمسكنة . فيرحمه أشد رحمة . كما قال الخفاجيّ :

يا من أتى يسأل عن فاقتي ، *** ما حال من يسأل من سائله ؟

ما ذلة السلطان إلا إذا *** أصبح محتاجا إلى عامله

وقوله تعالى : { وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا } أي رب ! تعطف عليهما برحمتك ومغفرتك ، كما تعطفا علي في صغري ، فرحماني وربياني صغيرا حتى استقللت بنفسي ، واستغنيت عنهما .

قال الزمخشري : أي لا تكشف برحمتك عليهما التي لا بقاء لها ، وادع الله بأن يرحمهما رحمته الباقية . واجعل ذلك جزاء لرحمتهما عليك في صغرك وتربيتهما لك . والكاف للتعليل . أي لأجل تربيتهما لي .

قال الطيبيّ : الكاف لتأكيد الوجود . كأنه قيل : رب ارحمهما رحمة محققة مكشوفة لا ريب فيها كقوله{[5389]} : { مثل ما أنكم تنطقون } . وهو وجه حسن .

/ تنبيه :

استحب بعض السلف أن يدعو المرء لوالديه في أواخر التشهد قبيل السلام ، لأنه وقت فاضل . وقد جمعت من الأدعية المأثورة للوالدين المتوفيين أو أحدهما ، جملة ضممتها لكتابي ( الأوراد المأثورة ) . لا أزال أدعو لهما بها في السحر أو بين أذان الفجر وإقامة صلاته ، لما أرى من مزية هذا الوقت على غيره .


[5389]:[51/ الذاريات / 23].