الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرٗا} (24)

قال ( ص ) : وقرأ الجمهور { الذل } [ الإسراء : 24 ] بضم الذال ، وهو ضد العِزِّ ، وقرأ ابن عباس وغيره بكسرها ، وهو الانقيادُ ضدُّ الصعوبة انتهى ، وباقي الآية بيِّن .

قال ابن الحاجب في «منتهى الوُصول » ، وهو المختصَرُ الكَبِير : المفهومُ ما دَلَّ عليه اللفظُ في غَيْرِ مَحَلِّ النُّطْق ، وهو : مفهوم موافقة ، ومفهومُ مخالفة ، فالأول : أنْ يكون حُكْمُ المفهومِ موافقاً للمنطوق في الحُكْم ، ويسمَّى فَحْوَى الخطابِ ، ولَحْنَ الخِطَابِ ، كتحريم الضَّرْبِ من قوله تعالى : { فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ } [ الإسراء : 23 ] وكالجَزَاء بما فَوْقَ المِثْقالِ من قوله تعالى : { وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } [ الزلزلة : 8 ] ، وكتأديةِ ما دُونَ القْنطار من قوله تعالى : { وَمِنْ أَهْلِ الكتاب مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ } [ آل عمران : 75 ] وعدم تأدية ما فوق الدينار من قوله تعالى : { بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ } [ آل عمران : 75 ] وهو من قبيل التنبيه بالأدنى على الأعلى ، والأعلى على الأدنى ، فلذلك كان الحُكم في المسكوتِ أولى ، وإِنما يكون ذلك إِذا عُرِفَ المقصودُ من الحُكْم ، وأنه أشدُّ مناسبةً في المسكوت كهذه الأمثلة ، ومفهومُ المخالفة : أنْ يكونَ المَسْكُوتُ عنه مخالفاً للمنطوقِ به في الحُكْم ويسمَّى دليلَ الخطاب وهو أقسامٌ : مفهومُ الصفة ؛ مثل : ( في الغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ ) ، ومفهومُ الشرط ، مثل : { وَإِن كُنَّ أولات حَمْلٍ } [ الطلاق : 6 ] ومفهوم الغاية مثل : { حتى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } [ البقرة : 230 ] ومفهوم إنَّما مثل : { إنما الرِّبَا في النَّسِيئَةِ } ومفهومُ الاستثناء مِثل : «لا إله إلا الله » ومفهوم العددِ الخاصِّ ، مثلَ : { فاجلدوهم ثَمَانِينَ جَلْدَةً } [ النور : 4 ] ، ومفهومُ حَصَرْ المبتدأ مثل : العِالمُ زَيْد ، وشرطُ مفهومِ المخالفة عْند قائله ألاَّ يظهر أن المسكوتَ عنه أولى ولا مساوياً ، كمفهومِ الموافَقَةِ ، ولا خرج مَخْرَجَ الأعمِّ الأغلب ، مثل : { وَرَبَائِبُكُمُ التي فِي حُجُورِكُم } [ النساء : 23 ] فأما مفهومُ الصفةِ ، فقال به الشافعيُّ ، ونفاه الغَزَّاليُّ وغيره . انتهى .