تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرٗا} (24)

الآية24 : وقوله تعالى : { واخفض لهما جناح الذل من الرحمة } يحتمل أن يكون الجناح كناية عن اليدين ، لأن اليدين في الإنسان بموضع الجناح للطائر ، وجناح الطائر يداه ، فكأنه قال : اخفض ، واخضع لهما بيديك كما أمره أن يخضع لهما بلسانه بقوله : { وقل قولا كريما } أي اخضع لهما قولا وفعلا . ويحتمل أن يكون الجناح كناية عن النفس ، أي اخفض لهما بجميع النفس والجوارح .

وقوله تعالى : { الذل } يحتمل أن يكون المراد من الذل نفسه ، أي كن لهما كالمستعين المحتاج إليهما ، لا كالمعين لهما قاضي الحاجة ، ولكن ذليلا كالمستعين ( بالآخر ){[10796]} رافع الحاجة إليه . ويحتمل أن يكون { الذل } كناية من الرحمة التي تكون في القلب ، أي اخضع لهما برحمة القلب والجوارح جميعا .

ألا ترى أنه قال : { أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين }( المائدة : 54 )ألا ترى أنه قال في آية أخرى : { أشداء على الكفار رحماء بينهم }( الفتح : 29 )وذكر مقابل الذل في تلك الآية الرحمة ( وفي هاتين مقابل الذل والعزة ومقابل الشدة الرحمة }{[10797]} .

فعلى ذلك يحتمل أن يكون قوله : { جناح الذل } كناية عن الرحمة ، فيكون معناه : أن اخضع لهما بالظاهر والباطن جميعا على ما ذكرنا في قوله : { فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما } والله أعلم .

قوله تعالى : { وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا } قال بعضهم : { رب ارحمهما كما ربياني صغيرا } ويحتمل أن ( يكون ){[10798]}على الإضمار ، فيكون والله أعلم ، كأنه قال : رب ارحمهما كما رحماني ، وربياني صغيرا .

وقول أهل التأويل : إن هذا منسوخ ، نسخة قوله : { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين } الآية( التوبة : 113 ) بعيد . وأمكن أن تكون الآية في المؤمنين والكافرين . فالرحمة التي ذكر تكون في الكافرين سؤال الهداية لهم وجعلهم أهلا للرحمة والمغفرة ، وذلك جائز كقول نوح لقومه : { استغفروا ربكم إنه كان غفارا } أي استهدوا ربكم ، فيهديكم فيغفر لكم ما كان منكم ، { إنه كان } لم يزل{ غفارا } إذ لا يحتمل أن يأمرهم بالاستغفار ، ويعدهم بالمغفرة على الحال التي هم عليها ، وكذلك استغفار إبراهيم لأبيه .

أو أن يكون من الرحمة التي يتراحم بعضهم لبعض ، والشفقة التي تكون بين الناس كما يتراحم للصغار{[10799]} والضعفاء ثم مثل هذه المعاملة التي أمر الولد أن يعامل أبويه يلزم المؤمنين من جهة الدين ومكارم الأخلاق أن يعامل{[10800]} الناس بعضهم بعضا . غير أن هذا فيما بين الناس ، ليس بفرض لازم لأنها بحق الشكر والجزاء لهما بما كان منهما إليه من البر والإحسان ، وحق التربية والتعليم{[10801]} حقها وجليل قدرها وخصوصيتهما ، وهو ما قال{[10802]} لرسوله : { واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين } ( الشعراء : 215 ) وإلا فقد وصف المؤمنين بتراحم بعضهم لبعض على ما ذكر{ رحماء بينهم } ( الفتح : 29 } وأمرهم بذلك .


[10796]:في الأصل و.م: من الآخر.
[10797]:في الأصل و.م: في هذا مقابل العزة والشدة.
[10798]:ساقطة من الأصل و.م.
[10799]:في الأصل و.م : الصغار.
[10800]:في الأصل و.م يعاملهم.
[10801]:في الأصل و.م : والتعظيم.
[10802]:في الأصل و.م: يقال.