معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَأۡخُذُواْ مِمَّآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ شَيۡـًٔا إِلَّآ أَن يَخَافَآ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَا فِيمَا ٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعۡتَدُوهَاۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (229)

قوله تعالى : { الطلاق مرتان } . روي عن عروة بن الزبير قال : كان الناس في الابتداء يطلقون من غير حصر ولا عدد ، وكان الرجل يطلق امرأته ، فإذا قاربت انقضاء عدتها راجعها ، ثم طلقها كذلك ، ثم راجعها ، يقصد مضارتها ، فنزلت هذه الآية " الطلاق مرتان " يعني : الطلاق الذي يملك الرجعة عقبيه مرتان ، فإذا طلق ثلاثاً فلا تحل له إلا بعد نكاح زوج آخر .

قوله تعالى : { فإمساك بمعروف } . قيل : أراد بالإمساك الرجعة بعد الثالية ، والصحيح أن المراد منه : الإمساك بعد الرجعة ، يعني إذا راجعها بعد الطلقة الثانية فعليه أن يمسكها بالمعروف ، والمعروف كل ما يعرف في الشرع ، من أداء حقوق النكاح وحسن الصحبة .

قوله تعالى : { أو تسريح بإحسان } . هو أن يتركها بعد الطلاق حتى تنقضي عدتها ، وقيل الطلقة . قوله تعالى : ( أو تسريح بإحسان ) وصريح اللفظ الذي يقع به الطلاق من غير نية ثلاثة : الطلاق والفراق والسراح ، وعند أبي حنيفة الصريح هو لفظ الطلاق فحسب ، وجملة الحكم فيه أن الحر إذا طلق زوجته طلقة أو طلقتين بعد الدخول بها يجوز له مراجعتها بغير رضاها ما دامت في العدة ، وإن لم يراجعها حتى انقضت عدتها ، أو طلقها قبل الدخول بها أو خالعها فلا تحل له إلا بنكاح جديد بإذنها ، وإذن وليها فإن طلقها ثلاثاً فلا تحل له ، ما لم تنكح زوجاً غيره ، وأما العبد إذا كانت تحته امرأة ، فطلقها طلقتين فإنها لا تحل له إلا بعد نكاح زوج آخر . واختلف أهل العلم فيما إذا كان أحد الزوجين رقيقاً ، فذهب أكثرهم إلى أنه يعتبر عدد الطلاق بالزوج ، فالحر يملك على زوجته الأمة ثلاث طلقات ، والعبد لا يملك على زوجته الحرة إلا طلقتين ، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : الطلاق بالرجال والعدة بالنساء ، يعني : يعتبر في عدد الطلاق حال الرجل ، وفي قدر العدة حال المرأة ، وهو قول عثمان وزيد بن ثابت وابن عباس رضي الله عنهم ، وبه قال عطاء وعيد بن المسيب وإليه ذهب مالك والشافعي وأحمد وإسحاق ، وذهب قوم إلى أن الاعتبار بالمرأة في عدد الطلاق ، فيملك العبد على زوجته الحرة ثلاث طلقات ، ولا يملك الحر على زوجته الأمة إلا طلقتين وهو قول سفيان الثوري وأصحاب الرأي .

قوله تعالى : { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن } . أعطيتموهن شيئاً من المهور وغيرها ثم استثنى الخلع . قوله تعالى : { إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله } . نزلت في جميلة بنت عبد الله بن أبي أوفى ويقال : في حبيبة بنت سهل ، كانت تحت ثابت بن قيس ابن شماس وكانت تبغضه وهو يحبها فكان بينهما كلام ، فأتت أباها فشكت إليه زوجها وقالت له : إنه يسيء إلي ويضربني فقال : ارجعي إلى زوجك فإني أكره للمرأة أن لا تزال رافعة يديها تشكو زوجها ، قال : فرجعت إليه الثانية ، وبها أثر الضرب فقال لها : ارجعي إلى زوجك ، فلما رأت أباها لا يشكيها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكت إليه زوجها وأرته آثاراً بها من ضربه وقالت : يا رسول الله لا أنا ولا هو ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ثابت فقال : مالك ولأهلك ؟ فقال : والذي بعثك بالحق نبياً ما على وجه الأرض أحب إلي منها غيرك ، فقال لها : ما تقولين ؟ فكرهت أن تكذب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سألها فقالت : صدق يا رسول الله ، ولكن قد خشيت أن يهلكني فأخرجني منه ، وقالت : يا رسول الله ما كنت لأحدثك حديثاً ينزل الله عليك خلافه ، فهو من أكرم الناس محبة لزوجته ، ولكني أبغضه ، فلا أنا ولا هو ، قال ثابت : يا رسول قد أعطيتها حديقة ، فقل لها تردها علي وأخلي سبيلها ، فقال لها : تردين عليه حديقته وتملكين أمرك ؟ قالت : نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا ثابت خذ منها ما أعطيتها وخل سبيلها ففعل " .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد بن الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا زاهر بن جميل أخبرنا عبد الوهاب الثقفي أنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما " أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، ما أعتب عليه في خلق ولا دين ، ولكني أكره الكفر بعد الإسلام . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتردين عليه حديقته ؟ قالت : نعم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقبل الحديقة ، وطلقها تطليقة " .

قوله تعالى : { أن لا يقيما حدود الله } . قرأ أبو جعفر وحمزة ويعقوب إلا أن يخافا ، بضم الياء أي يعلم ذلك منهما ، يعني : يعلم ذلك منهما ، يعني يعلم القاضي والولي ذلك من الزوجين ، بدليل قوله تعالى : ( فإن خفتم ) فجعل الخوف لغير الزوجين ، ولم يقل فإن خافا ، وقرأ الآخرون " يخافا " بفتح الياء أي يعلم الزوجان من أنفسهما أن لا يقيما حدود الله ، تخاف المرأة أن تعصي الله في أمر زوجها ، ويخاف الزوج إذا لم تطعه امرأته أن يعتدي عليها ، فنهى الله الرجل أن يأخذ من امرأته شيئاً مما آتاها ، إلا أن يكون النشوز من قبلها ، فقالت : لا أطيع لك أمراً ولا أطأ لك مضجعاً ونحو ذلك .

قوله تعالى : { فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } . أي فيما افتدت به المرأة نفسها منه ، قال الفراء : أراد بقوله " عليهما " الزوج دون المرأة ، فذكرهما جميعاً لاقترانهما كقوله تعالى ( نسيا حوتهما ) ، وإنما الناسي فتى موسى دون موسى ، وقيل : أراد أنه لا جناح عليهما جميعاً ، لا جناح على المرأة في النشوز إذا خشيت الهلاك والمعصية ، ولا فيما افتدت به وأعطت من المال ، لأنها ممنوعة من إتلاف المال بغير الحق ، ولا على الزوج فيما أخذ منها من المال إذا أعطته طائعة ، وذهب أكثر أهل العلم إلى أن الخلع جائز على أكثر مما أعطاها ، وقال الزهري : لا يجوز بأكثر مما أعطاها من المهر . وقال سعيد بن المسيب : لا يأخذ منها جميع ما أعطاها بل يترك منه شيئاً ، ويجوز الخلع على غير حال النشوز غير أنه لما فيه من قطع الوصلة بلا سبب .

أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنا أبو عبد الله بن زنجويه الدينوري ، أنا عبد الله بن محمد بن شيبة أنا أحمد بن جعفر المستملي ، أنا أبو محمد يحيى بن إسحاق بن شاكر بن أحمد بن خباب ، أنا عيسى بن يونس ، أنا عبد الله بن الوليد الوصافي عن محارب بن دثار عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن من أبغض الحلال إلى الله الطلاق ، ولا أحب إليه من العتق " .

أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرني ابن زنجويه ، أنا ابن أبيشيبة ، أنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، أنا أبي ، أنا أسامة عن حماد ابن زيد عن أبي أيوب عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة " .

وقال طاووس : الخلع يختص بحالة خوف النشوز لظاهر الآية ، والآية خرجت على وفق العادة في أن الخلع لا يكون إلا في حال خوف النشوز غالباً ، وإذا طلق الرجل امرأته بلفظ الطلاق على مال فقبلت ، وقعت البينونة وانتقض به العدد . واختلف أهل العلم في الخلع ، فذهب أكثرهم إلى أنه : تطليقة بائنة ينقص به عدد الطلاق ، وهو قول عمر وعثمان وعلي وابن مسعود ، وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء والحسن والشعبي والنخعي ، وإليه ذهب مالك والثوري والأوزاعي وأصحاب الرأي وهو أظهر قولي الشافعي ، وذهب قوم إلى أنه فسخ لا ينتقص به عدد الطلاق ، وهو قول عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم ، وبه قال عكرمة وطاووس وإليه ذهب أحمد وإسحاق ، واحتجوا بأن الله تعالى ذكر الطلاق مرتين ، ثم ذكر بعده الخلع ، ثم ذكر بعده الطلقة الثالثة فقال : فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره ، ولو كان الخلع طلاقاً لكان الطلاق أربعاً ، ومن قال بالقول الأول جعل الطلقة الثالثة : أو تسريح بإحسان .

قوله تعالى : { تلك حدود الله } . أي هذه أوامر الله ونواهيه ، وحدود الله : ما منع الشرع من المجاوزة عنه .

قوله تعالى : { فلا تعتدوها } . فلا تجاوزوها .

قوله تعالى : { ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَأۡخُذُواْ مِمَّآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ شَيۡـًٔا إِلَّآ أَن يَخَافَآ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَا فِيمَا ٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعۡتَدُوهَاۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (229)

{ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }

كان الطلاق في الجاهلية ، واستمر أول الإسلام ، يطلق الرجل زوجته بلا نهاية ، فكان إذا أراد مضارتها ، طلقها ، فإذا شارفت انقضاء عدتها ، راجعها ، ثم طلقها وصنع بها مثل ذلك أبدا ، فيحصل عليها من الضرر ما الله به عليم ، فأخبر تعالى أن { الطَّلَاقَ } أي : الذي تحصل به الرجعة { مَرَّتَانِ } ليتمكن الزوج إن لم يرد المضارة من ارتجاعها ، ويراجع رأيه في هذه المدة ، وأما ما فوقها ، فليس محلا لذلك ، لأن من زاد على الثنتين ، فإما متجرئ على المحرم ، أو ليس له رغبة في إمساكها ، بل قصده المضارة ، فلهذا أمر تعالى الزوج ، أن يمسك زوجته { بِمَعْرُوفٍ } أي : عشرة حسنة ، ويجري مجرى أمثاله مع زوجاتهم ، وهذا هو الأرجح ، وإلا يسرحها ويفارقها { بِإِحْسَانٍ } ومن الإحسان ، أن لا يأخذ على فراقه لها شيئا من مالها ، لأنه ظلم ، وأخذ للمال في غير مقابلة بشيء ، فلهذا قال : { وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ } وهي المخالعة بالمعروف ، بأن كرهت الزوجة زوجها ، لخلقه أو خلقه أو نقص دينه ، وخافت أن لا تطيع الله فيه ، { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } لأنه عوض لتحصيل مقصودها من الفرقة ، وفي هذا مشروعية الخلع ، إذا وجدت هذه الحكمة .

{ تِلْكَ } أي ما تقدم من الأحكام الشرعية { حُدُودُ اللَّهِ } أي : أحكامه التي شرعها لكم ، وأمر بالوقوف معها ، { وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } وأي ظلم أعظم ممن اقتحم الحلال ، وتعدى منه إلى الحرام ، فلم يسعه ما أحل الله ؟

والظلم ثلاثة أقسام :

ظلم العبد فيما بينه وبين الله ، وظلم العبد الأكبر الذي هو الشرك ، وظلم العبد فيما بينه وبين الخلق ، فالشرك لا يغفره الله إلا بالتوبة ، وحقوق العباد ، لا يترك الله منها شيئا ، والظلم الذي بين العبد وربه فيما دون الشرك ، تحت المشيئة والحكمة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَأۡخُذُواْ مِمَّآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ شَيۡـًٔا إِلَّآ أَن يَخَافَآ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَا فِيمَا ٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعۡتَدُوهَاۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (229)

{ الطلاق مرتان } أي التطليق الرجعي اثنان لما روي ( أنه صلى الله عليه وسلم سئل أين ؟ الثالثة ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : { أو تسريح بإحسان } . وقيل ؛ معناه التطليق الشرعي تطليقة بعد تطليقة على التفريق ، ولذلك قالت الحنفية الجمع بين الطلقتين والثلاث بدعة . { فإمساك بمعروف } بالمراجعة وحسن المعاشرة ، وهو يؤيد المعنى الأول . { أو تسريح بإحسان } بالطلقة الثالثة ، أو بأن لا يراجعها حتى تبين ، وعلى المعنى الأخير حكم مبتدأ وتخيير مطلق عقب به تعليمهم كيفية التطليق . { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا } أي من الصدقات . روي ( أن جميلة بنت عبد الله بن أبي ابن سلول ، كانت تبغض زوجها ثابت بن قيس فأتت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم فقالت : لا أنا ولا ثابت لا يجمع رأسي ورأسه شيء ، والله ما أعيبه في دين ولا خلق ولكني أكره الكفر في الإسلام ، وما أطيقه بغضا إني رفعت جانب الخباء فرأيته أقبل في جماعة من الرجال ، فإذا هو أشدهم وأقصرهم قامة وأقبحهم وجها . فنزلت فاختلعت منه بحديقة كان أصدقها إياها . والخطاب مع الحكام وإسناد الأخذ والإيتاء إليهم لأنهم الآمرون بهما عند الترافع . وقيل إنه خطاب للأزواج وما بعده خطاب للحكام وهو يشوش النظم على القراءة المشهورة . { إلا أن يخافا } أي الزوجان . وقرئ { يظنا } وهو يؤيد تفسير الخوف بالظن . { أن لا يقيما حدود الله } يترك إقامة أحكامه من مواجب الزوجية . وقرأ حمزة ويعقوب { يخافا } على البناء للمفعول وإبدال أن بصلته من الضمير بدل الاشتمال . وقرئ " تخافا " و " تقيما " بتاء الخطاب . { فإن خفتم } أيها الحكام . { أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } على الرجل في أخذ ما افتدت به نفسها واختلعت ، وعلى المرأة في إعطائه . { تلك حدود الله } إشارة إلى ما حد من الأحكام . { فلا تعتدوها } فلا تتعدوها بالمخالفة . { ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون } تعقيب للنهي بالوعيد مبالغة في التهديد ، وأعلم أن ظاهر الآية يدل على أن الخلع لا يجوز من غير كراهة وشقاق ، ولا بجميع ما ساق الزوج إليها فضلا عن الزائد ، ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم " أيما امرأة سألت زوجها طلاقا من غير بأس ، فحرام عليها رائحة الجنة " وما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال لجميلة : " أتردين عليه حديقته ؟ فقالت : أردها وأزيد عليها ، فقال عليه الصلاة والسلام أما الزائد فلا " . والجمهور استكرهوه ولكن نفذوه فإن المنع عن العقد لا يدل على فساده ، وأنه يصح بلفظ المفاداة ، فإنه تعالى سماه افتداء . واختلف في أنه إذا جرى بغير لفظ الطلاق هل هو فسخ أو طلاق ، ومن جعله فسخا احتج بقوله :

{ فإن طلقها } فإن تعقيبه للخلع بعد ذكر الطلقتين يقتضي أن يكون طلقة رابعة لو كان الخلع طلاقا . والأظهر أنه طلاق لأنه فرقة باختيار الزوج فهو كالطلاق بالعوض ، وقوله فإن طلقها متعلق بقوله : { الطلاق مرتان } أو تفسير لقوله : { أو تسريح بإحسان } اعترض بينهما ذكر الخلع دلالة على أن الطلاق يقع مجانا تارة وبعوض أخرى ، والمعنى .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَأۡخُذُواْ مِمَّآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ شَيۡـًٔا إِلَّآ أَن يَخَافَآ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَا فِيمَا ٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعۡتَدُوهَاۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (229)

الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ( 229 )

قال عروة بن الزبير وقتادة وابن زيد وغيرهم : نزلت هذه الآية بياناً لعدد الطلاق الذي للمرء فيه أن يرتجع دون تجديد مهر وولي ، وذلك أنهم كانوا في الجاهلية يطلقون ويرتجعون إلى غير غاية ، فقال رجل لامرأته على عهد النبي صلى الله عليه وسلم : لا أؤويك ولا أدعك تحلين ، قالت : وكيف ؟ قال : أطلقك فإذا دنا مضي عدتك راجعتك ، فشكت ذلك ، فنزلت الآية( {[2172]} ) ، وقال ابن مسعود وابن عباس ومجاهد وغيرهم : المراد بالآية التعريف بسنة الطلاق ، أي من طلق اثنتين فليتق الله في الثالثة فإما تركها غير مظلومة شيئاً من حقها وإما أمسكها محسناً عشرتها .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : والآية تتضمن هذين المعنيين( {[2173]} ) ، والإمساك بالمعروف هو الارتجاع بعد الثانية إلى حسن العشرة والتزام حقوق الزوجية . والتسريح يحتمل لفظه معنيين : أحدهما تركها تتم العدة من الثانية وتكون أملك بنفسها ، وهذا قول السدي والضحاك ، والمعنى الآخر أن يطلقها ثالثة فيسرحها بذلك ، وهذا قول مجاهد وعطاء وغيرهما ، ويقوى عندي هذا القول من ثلاثة وجوه : أولها أنه روي أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله هذا ذكر الطلقتين فأين الثالثة ؟ ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هي قوله : { أو تسريح بإحسان }( {[2174]} ) ، والوجه الثاني أن التسريح من ألفاظ الطلاق ، ألا ترى أنه قد قرىء { وإن عزموا السراح } [ البقرة : 227 ] ، والوجه الثالث أن فعّل تفعيلاً بهذا التضعيف يعطي أنه أحدث فعلاً مكرراً على الطلقة الثانية ، وليس في ترك إحداث فعل يعبر عنه بالتفعيل ، و { إمساك } مرتفع بالابتداء والخبر أمثل أو أحسن ، ويصح أن يرتفع على خبر ابتداء تقديره فالواجب إمساك ، وقوله { بإحسان } معناه أن لا يظلمها شيئاً من حقها ولا يتعدى في قول . وقوله تعالى : { ولا يحل لكم أن تأخذوا } الآية خطاب للأزواج ، نهاهم به أن يأخذوا من أزواجهم شيئاً على وجه المضارة ، وهذا هو الخلع الذي لا يصح إلا بأن لا ينفرد الرجل بالضرر( {[2175]} ) ، وخص بالذكر ما آتى الأزواج نساءهم ؛ لأن العرف من الناس أن يطلب الرجل عند الشقاق والفساد ما خرج عن يده ، هذا وكدهم( {[2176]} ) في الأغلب ؛ فلذلك خص بالذكر . وقرأ جميع السبعة إلا حمزة «يخافا » بفتح الياء على بناء الفعل للفاعل ، فهذا باب خاف في التعدي إلى مفعول واحد وهو { أن }( {[2177]} ) وقرأ حمزة وحده «يُخافا » بضم الياء على بناء الفعل للمفعول ، فهذا على تعدية خاف إلى مفعولين ، أحدهما أسند الفعل إليه ، والآخر { أن } بتقدير حرف جر محذوف( {[2178]} ) ، فموضع { أن } : خفض بالجار المقدر عند سيبويه والكسائي( {[2179]} ) ، ونصب عند غيرهما لأنه لما حذف الجار وصار الفعل إلى المفعول الثاني ، مثل استغفر الله ذنباً ، وأمرتك الخير( {[2180]} ) ، وفي مصحف ابن مسعود «إلا أن يخافوا » بالياء وواو الجمع ، والضمير على هذا للحكام ومتوسطي( {[2181]} ) أمور الناس .

وحرم الله - تعالى - على الزوج في هذه الآية أن يأخذ إلا بعد الخوف أن لا يقيما ، وأكد التحريم بالوعيد لمن تعدى الحد ، وأجمع عوام أهل العلم على تحظير أخذ مالها إلا أن يكون النشوز وفساد العشرة من قبلها . قال ابن المنذر : «روينا معنى ذلك عن ابن عباس والشعبي ومجاهد وعطاء والنخعي وابن سيرين والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير والزهري وحميد بن عبد الرحمن وقتادة وسفيان الثوري ومالك وإسحاق وأبي ثور ، وقال مالك - رحمه الله - والشعبي وجماعة معهما : فإن كان مع فساد الزوجة ونشوزها فساد من الزوج وتفاقم ما بينهما فالفدية جائزة للزوج .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : ومعنى ذلك أن يكون الزوج لو ترك فساده لم يزل نشوزها هي ، وأما إن انفرد الزوج بالفساد فلا أعلم أحداً يجيز له الفدية ، إلا ما روي عن أبي حنيفة أنه قال : «إذا جاء الظلم والنشوز من قبله فخالعته فهو جائز ماض وهو آثم لا يحل ما صنع ، ولا يرد ما اخذ ، قال ابن المنذر : «وهذا خلاف ظاهر كتاب الله ، وخلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو قيل لأحد : اجهد نفسك في طلب الخطأ ، ما وجد أمراً أعظم من أن ينطق القرآن بتحريم شيء فيحله هو ويجيزه » ، و { حدود الله } في الموضع هي ما يلزم الزوجين من حسن العشرة وحقوق العصمة( {[2182]} ) .

ونازلة حبيبة بنت سهل - وقيل جميلة بنت أبي ابن سلول والأول أصح ( {[2183]} )- مع ثابت بن قيس حين أباح له النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الفدية منها إنما كان التعسف فيها من المرأة لأنها ذكرت عنه كل خير وأنها لا تحب البقاء معه ، وقوله تعالى : { فإن خفتم ألا يقيما حدود الله } المخاطبة للحكام والمتوسطين لمثل هذا الأمر وإن لم يكن حكاماً ، وترك إقامة حدود الله هو استخفاف المرأة بحق زوجها وسوء طاعتها إياه ، قاله ابن عباس ومالك بن أنس وجمهور الفقهاء ، وقال الحسن بن أبي الحسن وقوم معه : إذا قالت له : لا أطيع لك أمراً ولا أغتسل لك من جنابة ولا أبر لك قسماً ، حل الخلع ، وقال الشعبي : { ألا يقيما حدود الله } : معناه أن لا يطيعا الله ، وذلك أن المغاضبة تدعو إلى ترك الطاعة ، وقال عطاء بن أبي رباح : يحل الخلع والأخذ أن تقول المرأة لزوجها إني لأكرهك ولا أحبُّك ونحو هذا .

وقوله تعالى : { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } إباحة للفدية ، وشركهما في ارتفاع الجناح لأنها لا يجوز لها أن تعطيه مالها حيث لا يجوز له أخذه وهي تقدر على المخاصمة ، فإذا كان الخوف المذكور جاز له أن يأخذ ولها أن تعطي ، ومتى لم يقع الخوف فلا يجوز لها أن تعطي على طالب الفراق( {[2184]} ) ، وقال ابن عمر والنخعي وابن عباس ومجاهد وعثمان بن عفان رضي الله عنه ومالك والشافعي وأبو حنيفة وعكرمة وقبيصة بن ذؤيب وأبو ثور وغيرهم : مباح للزوج أن يأخذ من المرأة في الفدية جميع ما تملكه ، وقضى بذلك عمر بن الخطاب ، وقال طاوس والزهري وعطاء وعمرو بن شعيب والحسن والشعبي والحكم وحماد وأحمد وإسحاق : لا يجوز له أن يزيد على المهر الذي أعطاها .

وبه قال الربيع ، وكان يقرأ هو والحسن بن أبي الحسن «فيما افتدت به منه » بزيادة «منه » ، يعني مما آتيتموهن وهو المهر . وحكى مكي هذا القول عن أبي حنيفة ، وابن المنذر أثبت( {[2185]} ) . وقال ابن المسيب : «لا أرى أن يأخذ منها كل مالها ولكن ليدع لها شيئاً » . وقال بكر بن عبد الله المزني : «لا يجوز للرجل أن يأخذ من زوجه شيئاً خلعاً قليلاً ولا كثيراً » ؛ قال : «وهذه الآية منسوخة بقوله عز وجل : { وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً }( {[2186]} ) [ النساء : 20 ] .

قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف ، لأن الأمة مجمعة على إجازة الفدية ، ولأن المعنى المقترن بآية الفدية غير المعنى الذي في آية إرادة الاستبدال( {[2187]} ) .

وقوله تعالى : { تلك حدود الله } الآية ، أي هذه الأوامر والنواهي هي المعالم بين الحق والباطل والطاعة والمعصية فلا تتجاوزوها ، ثم توعد - تعالى - على تجاوز الحد ووصف المتعدي بالظلم وهو وضع الشيء في غير موضعه ، والظلم معاقب صاحبه ، وهو كما قال صلى الله عليه وسلم : » الظلم ظلمات يوم القيامة «( {[2188]} ) .


[2172]:- رواه مالك، والترمذي، وابن جرير، والبيهقي في سننه عن هشام بن عروة عن أبيه.
[2173]:- جمهرة العلماء من المالكية وغيرهم على أن الطلاق الثلاث يلزم سواء كان في مرة أو في مرات، استناداً إلى رأي عمر رضي الله عنه حيث ألزمت الثلاث في كلمة واحدة عقوبة لهم حيث استهانوا بأمر الطلاق وكثُر منهم إيقاعه جملة واحدة، فرأى عمر رضي الله عنه أن يعاقبهم بإلزامهم الثلاث حتى يكفوا عن ذلك، والذي يدل عليه الكتاب والسنة أن الطلاق مرتان، وعليه فالطلاق في الثلاث في كلمة واحدة لا يلزم، قال في "أعلام الموقعين": «ولا يجوز في هذه الأزمنة معاقبة الناس بما عاقبهم به عمر رضي الله عنه من وجهين أحدهما أن أكثرهم لا يعلم أن جمع الثلاث حرام فكيف يعاقب من لم يرتكب حراماً عند نفسه ؟، والثاني أن عقوبتهم بذلك تفتح عليهم باب التحليل الذي كان مسدوداً على عهد الصحابة، ولا يستريب أحد في أن الرجوع إلى ما كان عليه الصحابة من قبل أولى من الرجوع إلى التحليل، نقله بعض المفسرين وارتضاه». ا هـ. وفي قوله تعالى: (الطلاق مرّتان) قال (ح): «هو على حذف مضاف. أي عدد الطلاق الذي يملك فيه الرجعة مرتان، والثالثة لا يملك فيها الرجعة». – ثم قال: «والمراد بذلك تفريق الطلاق إذا أراد أن يطلق ثلاثا» ا هـ.
[2174]:- رواه عبد الرزاق، والإمام أحمد، وأبو داود في ناسخه، وابن جرير، وابن المنذر والبيهقي، عن أبي رزين الأسدي.
[2175]:- يصدق بصورتين: انفراد الزوجة بالضرر، أو اشتراكهما في الضرر، ففي هاتين الصورتين يصح الخلع اتفاقا أو على الراجح، وأما إن انفرد الزوج بالضرر فلا أحد يجيز الخلع والاقتداء.
[2176]:- أي قصدهم وعرفهم.
[2177]:- أي مع صلتها.
[2178]:- وجه قراءة حمزة: أنه لما بُني الفعل للمفعول أُسند الفعل إليه فلم يبق شيء يتعدى إليه فأما (أن) من قوله: [ألا يقيما حدود الله] فإن الفعل يتعدى إليه بالجار. وموضع (أن) في الآية خُفض بالخافض المقدر على قول الكسائي، ونصب على قول سيبويه، إلا أنه لما حذف الجار وصل الفعل إلى المفعول الثاني مثل: استغفر الله ذنبا، وأمرتك الخير، واستغفر الله من ذنبه، وأمرتك بالخير، فقراءة حمزة بن حبيب الزيات قراءة مستقيمة.
[2179]:- الذي نقله أبو علي الفارسي، وغيره: أن موضعه نصب عند سيبويه، وجر عند الكسائي.
[2180]:- فيه أن (استغفر) تتعدى إلى اثنين، يقال: استغفر الله ذنبا، واستغفر الله من ذنبه، وأما (خاف) فإنما تتعدى إلى واحد.
[2181]:- أي المتوسطين بين الناس للإصلاح وإن لم يكونوا حكاما. تنبيه: حكم المختلعة في العدة حكم المطلقة كما قال تعالى: [والمطلّقات يتربّصن بأنفسهن ثلاثة قروء] وقال آخرون: تعتد بحيضة، وروي ذلك في حديث حبيبة بنت سهل الأنصاري، وفي أحاديث أخرى. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: الخلع فسخ عصمة وليس بطلاق كما ذكره ابن المنذر في الاشراف عنه، والجمهور على القول الأول، وهناك فرقة اعتمدت ما ورد من الأحاديث في الاعتداد بحيضة.
[2182]:- وفي بعض النسخ: «وحقوق الصحبة».
[2183]:- قال ابن (ك): «هو المشهور، ونص ما رواه الإمام مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن بن سعيد بن زرارة أنها أخبرته عن حبيبة بنت سهل الأنصاري أنها كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصبح فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من هذه ؟ قالت: أنا حبيبة بنت سهل، فقال: ما شأنك ؟ فقالت: لا أنا ولا ثابت بن قيس لزوجها. فلما جاء ثابت بن قيس قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه حبيبة بنت سهل (قد ذكرت ما شاء الله أن تذكر) فقالت حبيبة: يا رسول الله كل ما أعطاني عندي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ منها فأخذ منها وجلست في أهلها، وهكذا رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي عن مالك». تفسير ابن كثير ج 1-485 طبعة دار الأندلس – بيروت.
[2184]:- سبق في قصة حبيبة بنت سهل الأنصاري أنها أعطت على طلب الفراق، وقد أباح ذلك صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أنها لا تطلب الفراق إلا إذا كرهته.
[2185]:- أي أثبت من (مكي) في نسبة القول إلى أبي حنيفة، وحاصله أن ابن المنذر نسب إلى أبي حنيفة القول الأول وهو جواز الفدية بجميع ما تملك، ومكي نسب إليه عدم الجواز، وابن المنذر أثبت في النقل من مكي عندهم.
[2186]:- من الآية (20) من سورة (النساء).
[2187]:- علل ذلك بعلتين الأولى: إجماع الأمة على جواز الافتدا والخلع عند الضرورة، والثانية أن مجال الآيتين مختلف فلا تنافي بينهما، فهذه الآية فيما يكون بين الزوجين من نشوز وعصيان، وتلك الآية عند ما يريد الرجل استبدال زوج مكان زوج، فإذا أراد أن يستبدلهما من دون معصية ولا نشوز فلا يجوز له أخذ شيء.
[2188]:- متفق عليه من حديث عن عمر مرفوعاً، قاله السخاوي في "المقاصد الحسنة".