تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان  
{ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَأۡخُذُواْ مِمَّآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ شَيۡـًٔا إِلَّآ أَن يَخَافَآ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَا فِيمَا ٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعۡتَدُوهَاۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (229)

الإمساك بالمعروف : أن يرجع زوجته بقصد المعاشرة الحسنة .

افتدت : أي دفعت عن نفسها فدية لتخلصها بها .

حدود الله : أحكامه .

الاعتداء : تجاوز الحد .

شُرع الطلاق في الإسلام حينما تشتد الخصومة بين الزوجين إلى حد لا تجدي فيه محاولة الإصلاح . وقد عُرف الطلاق من قديم ، فكان للمرأة عند العرب في جاهليتهم طلاق وعدة ومراجعة في العدة . لكنه لم يكن للطلاق حد ولا عدد ، فكان الرجل يطلق زوجته ثم يطلقها إلى غير حد . تطليق فمراجعة ، ثم تطليق فمراجعة وهكذا ، لا يتركها لتتزوج غيره فتستريح ، ولا يثوب إلى رشده فيحسن عشرتها ، وإنما يتخذها ألعوبة في يده .

فأنزل الله تعالى : { الطلاق مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أو تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } والمعنى : أن الطلاق المشروع عند تحقق ما يبيحه ، يكون على مرتين ، مرة بعد مرة .

فإذا ما طلق الرجل زوجته المرة الأولى أو الثانية ، كان عليه إما ردّها إلى عصمته مع إحسان عشرتها ، وهذا هو الإمساك بالمعروف ، وإما أن يتركها تنقضي عدتها وتنقطع علاقتها به ، وذلك هو التسريح بالإحسان . فإن عاد الزوج بعد أن راجعها من الطلاق الثاني وطلقها ثالثة حرمت عليه ، حتى تتزوج من غيره ويطلقها الأخير وتنقضي عدتها منه . بذلك تكون المدة التي انفصل عنها الأول فيها لا تقل عن ستة أشهر ، وبعد ذلك يجوز له أن يتزوجها إن أرادت .

{ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً . . . الآية } لا يحل للرجل أن يسترد شيئاً من صداقٍ أو نفقة أنفقها على زوجته في مقابل طلاقها ، ما لم تجد هي أنها كارهة لا تطيق عشرته وتخاف معه أن تخرج عن حدود الله ، فهنا يجوز لها أن تطلب الطلاق منه ، وأن تعوضه عن تحطيم بيته . وذلك بأن ترد المهر الذي دفعه لها أو بعض النفقة عليها أو كلها .

وهكذا يراعى الإسلام جميع الحالات الواقعية التي تعرض للناس ، ويراعي مشاعر القلوب التي لا حيلة للإنسان فيها ، ولا يجبر الزوجة على حياة تنفر منها ، وفي الوقت ذاته لا يضيع على الرجل ماله بلا ذنب جناه .

وأول حادث حدث في الإسلام من هذا القبيل أن جميلة بنت أُبَيّ بن سلول كانت زوجة لثابت بن قيس ، وقد جاءت إلى رسول الله وقالت له : يا رسول الله ، لا يجمع رأسي ورأسه شيء أبدا ، إني رفعت جانب الخباء ، فرأيته أقبلَ في عدة من الرجال فإذا هو أشدّهم سواداً وأقصرهم قامة ، وأقبحهم وجها . وقال ثابت : يا رسول الله ، إني أعطيتها أفضل مالي ، حديقة ، فلترد علي حديقتي . قال : ما تقولين ؟ قالت : نعم ، وإن شاء زدته . ففرق النبي بينهما . وهذا معنى قوله تعالى { أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله } وهو أن يظهر من المرأة سوء الخلق والعشرة لزوجها ، فإذا ظهر ذلك حلّ له أن يأخذ ما أعطته من فدية على فراقها . هذا ما سماه الفقهاء «خلعا » وهو طلاق ، عدته كعدته .

تلك حدود الله ، أوامره ونواهيه ، فلا تتجاوزوا ما أحلّه لكم إلى ما حرمه عليكم . ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون لأنفسهم . والذي يظلم زوجته يكون قد خان أمانة الله . وظلم بذلك نفسه . والرابطة الزوجية أمتن الروابط وأحكمها ، وهي أساس بناء المجتمع . ولقد حذّر النبي الكريم النساء من الإساءة إلى أزواجهن ، فقد روى أحمد والترمذي والبيهقي عن ثوبان أنه صلى الله عليه وسلم قال : «أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس ، فحرام عليها رائحة الجنة » .