التفسير الصحيح لبشير ياسين - بشير ياسين  
{ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَأۡخُذُواْ مِمَّآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ شَيۡـًٔا إِلَّآ أَن يَخَافَآ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَا فِيمَا ٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعۡتَدُوهَاۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (229)

قوله تعالى{ الطلاق مرتان فإمساك بمعروف او تسريح بإحسان }الآية

أخرج مالك( الموطأ-الطلاق- باب جامع الطلاق2/588 )والترمذي( السنن-الطلاق واللعان 3/488 )والطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح عن عروة بن الزبير : كان الرجل إذا طلق امرأته ثم ارتجعها قبل ان تنقضي عدتها كان ذلك له ، وإن طلقها ألف مرة ، فعمد رجل إلى امرأته فطلقها حتى شارفت انقضاء عدتها راجعها ثم طلقها ثم قال : لا والله لا آويك إلي ولا تحلين أبدا فأنزل الله تبارك وتعالى{ الطلاق مرتان فإمساك بمعروف او تسريح بإحسان }فاستقبل الناس الطلاق جديدا من يومئذ من كان طلق منهم او لم يطلق . واللفظ لمالك .

وأخرجه الترمذي والحاكم وصححه( المستدرك 2/280 ، 279 )والبيهقي( السنن الكبرى 7/333 )وصححه احمد شاكر في تعليقه على الطبري كلهم عن عروة عن عائشة وتكلم في سنده بسبب يعلى بن شبيب ولكنه روي من طرق مرسلة تقويه .

أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله{ الطلاق مرتان فإمساك بمعروف او تسريح بإحسان }قال : إذا طلق الرجل امرأته تطليقتين فليتق الله في التطليقة الثالثة ، فإما ان يمسكها بمعروف فيحسن صحابتها ، أو يسرحها بإحسان فلا يظلمها من حقها شيئا .

أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسند حسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله{ الطلاق مرتان فإمساك بمعروف او تسريح بإحسان }قال : يطلق الرجل امرأته طاهرا من غير جماع ، فإذا حاضت ثم طهرت فقد تم القرء ثم يطلق الثانية كما يطلق الأولى ، إن أحب ان يفعل ، فإذا طلق الثانية ثم حاضت الحيضة الثانية فهما تطليقتان وقرءان-مثنى قرء-ثم قال الله تعالى ذكره في الثالثة{ فإمساك بمعروف او تسريح بإحسان }فيطلقها في ذلك القرء كله إن شاء حين تجمع عليها ثيابها .

قال أبو داود : حدثنا سليمان بن حرب ، ثنا حماد ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أبي أسماء ، عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيما امرأة سألت زوجها طلاقا في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة " .

( السنن 2/268 ح2226- ك الطلاق ، ب في الخلع ) . وأخرجه ابن ماجه( 2/662-ك الطلاق ، ب كراهية الخلع للمرأة رقم 2055 )وابن الجارود في ( المنتقى رقم 748 ) ، وابن حبان في صحيحه( الإحسان 9/490 ح4184 )والحاكم في ( المستدرك 2/200 )وغيرهم من طرق عن أيوب به . وأخرجه الترمذي( 3/484- ك الطلاق ، ب ما جاء في المختلعات رقم 1187 ) ووقع في إسناده : عن أبي قلابة عمن حدثه عن ثوبان . والمبهم في إسناد الترمذي هو أبو أسماء الرحبي كما تقدم . قال الترمذي : حديث حسن . وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، وأقره الذهبي . قال الألباني : إنما هو على شرط مسلم وحده . ( الإرواء7/100 )وحسنه السيوطي( فيض القدير مع الجامع الصغير 3/138 ح2944 ) . وصححه الألباني( الإرواء 7/100 ) .

قوله تعالى{ ولا يحل لكم ان تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله }

قال الشيخ الشنقيطي عند هذه الآية : صرح في هذه الآية الكريمة بأن الزوج لا يحل له الرجوع في شئ مما اعطى زوجته ، إلا على سبيل الخلع ، إذا خافا الا يقيما حدود الله ، فيما بينهما ، فلا جناح عليهما إذن في الخلع . أي : لا جناح عليها هي في الدفع ، ولا عليه هو في الأخذ .

وصرح في موضع آخر بالنهي عن الرجوع في شئ مما اعطى الزواج زوجاتهم ، ولو كان المعطى قنطارا وبين ان أخذه بهتان وإثم مبين ، وبين ان السبب المانع من اخذ شئ منه هو انه أفضى إليها بالجماع . وذلك في قوله تعالى : { وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا }وبين في موضع آخر ان محل النهي عن ذلك إذا لم يكن عن طيب النفس من المرأة ، وذلك في قوله : { فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا }وأشار إلى ذلك بقوله : { ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة } .

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس{ ولا يحل لكم ان تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله }إلا ان يكون النشوز وسوء الخلق من قبلها فتدعوك إلى ان تفتدي منك فلا جناح عليك فيما افتدت به .

قوله تعالى{ فإن خفتم الا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به }

أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس{ فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به }هو تركها إقامة حدود الله استخفافا بحق زوجها وسوء خلقها فتقول له : والله لا أبر لك قسما ، ولا أطأ لك مضجعا ، ولا أطيع لك امرا ، فإذا فعلت ذلك ، فقد حل له منها الفدية ولا يأخذ أكثر مما أعطاها شيئا ويخلي سبيلها إن كانت الإساءة من قبلها .

أخرج البخاري بسنده عن ابن عباس : أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، ثابت بن قيس ما أعتب عليه حديقته ؟ " قالت : نعم . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اقبل الحديقة وطلقها تطليقة " .

( الصحيح-الطلاق ، ب الخلع وقول الله تعالى{ لا يحل لكم ان تأخذوا مما آتيتموهن شيئا }ح 5273 ) .

انظر الآية رقم( 233 )من السورة نفسها .

قوله تعالى{ تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون }

انظر سورة البقرة آية( 187 ) .