قوله تعالى : { الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ } فيه تأويلان :
أحدهما : أنه بيان لعدد الطلاق وتقديره بالثلاث ، وأنه يملك في الاثنين الرجعة ولا يملكها في الثالثة ، وهو قول عروة وقتادة ، وروى هشام ابن عروة عن أبيه قال : كان{[333]} الرجل يطلق ناسياً ، إنْ راجع امرأته قبيل أن تنقضي عدتها كانت امرأته ، فغضب رجل من الأنصار على امرأته ، فقال لها : لا أقربك ولا تختلين مني ، قالت له كيف ؟ [ قال ] أطلقك فإذا دنا أجلك راجعتك ، فشكت زوجها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى : { الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ } الآية .
والتأويل الثاني : أنه بيان لسنة الطلاق أن يوقع في كل قول{[334]} طلقة واحدة ، وهو قول عبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عباس ، ومجاهد .
قوله تعالى : { فَإِمْسَاكُ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحُ بِإِحْسَانٍ } فيه تأويلان :
الأول : هذا في الطلقة الثالثة ، روى سفيان ، عن إسماعيل بن سميع ، عن أبي رزين قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : الطلاق مرتان فأين الثالثة ؟ قال : { فَإِمْسَاكُ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحُ بِإِحْسَانٍ }{[335]} ، وهذا قول عطاء ، ومجاهد .
والثاني : { فَإِمْسَاكُ بِمَعْرُوفٍ } الرجعة بعد الثانية { أَوْ تَسْرِيحُ بِإِحْسَانٍ } والإمساك عن رجعتها حتى تنقضي العدة ، وهو قول السدي ، والضحاك . الإحسان هو تأدية حقها ، والكف عن أذاها .
ثم قال تعالى : { وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً } يعني من الصداق { إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيَما حُدُودَ اللهِ } قرأ حمزة بضم الياء من يخافا ، وقرأ الباقون بفتحها ، والخوف ها هنا بمعنى الظن ، ومنه قول الشاعر :
أتاني كلامٌ عن نصيبٍ يقوله *** وما خِفْتُ بالإسلامِ أنك عائبي
وفي { أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيَما حُدُودَ اللهِ } أربعة تأويلات :
أحدها : أن يظهر من المرأة النُّشُوز وسوء الخُلُق ، وهو قول ابن عباس .
والثاني : أن لا تطيع له أمراً ، ولا تبرّ له قَسَماً ، وهو قول الحسن ، والشعبي .
والثالث : هو أن يبدي لسانها أنها له كارهة ، وهو قول عطاء .
والرابع : أن يكره كل واحد منهما صاحبه ، فلا يقيم كل واحد منهما ما أوجب الله عليه من حق صاحبه ، وهو قول طاوس ، وسعيد بن المسيب ، والقاسم بن محمد ، روى ثابت بن يزيد ، عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " المُخْتِلعَاتُ والمُنْتَزِعَاتُ هُنَّ المُنَافِقَاتُ " {[336]} . يعني التي تخالع زوجها لميلها إلى غيره .
ثم قال تعالى : { فإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَلاَ جُنَاحَ عَليهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } فيه قولان :
أحدهما : افتدت به نفسها من الصداق وحده من غير زيادة ، وهو قول عليّ ، وعطاء ، والزهري ، وابن المسيب ، والشعبي ، والحكم ، والحسن .
والقول الثاني : يجوز أن تُخَالِعَ زوجها بالصداق وبأكثر منه ، وهذا قول عمر ، وابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، والنخعي ، والشافعي .
رَوَى عبد الله بن محمد بن عقيل : أن الرُّبَيِّعَ بنت مُعَوّذ بن عفراء حدثته قالت : كان لي زوج يُقِلُّ عليَ الخبز إذا حضر ، ويحرمني إذا غاب ، قالت : وكانت مني زَلَّةٌ يوماً فقلت : أنْخَلِعُ منك بكل شيء أملكه ، قال : نعم ، قالت ففعلت ، قالت : فخاصم عمي معاذ بن عفراء إلى عثمان بن عفان ، فأجاز الخلع ، وأمره أن يأخذ ما دون عقاص الرأس .
واختلفوا في نسخها ، فَحُكِيَ عن بكر بن عبد الله{[337]} أن الخلع منسوخ بقوله تعالى :
{ وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوجٍ وَءَاتَيتُم إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيئاً }
[ النساء : 20 ] وذهب الجمهور إلى أن حكمها ثابت في جواز الخلع .
وقد روى أيوب ، عن كثير مولى سَمُرة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أُتِيَ بامرأة ناشزة ، فأمر بها إلى بيت كثير ، فحبسها ثلاثاً ، ثم دعاها فقال : كيف وجدت مكانك ؟ قالت : ما وجدتُ راحة منذ كنت إلا هذه الليالي التي حبستني ، فقال لزوجها : اخلعها ولو من قرطها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.