تفسير ابن أبي زمنين - ابن أبي زمنين  
{ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَأۡخُذُواْ مِمَّآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ شَيۡـًٔا إِلَّآ أَن يَخَافَآ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَا فِيمَا ٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعۡتَدُوهَاۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (229)

{ الطلاق مرتان } قال يحيى : بلغنا أن أهل الجاهلية لم يكن لهم حد في الطلاق ، كان يطلق أحدهم العشر وأقل من ذلك وأكثر ، فجعل الله حد الطلاق ثلاثا ، ثم قال : { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } وبلغنا أن رجلا قال : يا رسول الله ، قول الله : { الطلاق مرتان } فأين الثالثة ؟ قال : قوله تعالى : { أو تسريح بإحسان }{[146]} .

قال محمد : القراءة " فإمساك " بالرفع{[147]} على معنى : فالواجب عليكم إمساك بمعروف ، أو تسريح بإحسان ، ومعنى " بمعروف " بما يعرف من إقامة الحق ، في إمساك المرأة ، وقوله تعالى : { الطلاق مرتان } معناه : الطلاق الذي يملك فيه الرجعة تطليقتان .

{ ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله } يعني أمر الله في أنفسهما ، وذلك أنه يخاف من المرأة في نفسها إذا كانت مبغضة لزوجها فتعصي الله فيه ، ويخاف من الزوج إن لم يطلقها أن يتعدى عليها . قال محمد : الذي يدل عليه تفسير يحيى : أن القراءة كانت عنده " يخافا " بضم الياء ، وكذلك قرأها أبو جعفر وحمزة ، وقرأها نافع وغير واحد { يخافا } بالفتح ، ذكره أبو عبيد .

قال أبو عبيد : والقراءة عندنا بضم الياء ، لقوله تعالى : { فإن خفتم } فجعل الخوف لغيرهما ، ولم يقل : فإن خافا . قال قتادة خاطب بهذا الولاة { ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله } يعني سنة الله وأمره في الطلاق { فلا تعتدوها } أي لا تتعدوها إلى غيرها { ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون } لأنفسهم . قال محمد : ومعنى حدود الله : ما حده مما لا تجوز مجاوزته إلى غيره ، وأصل الحد في اللغة : المنع ، يقال : حددت الدار ، أي بينت الأمكنة التي تمنع غيرها أن يدخل فيها ، وحددت الرجال أقمت عليه الحد ، والحد : هو الذي يمتنع به الناس من أن يدخلوا فيما يجلب إليهم العقوبة .


[146]:مرسل: أخرجه الدارقطني في سننه (414، ح2) البيهقي في الكبرى (7/340) أبو داود في مراسيله (ح220) عبد الرزاق في تفسيره (1/93).
[147]:هي قراءة الجمهور. انظر: إعراب القرآن (1/264).