جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَأۡخُذُواْ مِمَّآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ شَيۡـًٔا إِلَّآ أَن يَخَافَآ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَا فِيمَا ٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعۡتَدُوهَاۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (229)

{ الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ } ، كان {[424]} الطلاق غير محصور في الجاهلية في عدد ، ثم إن رجلا من الأنصار غضب على امرأته فقال : لا أطلقك ولا أؤويك أبدا ، أطلقك حتى إذا دنا أجلك راجعتك وهكذا ، فشكت ذلك للنبي عليه الصلاة والسلام ، فنزلت ، وحاصله أن الطلاق الرجعي مرتان ، ( فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ } أي : إذا طلقتها واحدة أو اثنتين فلك الخيار في المراجعة وحسن المعاشرة {[425]} ، { أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } : بالطلقة الثالثة {[426]} ، أو بألا تراجعها ضراراً { وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ } أيها الولاة { أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ {[427]} } : من الصداق ، { شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَا } أي : الزوجان ، { أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ } من مواجب الزوجية ، ولما كان الولاة يأمرون بالأخذ والإيتاء عند الترافع كأنهم الآخذون والمؤتون {[428]} ، { فَإِنْ خِفْتُمْ } أيها {[429]} الحكام في المزاوجة ، { أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } أي : لا جناح على المرأة فيما أعطيت ولا على الرجل فيما أخذ ، وحاصله أنه لا يجوز أن تضيقوا عليهن ليفتدين منكم بما أعطيتموهن من الصداق ، نعم إذا تراضيا وطبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا ، ولهذا كثير من السلف والخلف على أن الخلع حرام إلا أن يكون الشقاق من المرأة ، لكن ذهب الشافعي إلى أنه إذا جاز في حال شقاقها {[430]} فبطريق الأولى عند الاتفاق ، لكن في غير هاتين الصورتين فحرام ، { تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا } بالمخالفة ، { وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } : عقب النهي بالوعيد مبالغة في التهديد .


[424]:رواه الترمذي وابن أبي حاتم وابن جرير والحاكم، وقال: صحيح الإسناد/12 [وتعقبه الذهبي كما في التلخيص (2/28) بقوله: في حميد بن كاسب: "ضعفه غير واحد"
[425]:فإمساك مبتدأ حذف خبره، أي فلك إمساك/12
[426]:نقل أبو داود عن ابن عباس والنسائي عن علي بن الحسين، أن قوله: "الطلاق مرتان" ناسخ لقوله: "وبعولتهن أحق بردهن" من أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثاً فهو كان أحق رجعتها/12
[427]:"شيئا" إما مفعول به و"مما" حال مقدم أو بيان، وإما مفعول مطلق أي: شيئا من الأخذ، و"مما" مفعول به/12
[428]:(*) كذا في الأصل، وكأنه أراد أن يقول: ولما كان الولاة... قال، فسقطت قال من آخر الكلام
[429]:الأولى أن يكون الخطاب للولاة والحكام، ولا يجوز أن يكون الخطاب في قوله: "وإن خفتم" للأزواج بقرينة "ألا يقيما"، وقيل: الخطاب لمجموع المؤمنين/12
[430]:فيجوز حينئذ للرجل قبول الفدية/12