بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَأۡخُذُواْ مِمَّآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ شَيۡـًٔا إِلَّآ أَن يَخَافَآ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَا فِيمَا ٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعۡتَدُوهَاۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (229)

ثم بيّن الطلاق الذي يملك فيه الرجعة ، فقال تعالى : { الطلاق مَرَّتَانِ } ، يعني يقول : الطلاق الذي يملك فيه الرجعة تطليقتان . { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ } ، يعني إذا راجعها ، يمسكها بمعروف ، ينفق عليها ، ويكسوها ، ولا يؤذيها ، ويحسن معاشرتها ؛ { أَوْ تَسْرِيحٌ بإحسان } ، يعني يؤدي حقها ، ويخلي سبيلها . ويقال : { أَوْ تَسْرِيحٌ بإحسان } ، يعني يطلقها التطليقة الثالثة ويعطي مهرها . ويقال : يتركها حتى تنقضي عدتها . ويقال يؤتي حقها ويخلي سبيلها ويقال :{ أو تسرح بإحسان } قال ابن عباس : كان أهل الجاهلية إذا طلق تطليقة أو تطليقتين ، كان الزوج أحق بها ؛ وإذا طلقها الثالثة ، كانت المرأة أحق بنفسها ؛ واحتج بقول الأعشى وكانت امرأته من بني مروان ، فأخذه بنو مروان حتى يطلق امرأته ، فلما طلقها واحدة قالوا له : عد فطلقها الثانية ، فلما طلقها الثانية قالوا له : عد فطلقها الثالثة ، فعرف أنها بانت منه ولا تحل له ، فقال عند ذلك :

أَيَا جَارتِي بِينِي فإِنَّكِ طَالِقَه . . . كَذَاكَ أُمُورُ النَّاسِ غَادٍ وَطَارِقَه

وبَيِنِي فَإِنَّ البَيْنَ خَيْرٌ مِنَ العَصَا . . . وَأَنْ لاَ تَزَالُ فَوْقَ رَأْسِكِ بَارِقَه

وَذُوقِي قَنَى الحَيِّ إنِّي ذَائِق . . . قَنَاة أُنَاسٍ مِثْلَ مَا أَنْتَ ذَائِقَه

لقدكان في شأن قومِك منكحٌ . . . وفتيان هزان الطوال العرايضة

ثم قال تعالى : { وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا } . نزلت في جميلة بنت عبد الله بن أبي ابن سلول ، وزوجها ثابت بن قيس ؛ وكانت تبغضه ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : لا أنا ولا ثابت فقال لها : « أَتُرَدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ ؟ » فقالت : نعم وزيادة . فقال : « أَمَّا الزِّيَادَة ، فلا » فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجها وخلعها من زوجها ، فذلك قوله تعالى : { وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا } من المهر ؛ { إِلاَّ أَن يَخَافَا } ، يعني : يعلما { أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله } ، أي أمر الله فيما أمر ونهى . قرأ حمزة { يَخَافَا } بضم الياء على فعل ما لم يسم فاعله ، والباقون : بالنصب . وقرأ ابن مسعود : { إِلا أَنْ يخافوا } .

ثم قال : { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله } ، يقول : إن علمتم أن لا يكون بينهما صلاح في المقام ، { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افتدت بِهِ } ، أي لا حرج على الزوج أن يأخذ ممَّا افتدت به المرأة ، إن كان النشوز من قبل المرأة . فأما إذا كان النشوز من قبل الزوج ، فلا يحل له أن يأخذ ، بدليل ما قاله في آية أخرى : { وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً } [ النساء : 20 ] .

ثم قال تعالى : { بِهِ تِلْكَ حُدُودُ الله } ، أي أحكامه وفرائضه ؛ { فَلاَ تَعْتَدُوهَا } ، أي لا تجاوزوها . { وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ الله } ، أي يتجاوز أحكام الله وفرائضه بترك ما أمر الله تعالى أو بعمل ما نهاه ؛ { فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظالمون } ، يقول : الضارون الشاقون بأنفسهم . ويقال : { تِلْكَ حُدُودُ الله } ، يعني الطلاق مرتان ، فلا تجاوزوهما إلى الثالثة . { ومن يتعد حدود الله } بالتطليقة الثالثة ، { فأولئك هم الظالمون } .