معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ} (6)

قوله تعالى : { اهدنا الصراط المستقيم } . اهدنا أرشدنا . وقال علي ، وأبي بن كعب : " ثبتنا " كما يقال للقائم قم حتى أعود إليك ، أي دم على ما أنت عليه . وهذا الدعاء من المؤمنين مع كونهم على الهداية بمعنى التثبيت وبمعنى طلب مزيد الهداية ، لأن الألطاف والهدايات من الله تعالى لا تتناهى على مذهب أهل السنة . ( الصراط ، وصراط ) ، قرئ بالسين رواه رويس عن يعقوب وهو الأصل ، سمي سراطاً لأنه يسرط السابلة ، ويقرأ بالزاي ، وقرأ حمزة بإشمام الزاي ، وكلها لغات صحيحة ، واختيار الصاد ، عند أكثر القراء لموافقة المصحف . والصراط المستقيم ، قال ابن عباس وجابر : هو الإسلام وهو قول مقاتل ، وقال ابن مسعود : هو القرآن وروي عن علي مرفوعاً " الصراط المستقيم " كتاب الله ، وقال سعيد بن جبير : طريق الجنة ، وقال سهل بن عبد الله : طريق السنة والجماعة ، وقال بكر بن عبد الله المزني : طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال أبو العالية و الحسن : رسول الله وآله وصاحباه ، وأصله في اللغة الطريق الواضح .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ} (6)

ثم قال تعالى : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } أي : دلنا وأرشدنا ، ووفقنا للصراط المستقيم ، وهو الطريق الواضح الموصل إلى الله ، وإلى جنته ، وهو معرفة الحق والعمل به ، فاهدنا إلى الصراط واهدنا في الصراط . فالهداية إلى الصراط : لزوم دين الإسلام ، وترك ما سواه من الأديان ، والهداية في الصراط ، تشمل الهداية لجميع التفاصيل الدينية علما وعملا . فهذا الدعاء من أجمع الأدعية وأنفعها للعبد ولهذا وجب على الإنسان أن يدعو الله به في كل ركعة من صلاته ، لضرورته إلى ذلك .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ} (6)

{ اهدنا الصراط المستقيم } بيان للمعونة المطلوبة فكأنه قال : كيف أعينكم فقالوا { اهدنا } أو إفراد لما هو المقصود الأعظم . والهداية دلالة بلطف ولذلك تستعمل في الخير وقوله تعالى : { فاهدوهم إلى صراط الجحيم } وارد على التهكم . ومنه الهداية وهوادي الوحش لمقدماتها ، والفعل منه هدى ، وأصله أن يعدى باللام ، أو إلى ، فعومل معاملة اختار في قوله تعالى : { واختار موسى قومه } وهداية الله تعالى تتنوع أنواعا لا يحصيها عد كما قال تعالى : { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } ولكنها تنحصر في أجناس مترتبة :

الأول : إفاضة القوى التي بها يتمكن المرء من الاهتداء إلى مصالحه كالقوة العقلية والحواس الباطنة والمشاعر الظاهرة .

الثاني نصب الدلائل الفارقة بين الحق والباطل والصلاح والفساد وإليه أشار حيث قال { وهديناه النجدين } وقال : { وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى } .

الثالث : الهداية بإرسال الرسل وإنزال الكتب ، وإياها عنى بقوله : { وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا } وقوله { إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم } .

الرابع أن يكشف على قلوبهم السرائر ويريهم الأشياء كما هي بالوحي ، أو الإلهام والمنامات الصادقة ، وهذا قسم يختص بنيله الأنبياء والأولياء وإياه عنى بقوله { أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده } وقوله : { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } . فالمطلوب إما زيادة ما منحوه من الهدى ، أو الثبات عليه ، أو حصول المراتب المرتبة عليه فإذا قاله العارف بالله الواصل عنى به أرشدنا طريق السير فيك لتمحو عنا ظلمات أحوالنا ، وتميط غواشي أبداننا ، لنستضيء بنور قدسك فنراك بنورك . والأمر والدعاء يتشاركان لفظا ومعنى ويتفاوتان بالاستعلاء والتسفل ، وقيل بالرتبة .

والسراط : من سرط الطعام إذا ابتلعه فكأنه يسرط السابلة ، ولذلك سمي لقما لأنه يلتقمهم . و{ الصراط } من قلب السين صادا ليطابق الطاء في الإطباق ، وقد يشم الصاد صوت الزاي ليكون أقرب إلى المبدل منه . وقرأ ابن كثير برواية قنبل عنه ، ورويس عن يعقوب بالأصل ، وحمزة بالإشمام ، والباقون بالصاد وهو لغة قريش ، والثابت في الإمام وجمعه سرط ككتب وهو كالطريق في التذكير والتأنيث .

و{ المستقيم } المستوي والمراد به طريق الحق ، وقيل هو ملة الإسلام .