{ إهدنا الصراط المستقيم } إفراد - لمعظم أفراد المعونة المسؤولة - بالذكر ، وتعيينٌ لما هو الأهمُ أو بيان لها ، كأنه قيل : كيف أُعينكم فقيل : اهدنا .
والهدايةُ دلالةٌ بلطفٍ على ما يوصِلُ إلى البُغية ، ولذلك اختصّتْ بالخير ، وقوله تعالى : { فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِراطِ الجحيم } [ الصافات ، الآية 23 ] وارد على نهج التهكّم ، والأصلُ تعديتُها بإلى واللام ، كما في قوله تعالى : { قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُمْ مَّن يَهْدِي إِلَى الحق قُلِ الله يَهْدِي لِلْحَقّ } [ يونس ، الآية 35 ] فعومل معاملةَ اختارٍ في قوله تعالى : { واختار مُوسَى قَوْمَهُ } [ الأعراف ، الآية 155 ] وعليه قولُه تعالى : { لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } [ العنكبوت ، الآية 69 ] وهدايةُ الله تعالى مع تنوعها إلى أنواع لا تكاد تُحصر منحصرةٌ في أجناس مترتبة ، ( منها ) أنفسيةٌ ، كإفاضة القُوى الطبيعيةِ والحيوانية التي بها يصدُر عن المرء فاعليته الطبيعية الحيوانية ، والقوى المدرِكة ، والمشاعرُ الظاهرةُ والباطنة التي بها يتمكن من إقامة مصالِحه المعاشيةِ والمعاديّة ، ( ومنها ) آفاقيةٌ ، فإما تكوينيةٌ مُعْرِبة عن الحق بلسان الحال ، وهي نصبُ الأدلةِ المُودَعةِ في كل فردٍ من أفراد العالم حسبما لُوِّحَ به فيما سلف ، وإما تنزيليةٌ مُفْصِحةٌ عن تفاصيل الأحكامِ النظريةِ والعمليةِ بلسان المقالِ ، بإرسال الرسل ، وإنزال الكتبِ المنطويةِ على فنون الهدايات التي من جملتها الإرشادُ إلى مسلك الاستدلالِ بتلك الأدلة التكوينيةِ الآفاقيةِ والأنفسية ، والتنبيهُ على مكانها ، كما أشير إليه مُجملاً في قوله تعالى :
{ وَفِى الأرض آيَاتٌ لّلْمُوقِنِينَ . وَفِى أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } [ الذاريات ، الآية 20 و21 ] وفي قوله عز وعلا : { إِنَّ في اختلاف الليل والنهار وَمَا خَلَقَ الله فِي السموات والأرض لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ } [ يونس ، الآية 6 ] ( ومنها ) الهدايةُ الخاصة وهي كشفُ الأسرارِ على قلب المُهْدَى بالوحي ، أو الإلهام .
ولكل مرتبةٍ من هذه المراتب صاحبٌ ينتحيها ، وطالبٌ يستدعيها ، والمطلوب إما زيادتُها كما في قوله تعالى : { والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى } [ محمد ، الآية 17 ] وإما الثباتُ عليها كما روي عن علي وأبي رضي الله عنهما : إهدنا ثبّتنا ، ولفظ الهداية على الوجه الأخير مَجازٌ قطعاً ، وأما على الأول فإن اعتُبر مفهومُ الزيادة داخلاً في المعنى المستعمل فيه كان مجازاً أيضاً ، وإن اعتُبر خارجاً عنه مدلولاً عليه بالقرائنِ كان حقيقة ، لأن الهداية الزائدةَ هداية ، كما أن العبادة الزائدةَ عبادة ، فلا يلزم الجمعُ بين الحقيقة والمجاز ، وقُرئ أرشِدْنا ، والصراطُ الجادةُ وأصلُه السين ، قُلبت صاداً لمكان الطاء كمصيطر في مسيطر ، من سَرَط الشيء إذا ابتلعه ، سُمّيت به لأنها تسترِطُ السابلةَ إذا سلكوها ، كما سميت لَقْماً لأنها تلتقمهم وقد تُشَمُّ الصاد صوت الزاي تحرياً للقرب من المبدَل منه . وقد قرئ بهن جميعاً ، وفُصحاهن إخلاصُ الصاد ، وهي لغة قريش ، وهي الثابتةُ في الإمام ، وجمعه صُرُط ككتاب وكُتب ، وهو كالطريق والسبيل في التذكير والتأنيث ، و( المستقيمُ ) المستوي ، والمراد به طريقُ الحق وهي الملة الحنيفية السمْحة المتوسطةُ بين الإفراط والتفريط .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.