معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَعۡمَلُونَ لَهُۥ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَٰرِيبَ وَتَمَٰثِيلَ وَجِفَانٖ كَٱلۡجَوَابِ وَقُدُورٖ رَّاسِيَٰتٍۚ ٱعۡمَلُوٓاْ ءَالَ دَاوُۥدَ شُكۡرٗاۚ وَقَلِيلٞ مِّنۡ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ} (13)

قوله عز وجل :{ يعملون له ما يشاء من محاريب } أي : مساجد ، والأبنية المرتفعة ، وكان مما عملوا له بيت المقدس ابتدأه داود ورفعه قدر قامة رجل ، فأوحى الله إليه إني لم أقض ذلك على يدك ولكن ابن لك أملكه بعدك اسمه سليمان أقضي تمامه على يده ، فلما توفاه الله استخلف سليمان فأحب إتمام بناء بيت المقدس ، فجمع الجن والشياطين وقسم عليهم الأعمال فخص كل طائفة منهم بعمل يستخلصه لهم ، فأرسل الجن والشياطين في تحصيل الرخام والميها الأبيض من معادنه ، وأمر ببناء المدينة بالرخام والصفاح ، وجعلها اثنى عشر ربضاً ، وأنزل كل ربض منها سبطاً من الأسباط ، وكانوا اثنى عشر سبطاً ، فلما فرغ من بناء المدينة ابتدأ في بناء المسجد فوجه الشياطين فرقاً فرقاً يستخرجون الذهب والفضة والياقوت من معادنها والدر الصافي من البحر ، وفرقاً يقلعون الجواهر والحجارة من أماكنها ، وفرقاً يأتونه بالمسك والعنبر وسائر الطيب من أماكنها ، فأتى من ذلك بشيء لا يحصيه إلا الله عز وجل ، ثم أحضر الصناعين وأمرهم بنحت تلك الحجارة المرتفعة وتصييرها ألواحاً وإصلاح تلك الجواهر وثقب اليواقيت واللآلئ ، فبنى المسجد بالرخام الأبيض والأصفر والأخضر وعمده بأساطين الميها الصافي وسقفه بألواح الجواهر الثمينة وفصص سقوفه وحيطانه باللآلئ واليواقيت وسائر الجواهر ، وبسط أرضه بألواح الفيروزج فلم يكن يومئذ في الأرض بيت أبهى ولا أنور من ذلك المسجد ، وكان يضيء في الظلمة كالقمر ليلة البدر ، فلما فرغ منه جمع إليه أحبار بني إسرائيل فأعلمهم أنه بناه الله عز وجل ، وأن كل شيء فيه خالص لله ، واتخذ ذلك اليوم الذي فرغ منه عيداً . وروى عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لما فرغ سليمان من بناء بيت المقدس سأل ربه ثلاثاً فأعطاه اثنين ، وأنا أرجو أن يكون أعطاه الثالثة ، سأل حكماً يصادف حكمه ، فأعطاه إياه وسأله ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده ، فأعطاه إياه ، وسأله أن لا يأتي هذا البيت أحد يصلي فيه ركعتين إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، وأنا أرجو أن يكون قد أعطاه ذلك " . قالوا : فلم يزل بيت المقدس على ما بناه سليمان حتى غزاه بختنصر فخرب المدينة وهدمها ونقض المسجد ، وأخذ ما كان في سقوفه وحيطانه من الذهب والفضة والدر والياقوت وسائر الجواهر ، فحمله إلى دار مملكته من أرض العراق ، وبنى الشياطين لسليمان باليمن حصوناً كثيرة عجيبة من الصخر . قوله عز وجل : { وتماثيل } أي : كانوا يعملون له تماثيل ، أي : صوراً من نحاس وصفر وشبه وزجاج ورخام . وقيل : كانوا يصورون السباع والطيور . وقيل : كانوا يتخذون صور الملائكة والأنبياء والصالحين في المسجد ليراها الناس فيزدادوا عبادة ، ولعلها كانت مباحة في شريعتهم ، كما أن عيسى كان يتخذ صوراً من الطين فينفخ فيها فتكون طيراً بإذن الله . { وجفان } أي : قصاع واحدتها جفنة ، { كالجواب } كالحياض التي يجبى فيها الماء ، أي : يجمع ، واحدتها جابية ، يقال : كان يعقد على الجفنة الواحدة ألف رجل يأكلون منها { وقدور راسيات } ثابتات لها قوائم لا يحركن عن أماكنها لعظمهن ، ولا ينزلن ولا يقلعن ، وكان يصعد عليها بالسلالم جمع السلم ، وكانت باليمن . { اعملوا آل داود شكرا } أي : وقلنا اعملوا آل داود شكراً ، مجازه : اعملوا يا آل داود بطاعة الله شكراً له على نعمه . { وقليل من عبادي الشكور } أي : العامل بطاعتي شكراً لنعمتي . قيل : المراد من آل داود هو داود نفسه . وقيل : داود وسليمان وأهل بيته . وقال جعفر بن سليمان : سمعت ثابتاً يقول : كان داود نبي الله عليه السلام قد جزأ ساعات الليل والنهار على أهله فلم تكن تأتي ساعة من ساعات الليل والنهار إلا وإنسان من آل داود قائم يصلي .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَعۡمَلُونَ لَهُۥ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَٰرِيبَ وَتَمَٰثِيلَ وَجِفَانٖ كَٱلۡجَوَابِ وَقُدُورٖ رَّاسِيَٰتٍۚ ٱعۡمَلُوٓاْ ءَالَ دَاوُۥدَ شُكۡرٗاۚ وَقَلِيلٞ مِّنۡ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ} (13)

وأعمالهم{[733]}  كل ما شاء سليمان ، عملوه .

{ مِنْ مَحَارِيبَ } وهو كل بناء يعقد ، وتحكم به الأبنية ، فهذا فيه ذكر الأبنية الفخمة ، { وَتَمَاثِيلَ } أي : صور الحيوانات والجمادات ، من إتقان صنعتهم ، وقدرتهم على ذلك وعملهم لسليمان { وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ } أي : كالبرك الكبار ، يعملونها لسليمان للطعام ، لأنه يحتاج إلى ما لا يحتاج إليه غيره ، " و " يعملون له قدورا راسيات لا تزول عن أماكنها ، من عظمها .

فلما ذكر منته عليهم ، أمرهم بشكرها فقال : { اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ } وهم داود ، وأولاده ، وأهله ، لأن المنة على الجميع ، وكثير من هذه المصالح عائد لكلهم . { شُكْرًا } للّه على ما أعطاهم ، ومقابلة لما أولاهم . { وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } فأكثرهم ، لم يشكروا اللّه تعالى على ما أولاهم من نعمه ، ودفع عنهم من النقم .

والشكر : اعتراف القلب بمنة اللّه تعالى ، وتلقيها افتقارا إليها ، وصرفها في طاعة اللّه تعالى ، وصونها عن صرفها في المعصية .


[733]:- كذا في ب، وفي أ: وأعماله.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَعۡمَلُونَ لَهُۥ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَٰرِيبَ وَتَمَٰثِيلَ وَجِفَانٖ كَٱلۡجَوَابِ وَقُدُورٖ رَّاسِيَٰتٍۚ ٱعۡمَلُوٓاْ ءَالَ دَاوُۥدَ شُكۡرٗاۚ وَقَلِيلٞ مِّنۡ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ} (13)

10

( يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات ) . .

والمحاريب من أماكن العبادة ، والتماثيل الصور من نحاس وخشب وغيره . والجوابي جمع جابية وهي الحوض الذي يجبى فيه الماء . وقد كانت الجن تصنع لسليمان جفاناً كبيرة للطعام تشبه الجوابي ، وتصنع له قدوراً ضخمة للطبخ راسية لضخامتها . . وهذه كلها نماذج مما سخر الله الجن لسليمان لتقوم له به حيث شاء بإذن الله . وكلها أمور خارقة لا سبيل إلى تصورها أو تعليلها إلا بأنها خارقة من صنع الله . وهذا هو تفسيرها الواضح الوحيد .

ويختم هذا بتوجيه الخطاب إلى آل داود :

( اعملوا آل داود شكراً ) . .

سخرنا لكم هذا وذلك في شخص داود وشخص سليمان - عليهما السلام - فاعملوا يا آل داود شكراً لله . لا للتباهي والتعالي بما سخره الله . والعمل الصالح شكر لله كبير .

( وقليل من عبادي الشكور ) . .

تعقيب تقريري وتوجيهي من تعقيبات القرآن على القصص . يكشف من جانب عن عظمة فضل الله ونعمته حتى ليقل القادرون على شكرها . ويكشف من جانب آخر عن تقصير البشر في شكر نعمة الله وفضله . وهم مهما بالغوا في الشكر قاصرون عن الوفاء . فكيف إذا قصروا وغفلوا عن الشكر من الأساس ? !

وماذا يملك المخلوق الإنساني المحدود الطاقة من الشكر على آلاء الله وهي غير محدودة ? . . وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها . . وهذه النعم تغمر الإنسان من فوقه ومن تحت قدميه ، وعن أيمانه وعن شمائله ، وتكمن فيه هو ذاته وتفيض منه . وهو ذاته إحدى هذه الآلاء الضخام !

كنا نجلس جماعة نتحدث وتتجاوب أفكارنا وتتجاذب ، وتنطلق ألسنتنا بكل ما يخطر لنا على بال . ذلك حينما جاء قطنا الصغير " سوسو " يدور هنا وهناك من حولنا ، يبحث عن شيء ؛ وكأنما يريد أن يطلب إلينا شيئاً ، ولكنه لا يملك أن يقول ؛ ولا نملك نحن أن ندرك . حتى ألهمنا الله أنه يطلب الماء وكان هذا . وكان في شدة العطش . وهو لا يملك أن يقول ولا أن يشير . . وأدركنا في هذه اللحظة شيئاً من نعمة الله علينا بالنطق واللسان ، والإدراك والتدبير . وفاضت نفوسنا بالشكر لحظة . . وأين الشكر من ذلك الفيض الجزيل .

وكنا فترة طويلة محرومين من رؤية الشمس . وكان شعاع منها لا يتجاوز حجمه حجم القرش ينفذ إلينا أحياناً . وإن أحدنا ليقف أمام هذا الشعاع يمرره على وجهه ويديه وصدره وظهره وبطنه وقدميه ما استطاع . ثم يخلي مكانه لأخيه ينال من هذه النعمة ما نال ! ولست أنسى أول يوم بعد ذلك وجدنا فيه الشمس . لست أنسى الفرحة الغامرة والنشوة الظاهرة على وجه أحدنا ، وفي جوارحه كلها ، وهو يقول في نغمة عميقة مديدة . . الله ! هذه هي الشمس . شمس ربنا وما تزال تطلع . . الحمد لله !

فكم نبعثر في كل يوم من هذه الأشعة المحيية ، ونحن نستحم في الضوء والدفء . ونسبح ونغرق في نعمة الله ? وكم نشكر هذا الفيض الغامر المتاح المباح من غير ثمن ولا كد ولا معاناة ? !

وحين نمضي نستعرض آلاء الله على هذا النحو فإننا ننفق العمر كله ، ونبذل الجهد كله ، ولا نبلغ من هذا شيئاً . فنكتفي إذن بهذه الإشارة الموحية ، على طريقة القرآن في الإشارة والإيماء ، ليتدبرها كل قلب ، ويمضي على إثرها ، قدر ما يوفقه الله لنعمة الشكر ، وهي إحدى آلاء الله ، يوفق إليها من يستحقها بالتوجه والتجرد والإخلاص . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَعۡمَلُونَ لَهُۥ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَٰرِيبَ وَتَمَٰثِيلَ وَجِفَانٖ كَٱلۡجَوَابِ وَقُدُورٖ رَّاسِيَٰتٍۚ ٱعۡمَلُوٓاْ ءَالَ دَاوُۥدَ شُكۡرٗاۚ وَقَلِيلٞ مِّنۡ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ} (13)

«المحاريب » الأبنية العالية الشريفة ، قال قتادة القصور والمساجد ، وقال ابن زيد المساكن ، والمحراب أشرف موضع في البيت ، والمحراب موضع العبادة أشرف ما يكون منه ، وغلب عرف الاستعمال في موضع وقوف الإمام لشرفه ومن هذه اللفظة قول عدي بن زيد : [ الخفيف ]

كدمى العاج في المحاريب أو كال . . . بيض في الروض زهره مستنير{[9614]}

«والتماثيل » قيل كانت من زجاج ونحاس ، تماثيل أشياء ليست بحيوان ، وقال الضحاك كانت تماثيل حيوان ، وكان هذا من الجائز في ذلك الشرع .

قال القاضي أبو محمد : ونسخ بشرع محمد صلى الله عليه وسلم ، وقال قوم : حرم التصوير لأن الصور كانت تعبد ، وحكى مكي في الهداية أن فرقة كانت تجوز التصوير وتحتج بهذه الآية وذلك خطأ ، وما أحفظ من أئمة العلم من يجوزه ، و «الجوابي » جمع جابية وهي البركة التي يجبى إليها الماء الذي يجمع قال الراجز : [ الرجز ]

فصحبت جابية صهارجا . . . كأنه جلد السماء خارجا{[9615]}

وقال مجاهد : «الجوابي » جمع جوبة{[9616]} وهي الحفرة العظيمة في الأرض .

قال الفقيه الإمام القاضي : ومنه قول الأعشى : [ الطويل ]

نفى الذم عن آل المحلق جفنة . . . كجابية الشيخ العراقيّ تفهق{[9617]}

وأنشده الطبري : تروح على آل المحلق ، ويروى السيح بالسين غير نقط ، وبالحاء غير نقط أيضاً ، وهو الماء الجاري على وجه الأرض ، ويروى الشين والخاء منقوطين ، فيقال أراد كسرى ويقال أراد شيخاً من فلاحي سواد العراق غير معين وذلك أنه لضعفه يدخر الماء في جابيته ، فهي تفهق أبداً فشبهت الجفنة بها لعظمها ، قال مجاهد وقتادة والضحاك وابن زيد «الجوابي » الحياض ، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي «كالجواب » بغير ياء في الوصل والوقف ، وقرأ أبو عمرو وعيسى بغير ياء في الوقف وياء في الوصل ، وقرأ ابن كثير بياء فيهما ، ووجه حذف الياء التخفيف والإيجاز ، وهذا كحذفهم ذلك من القاض والغاز والهاد ، وأيضاً فلما كانت الألف واللام تعاقب التنوين وكانت الياء تحذف مع التنوين وجب أن تحذف مع ما عاقبه كما يعملون للشيء أبداً عمل نقيضه ، و { راسيات } معناه ثابتات لكبرها ليست مما ينقل ولا يحمل . ولا يستطيع على عمله إلا الجن وبالثبوت فسرها الناس ، ثم أمروا مع هذه النعم بأن يعملوا بالطاعات ، وقوله تعالى : { شكراً } يحتمل أن يكون نصبه على الحال ، أي اعملوا بالطاعات في حال شكر منكم لله على هذه النعم ، ويحتمل أن يكون نصبه على جهة المفعول ، أي اعملوا عملاً هو الشكر كأن الصلاة والصيام والعبادات كلها هي نفسها الشكر إذ سدت مسده ، وفي الحديث إن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر فتلا هذه الآية ثم قال :

«ثلاث من أوتيهن فقد أوتي العمل شكراً العدل في الغضب والرضى والقصد في الفقر والغنى وخشية الله في السر والعلانية »{[9618]} ، وروي أن داود عليه السلام قال يا رب كيف أطيق شكرك على نعمك وإلهامي وقدرتي على شكرك نعمة لك ، فقال : يا داود الآن عرفتني حق معرفتي ، وقال ثابت{[9619]} : روي أن مصلى داود لم يخل قط من قائم يصلي ليلاً ونهاراً كانوا يتناوبونه دائماً ، وكان سليمان عليه السلام فيما روي يأكل خبز الشعير وطعم أهله الخشكار{[9620]} ويطعم المساكين الدرمك{[9621]} ، وروي أنه ما شبع قط فقيل له في ذلك فقال : أخاف أن أنسى الجياع ، وقوله تعالى : { وقليل من عبادي الشكور } يحتمل أن تكون مخاطبة لآل داود ، ويحتمل أن تكون مخاطبة لآل محمد صلى الله عليه وسلم ، وعلى كل وجه ففيها تنبيه وتحريض ، وسع عمر بن الخطاب رجلاً يقول : اللهم اجعلني من القليل ، فقال له عمر : ما هذا الدعاء ؟ فقال الرجل : أردت قوله عز وجل : { وقليل من عبادي الشكور } ، فقال عمر رحمه الله : كل الناس أعلم من عمر .

قال الفقيه الإمام القاضي : وقد قال تعالى { وقليل ما هم }{[9622]} [ ص : 24 ] ، والقلة أيضاً بمعنى الخمور منحة من الله تبارك وتعالى{[9623]} ، فلهذا الدعاء محاسن .


[9614]:هذا ابيت من قصيدة قالها عدي وهو في السجن، وتحدث فيها عن صروف الدهر، لكنه استهلها بوصف السحاب وما فيه من رعد وبرق ومطر، وشبه الغيوم البيض بالدمى العاجية، أو بالحسان اللواتي يرتدين الشفوف والحرير، ويتضمخن بطيب الحياة الناعمة. وإذا كان وصف المطر والغيوم من الصور التقليدية في الشعر العربي إلا أن الشاعر قد غير في بيئة التشبيه، وظهرت عنده معالم جديدة للحضارة، وكثرت فيها الحلي والأصباغ، وهذا يكشف عن رؤية جديدة للشاعر تتمثل فيها الأشياء، والشاهد هنا أن المحاريب استعملت بمعنى المعابد.
[9615]:البيتان من مشطور الرجز، وهما غير منسوبان، والبيت الأول في (اللسان-صهرج)، استشهد به على أن(صهرج) بمعنى(طلا)، قال:"وصهرج الحوض: طلاه، وحوض صهارج: مطلي بالصاروج، والصهارج-بالضم- مثل الصهريج، وأنشد الأزهري: "فصبحت جابية صهارجا"، يقول: إن الجابية مطلية بالصاروج، أو تشبه المطلية به، وفي البيت الثاني يشبه لونها بلون السماء في الزرقة. والشاهد هنا أن الجابية هي الحوض الكبير الذي يجمع فيه الماء.
[9616]:في اللسان:(قال ابن الأنباري:"هو جمع جبية"، وقال: والجِبوة والجُبوة والجِبى والجَبا والجَباوة: ما جمعت من الماء في الحوض).
[9617]:رواية الديوان كرواية ابن عطية هنا، ورواية اللسان مثل رواية الطبري التي أشار إليها ابن عطية، والبيت من قصيدة للأعشى يمدح فيها المحلق بن خيثم بن شداد بن ربيعة، والجفنة: القصعة الكبيرة، والجابية: الحوض الضخم أو الحفرة العظيمة التي جمع فيها الماء، وتفهق: تفيض، وقد خص الشيخ العراقي لجهله بالمياه لأنه حضري، فإذا وجدها ملأ جابيته وأعدها، ولم يدر متى يجد المياه، وأما البدوي فهو عالم بالمياه فهو لا يبالي ألا يعدها. قال ذلك صاحب اللسان، وذكره أيضا المبرد في كتابه(الكامل)، وعلل الرواية الثانية أيضا وهي بالسين والحاء المهملتين، قال أبو العباس: وسمعت أعرابية تنشد(وهي رواية أهل الكوفة، والأعرابية هي أم الهيثم الكلابية من ولد المحلق):"كجابية السيح" تريد النهر الذي يجري على جابيته، فماؤها لا ينقطع؛ لأن النهر يمده.
[9618]:أخرجه الحاكم عن أبي هريرة(الجامع الصغير).
[9619]:هو ثابت بن أسلم البناني-بضم الباء وتخفيف النونين- أبو محمد البصري، ثقة، عابد، من الرابعة، مات سنة بضع وعشرين وله ست وثمانون.(تقريب التهذيب).
[9620]:الخشكار: الخبز الأسمر غير النقي،(فارسي). عن المعجم الوسيط.
[9621]:الدرمك: دقيق الحوارى، وهو الدقيق الأبيض.
[9622]:من الآية(24) ن سورة (ص).
[9623]:لعله يريد البعد عن الكبرياء والاغترار بالمظاهر.