معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَأَرۡسَلۡنَا ٱلرِّيَٰحَ لَوَٰقِحَ فَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَسۡقَيۡنَٰكُمُوهُ وَمَآ أَنتُمۡ لَهُۥ بِخَٰزِنِينَ} (22)

قوله تعالى : { وأرسلنا الرياح لواقح } أي : حوامل ، لأنها تحمل الماء إلى السحاب ، وهو جمع لاقحة ، يقال : ناقة لاقحة إذا حملت الولد . قال ابن مسعود : يرسل الله الريح فتحل الماء فيمر به السحاب ، فيدر كما تدر اللقحة ثم تمطر . وقال أبو عبيدة : أراد باللواقح الملاقح واحدتها ملقحة ، لأنها تلقح الأشجار . قال عبيد بن عمير : يبعث الله الريح المبشرة فتقم الأرض قما ، ثم يبعث الله المثيرة فتثير السحاب ، ثم يبعث الله المؤلفة السحاب بعضه إلى بعض فتجعله ركاما ، ثم يبعث اللواقح فتلقح الشجر . وقال أبو بكر بن عياش : لا تقطر قطرة من السحاب إلا بعد أن تعمل الرياح الأربع فيه ، فالصبا تهيجه ، والشمال تجمعه ، والجنوب تذره ، والدبور تفرقه .

وفى الخبر : " إن اللقح رياح الجنوب " . وفى بعض الآثار : ما هبت ريح الجنوب إلا وبعث عينا غدقة . وأما الريح العقيم : فإنها تأتي بالعذاب ولا تلقح .

أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، أنبأنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، حدثنا أبو العباس الأصم ، أخبرنا الربيع ، أخبرنا الشافعي ، أخبرنا من لا أتهم بحديثه ، حدثنا العلاء بن راشد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : ما هبت ريح قط إلا جثا النبي صلى الله عليه وسلم على ركبتيه ، وقال : اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا ، اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا ، قال ابن عباس : في كتاب الله عز وجل : { إنا أرسلنا عليهم ريحاً صرصراً } [ القمر-19 ] { إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم } [ الذاريات-41 ] ، وقال : { وأرسلنا الرياح لواقح } [ الحجر-22 ] ، وقال : { أن يرسل الرياح مبشرات } [ الروم-46 ] قوله : { فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه } ، أي : جعلنا المطر لكم سقيا ، يقال : أسقى فلان فلانا : إذا جعل له سقيا ، وسقاه : إذا أعطاه ما يشرب . وتقول العرب : سقيت الرجل ماء ولبنا إذا كان لسقيه فإذا جعلوا له ماء لشرب أرضه ودوابه تقول : أسقيته . { وما أنتم له بخازنين } ، يعني المطر في خزائننا لا في خزائنكم . وقال سفيان : بمانعين .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَأَرۡسَلۡنَا ٱلرِّيَٰحَ لَوَٰقِحَ فَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَسۡقَيۡنَٰكُمُوهُ وَمَآ أَنتُمۡ لَهُۥ بِخَٰزِنِينَ} (22)

{ 22 } { وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ }

أي : وسخرنا الرياح ، رياح الرحمة تلقح السحاب ، كما يلقح الذكر الأنثى ، فينشأ عن ذلك الماء بإذن الله ، فيسقيه الله العباد ومواشيهم وأرضهم ، ويبقى في الأرض مدخرا لحاجاتهم وضروراتهم ما هو مقتضى قدرته ورحمته ، { وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ } أي : لا قدرة لكم على خزنه وادخاره ، ولكن الله يخزنه لكم ويسلكه ينابيع في الأرض رحمة بكم وإحسانا إليكم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَأَرۡسَلۡنَا ٱلرِّيَٰحَ لَوَٰقِحَ فَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَسۡقَيۡنَٰكُمُوهُ وَمَآ أَنتُمۡ لَهُۥ بِخَٰزِنِينَ} (22)

16

ومما يرسله الله بقدر معلوم الرياح والماء :

( وأرسلنا الرياح لواقح ، فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه . وما أنتم له بخازنين )

أرسلنا الرياح لواقح بالماء ، كما تلقح الناقة بالنتاج ؛ فأنزلنا من السماء ماء مما حملت الرياح ، فأسقيناكموه فعشتم به :

( وما أنتم له بخازنين ) . .

فما من خزائنكم جاء ، إنما جاء من خزائن الله ونزل منها بقدر معلوم .

والرياح تنطلق وفق نواميس كونية ، وتحمل الماء وفقا لهذه النواميس ؛ وتسقط الماء كذلك بحسبها . ولكن من الذي قدر هذا كله من الأساس ? لقد قدره الخالق ، ووضع الناموس الكلي الذي تنشأ عنه كل الظواهر :

( وإن من شيء إلا عندنا خزائنه ، وما ننزله إلا بقدر معلوم ) .

ونلحظ في التعبير أنه يرد كل حركة إلى الله حتى شرب الماء . . ( فأسقيناكموه ) . . والمقصود أننا جعلنا خلقتكم تطلب الماء ، وجعلنا الماء صالحا لحاجتكم ، وقدرنا هذا وذاك . وأجريناه وحققناه بقدر الله . والتعبير يجيء على هذا النحو لتنسيق الجو كله ، ورجع الأمر كله إلى الله حتى في حركة تناول الماء للشراب . لأن الجو جو تعليق كل شيء في هذا الكون بإرادة الله المباشرة وقدره المتعلق بكل حركة وحادث . . سنة الله هنا في حركات الأفلاك كسنته في حركات الأنفس . . تضمن المقطع الأول سنته في المكذبين ، وتضمن المقطع الثاني سنته في السماوات والأرضين ، وفي الرياح والماء والاستقاء . وكله من سنة الله التي يجري بها قدر الله . وهذه وتلك موصولتان بالحق الكبير الذي خلق الله به السماوات والأرض والناس والأشياء سواء .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَأَرۡسَلۡنَا ٱلرِّيَٰحَ لَوَٰقِحَ فَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَسۡقَيۡنَٰكُمُوهُ وَمَآ أَنتُمۡ لَهُۥ بِخَٰزِنِينَ} (22)

وقوله : { وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ } أي : تلقح السحاب فتدر ماء ، وتلقح الشجر فتتفتح عن أوراقها وأكمامها .

هذه " الرياح " ذكرها بصيغة الجمع ، ليكون منها الإنتاج ، بخلاف الريح العقيم فإنه أفردها ، ووصفها بالعقيم ، وهو عدم الإنتاج ؛ لأنه لا يكون إلا من{[16126]} شيئين فصاعدا .

وقال الأعمش ، عن المِنْهَال بن عمرو ، عن قيس بن السكن ، عن عبد الله بن مسعود في قوله : { وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ } قال : ترسل الرياح ، فتحمل الماء من السماء ، ثم تَمْري السحاب ، حتى تدر كما تَدر اللَّقحَة .

وكذا قال ابن عباس ، وإبراهيم النخعي ، وقتادة .

وقال الضحاك : يبعثها الله على السحاب ، فتُلقحه ، فيمتلئ{[16127]} ماء .

وقال عُبَيْد بن عُمَير الليثي : يبعث الله المُبشرّة فتَقمُّ الأرض قَمًّا ثم بعث الله المثيرة{[16128]} فتثير السحاب ، ثم يبعث الله المؤلفة فتؤلف السحاب ، ثم يبعث الله اللواقح فتلقح الشجر ، ثم تلا{ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ }

وقد روى ابن جرير ، من حديث عُبَيْس{[16129]} بن ميمون ، عن أبي المُهَزَّم ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الريح الجنوب من الجنة ، وهي [ الريح اللواقح ، وهي التي ]{[16130]} ذكر الله في كتابه ، وفيها منافع للناس " {[16131]} وهذا إسناد ضعيف .

وقال الإمام أبو بكر عبد الله بن الزبير الحُمَيدي في مسنده : حدثنا سفيان ، حدثنا عمرو بن دينار ، أخبرني يزيد بن جُعْدبة الليثي : أنه سمع عبد الله بن مِخْراق ، يحدث عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله خلق في الجنة ريحا بعد الريح بسبع سنين ، وإن من دونها بابا مغلقا ، وإنما يأتيكم الريح من ذلك الباب ، ولو فتح لأذرت ما بين السماء والأرض من شيء ، وهي عند الله الأزَيبُ ، وهي فيكم الجنوب " {[16132]}

وقوله : { فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ } أي : أنزلناه لكم عَذْبًا يُمكنكم أن تشربوا منه ، ولو نشاء لجعلناه أجاجًا . كما ينبه الله{[16133]} على ذلك في الآية الأخرى في سورة " الواقعة " ، وهو{[16134]} قوله : { أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنزلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزلُونَ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ } [ الواقعة : 68 - 70 ] وفي قوله : { هُوَ الَّذِي أَنزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ } [ النمل : 10 ]

وقوله : { وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ } قال سفيان الثوري : بمانعين .

ويحتمل أن المراد : وما أنتم له بحافظين ، بل نحن ننزله ونحفظه عليكم ، ونجعله معينا وينابيع{[16135]} في الأرض ، ولو شاء تعالى لأغاره وذهب به ، ولكن من رحمته أنزله وجعله عذبا ، وحفظه في العيون والآبار والأنهار وغير ذلك . ليبقى لهم في طول السنة ، يشربون ويسقون أنعامهم وزروعهم وثمارهم .


[16126]:في ت، أ: "بين".
[16127]:في ت: "فتمتلئ".
[16128]:في ت: "الميثرة".
[16129]:في ت: "عنبس".
[16130]:زيادة من ت، أ، والطبري.
[16131]:تفسير الطبري (14/15).
[16132]:مسند الحميدي (1/71) وفي إسناده يزيد بن جعدبة كذبه مالك وغيره.
[16133]:في ت، أ: "تعالى".
[16134]:في ت: "وهي".
[16135]:في ت: "وينابع".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَأَرۡسَلۡنَا ٱلرِّيَٰحَ لَوَٰقِحَ فَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَسۡقَيۡنَٰكُمُوهُ وَمَآ أَنتُمۡ لَهُۥ بِخَٰزِنِينَ} (22)

يقال : لقحت الناقة والشجرة فهي لاقحة : إذا حملت ، والرياح تلقح الشجر والسحاب ، فالوجه في الريح أنها ملقحة لا لاقحة ، وتتجه صفة { الرياح } ب { لواقح } على أربعة أوجه :

أولها وأولاها : أن نجعلها لاقحة حقيقية ، وذلك أن الرياح منها ما فيها عذاب أو حر ونار ، ومنها ما فيه رحمة ومطر أو نصر أو غير ذلك ، فإذا بها تحمل ما حملتها القدرة ، أو ما علقته من الهواء أو التراب أو الماء الذي مرت عليه ، فهي لاقحة بهذا الوجه ، وإن كانت أيضاً تلقح غيرها وتصير إليه نفعها . والعرب تسمي الجنوب الحامل واللاقحة ، وتسمي الشمال الحايل{[7148]} والعقيم ومحوة ، لأنها تمحو السحاب . وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «الريح الجنوب من الجنة ، وهي اللواقح التي ذكر الله ، وفيها منافع للناس »{[7149]} ؛ ومن هذا قول الطرماح :

قلق لا فبان الريا . . . ح للاقح منها وحائل{[7150]}

ومن قول أبي وجزة :

من نسل جوابة الآفاق{[7151]} . . . فجعلها حاملاً تنسل .

قال القاضي أبو محمد : ويخرج هذا على أنها ملقحة فلا حجة فيه .

والثاني : أن يكون وصفها ب { لواقح } من باب قولهم : ليل نائم ، أي فيه نوم ومعه ، ويوم عاصف ونحوه : فهذا على طريق المجاز .

والثالث : أن توصف الرياح ب { لواقح } على جهة النسب ، أي ذات لقح ، كقول النابغة :

كليني لهم يا أميمة ناصب{[7152]} . . . أي ذي نصب .

والرابع : أن تكون { لواقح } جمع ملقحة على حذف زوائدة ، فكأنه لقحة ، فجمعها كما تجمع لاقحة ، ومثله قول الشاعر [ سيبويه ] : [ الطويل ]

ليبك يزيد ضارع لخصومة . . . وأشعث ممن طوحته الطوائح{[7153]}

وإنما طوحته المطاوح ، وعلى هذا النحو فسرها أبو عبيدة في قوله : { لواقح } ملاقح ، وكذلك العبارة عنها في كتاب البخاري : لواقح ملاقح ملقحة .

وقرأ الجمهور «الرياح » بالجمع ، وقرأ الكوفيون - حمزة وطلحة بن مصرف والأعمش ويحيى بن وثاب - «الريح » بالإفراد ، وهي للجنس ، فهي في معنى الجمع ، ومثلها الطبري بقولهم : «قميص أخلاق وأرض أغفال »{[7154]} .

قال القاضي أبو محمد : وهذا كله من حيث هو أجزاء كثيرة تجمع صفته ، فكذلك ريح لواقع لأنها متفرقة الهبوب ، وكذلك : دار بلاقع ، أي كل موضع منها بلقع .

وقال الأعمش : إن في قراءة عبد الله «وأرسلنا الرياح يلقحن » ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «الريح من نفس الرحمن »{[7155]} ، ومعنى الإضافة هنا هي من إضافة خلق إلى خالق ، كما قال : { من روحي } [ الحجر : 29 ] ومعنى نفس الرحمن : أي من تنفيسه وإزالته الكرائب والشدائد . فمن التنفس بالريح النصر بالصبا{[7156]} وذرو الأرزاق بها ، وما لها من الخدمة في الأرزاق وجلب الأمطار وغير ذلك مما يكثر عده .

ولقد حدثت أن ابن أبي قحافة رحمه الله فسر هذا الحديث بنحو هذا وأنشد في تفسيره : [ الطويل ]

فإن الصبا ريح إذا ما تنسمت . . . على نفس محزون تجلت همومها{[7157]}

وهذا من جملة التنفيس والعرب تقول : أسقى وسقى بمعنى واحد ، وقال لبيد : [ الوافر ]

سقى قومي بني مجد واسقى . . . نميراً ، والقبائل من هلال{[7158]}

فجاء باللغتين ، وقال أبو عبيدة : أما إذا كان من سقي الشفة خاصة فلا يقال إلا سقى ، وأما إذا كان لسقي الأرض والثمار وجملة الأشياء فيقال : أسقى ، وأما الداعي لأرض أو غيرها بالسقي ، فإنما يقال فيه : أسقى ، ومنه قول ذي الرمة : [ الطويل ]

وقفت على رسم ِلمية ناقتي . . . فما زلت أبكي عنده وأخاطبه

وأسقيه حتى كاد مما أبثه . . . تكلمني أحجاره وملاعبه{[7159]}

قال القاضي أبو محمد : على أن بيت لبيد دعاء ، وفيه اللغتان .


[7148]:اي التي لا تحمل خير، يقال: حالت الناقة تحيل حيالا: لم تحل، قال الشاعر: من سراة الهجان صلبها العض ض ورعي الحمى وطول الحيال
[7149]:أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب السحاب، وابن جرير، وأبو الشيخ في العظمة، و ابن مردويه، و الديلمي في مسند الفردوس بسند ضعيف عن أبي هريرة رضي الله عنه، وللحديث بقية هي (والشمال من النار تخرج فتمر بالجنة فيصيبها نعمة منها فبردها هذا من ذلك (. (الدر المنثور، وفتح القدير).
[7150]:اللاقح: الجنوب، والحائل: الشمال، وتسمى الشمال عقيما، كما سماها الطرماح حائلا، وقال أبو علي في الحجة: "الرياح أربع: الشمال، والجنوب، والصبا، و الدبور، فأما الشمال فمن عن يمين القبلة، والجنوب من عن شمالها، والصبا والدبور متقابلتان، فالصبا من قبل المشرق، والدبور من قبل المغرب، وإذا جاءت الريح بين الصبا والشمال فهي النكباء".
[7151]:هذا جزء من البيت، وقد سبق الاستشهاد به و الحديث عنه في هذا الجزء عند تفسير قوله تعالى في الآية (12) من هذه السورة : {كذلك نسلكه في قلوب المجرمين}، والبيت بتمامه: حتى سلكن الشوى منهن في مسك من نسل جوابة الآفاق مهداج والشاهد هنا أنه جعل الريح التي تجوب الآفاق حاملا بماء تكونت منه بعد ذلك برك أدخلت فيها الحمر الوحشية قوائمها.
[7152]:البيت بتمامه: كليي لهم يا أميمة ناصب وليل أقاسيه بطيء الكواكب وهو مطلع قصيدة للنابغة يمدح بها عمرو بن الحارث الأعرج، حين هرب من النعمان بن المنذر، وفيه يطلب إلى أميمة أن تتركه لهذا الهم الذي ينصب فيه ويتعب، ولهذا الليل الطويل الذي لا يريد أن يفارقه. والشاهد هنا أن "ناصب" بمعنى "ذي نصب" على جهة النسب، وهذا رأي من الآراء التي قيلت في البيت، وقال الأصمعي: ناصب: ذي نصب، مثل: ليل نائم، اي ذو نوم، ورجل دارع، أي ذو درع، وكذلك قال سيبويه، وقال في اللسان: هم ناصب: منصب، و حكى أبو علي نصبه ل (هم). فهل يا ترى يريد أنه اسم فاعل قياسي جار على فعله، وليس على النسب ولا على التجوز في الإسناد؟
[7153]:هذا البيت لنهشل بن حري، وقد استشهد به أبو عبيدة عند تفسير هذه الآية ونسبه لنهشل، وكذلك نسبه البغدادي لنهشل، وأورده صاحب (اللسان ـ طيح) مع اختلاف في بعض الألفاظ ، قال: وأنشد سيبويه ـ البيت، ثم قال ـ أي سيبويه ـ : "الطوائح" على حذف الزائد، أو على النسب.
[7154]:عبادة الطبري تقول: "إن الريح وإن كان لفظها واحدا فمعناها الجمع، لأنه يقال: جاءت الريح من كل جانب، فقيل: لواقح لذلك، فيكون معنى جمعهم نعتها وهي في اللفظ واحدة معنى قولهم: أرض سباسب، وأرض أغفال، وثوب أخلاق، كما قال الشاعر: جاء الشتاء وقميصي أخلاق شرازم يضحك منه التواق وكذلك تفعل العرب في كل شيء اتسع". ا هـ. والسباسب: جمع سبسب، و هي المفازة أو الأرض البعيدة المستوية، وأغفال: لا علم فيها، و التواق في البيت هو ابن الراجز، قال ذلك في (اللسان ـ خلق).
[7155]:النص الذي وجدناه في هذا المعنى هو ما وراه البخاري في الأدب، وأبو داود، والحاكم في مستدركه عن أبي هريرة: (الريح من روح الله، تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب، فإذا رأيتموها فلا تسبوها، واسألوا الله خيرها، واستعيذوا بالله من شرها)، قال الإمام السيوطي: حديث صحيح. (الجامع الصغير).
[7156]:الصبا: ريح مهبها من مشرق الشمس إذا استوى الليل والنهار (مؤنث). (المعجم الوسيط).
[7157]:ويروى: "على قلب محزون"، وتجلت همومها: ذهبت وانكشفت عنها. والبيت غير منسوب.
[7158]:قال صاحب (اللسان ـ سقى): "سقا الله الغيث وأسقاه، وقد جمعها لبيد في قوله: سقى قومي . . . البيت" ثم قال: "ويقال: سقيته لشفته، وأسقيته لماشيته وأرضه". وهذا يتفق تماما مع ما قاله ابن عطية، ومع ما نقله عن أبي عبيدة.
[7159]:البيتان في الديوان، وقد استشهد بهما الطبري في تفسيره، وأبو عبيدة في كتابه "مجاز القرآن"، قال: يقال: سقيت الرجل ماء وشرابا من لبن وغير ذلك، وليس فيه إلا لغة واحدة بغير ألف، إذا كان في الشفة، وإذا جعلت له شربا فهو أسقيته وأسقيت أرضه وإبله، لا يكون غير هذا، وكذلك إذا استقيت له. وهو يتفق مع كلام المؤلف هنا إلا في النقطة الأخيرة، لأن ابن عطية يقول: "بيت لبيد دعاء وفيه اللغتان". والرسم: الأثر الباقي من الدار بعد أن عفت وأسقيه: أدعو له بالسقيا. وأبثه أشكو إليه، وقد أبدع الشاعر في تصويره وكاد يحرك الأحجار والملاعب.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَأَرۡسَلۡنَا ٱلرِّيَٰحَ لَوَٰقِحَ فَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَسۡقَيۡنَٰكُمُوهُ وَمَآ أَنتُمۡ لَهُۥ بِخَٰزِنِينَ} (22)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

وذلك أن الله يرسل الريح، فتأخذ الماء بكيل معلوم من سماء الدنيا، ثم تثير الرياح والسحاب، فتلقى الريح السحاب بالماء الذي فيها من ماء النبت، ثم تسوق تلك الرياح السحاب إلى الأرض التي أمر الرعد أن يمطرها، فذلك قوله سبحانه: {فأنزلنا من السماء ماء}، يعنى المطر، {فأسقيناكموه وما أنتم}، يعني: يا بني آدم، {له بخازنين}، يقول: لستم أنتم بخازنيها، فتكون مفاتيحها بأيديكم ولكنها بيدي...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

... اختلف أهل العربية في وجه وصف الرياح باللقح وإنما هي ملقحة لا لاقحة، وذلك أنها تلقح السحاب والشجر، وإنما توصف باللقح الملقوحة لا الملقح، كما يقال: ناقة لاقح. وكان بعض نحويي البصرة يقول: قيل: الرياح لواقح، فجعلها على لاقح، كأن الرياح لقحت، لأن فيها خيرا فقد لقحت بخير. قال: وقال بعضهم: الرياح تلقح السحاب، فهذا يدلّ على ذلك المعنى لأنها إذا أنشأته وفيها خير وصل ذلك إليه. وكان بعض نحويي الكوفة يقول: في ذلك معنيان: أحدهما أن يجعل الريح هي التي تلقح بمرورها على التراب والماء فيكون فيها اللقاح، فيقال: ريح لاقح، كما يقال: ناقة لاقح، قال: ويشهد على ذلك أنه وصف ريح العذاب فقال:"عَلَيهِمُ الرّيحَ الْعَقِيمَ" فجعلها عقيما إذا لم تلقح. قال: والوجه الآخر أن يكون وصفها باللقح وإن كانت تلقح، كما قيل: ليل نائم والنوم فيه وسرّ كاتم...

والصواب من القول في ذلك عندي: أن الرياح لواقح كما وصفها به جلّ ثناؤه من صفتها، وإن كانت قد تلقح السحاب والأشجار، فهي لاقحة ملقحة، ولقحها: حملها الماء، وإلقاحها السحاب والشجر: عملها فيه...

وأما جماعة أُخَر من أهل التأويل، فإنهم وجّهوا وصف الله تعالى ذكره إياها بأنها لواقح إلى أنه بمعنى ملقحة... عن الحسن، قوله: "وأرْسَلْنا الرّياحَ لَوَاقِحَ "قال: لواقح للشجر. قلت: أو للسحاب؟ قال: وللسحاب، تمريه حتى يمطر...

وقوله: "فأنْزَلْنا مِنَ السّماءِ ماءً فأسْقَيْناكمُوهُ" يقول تعالى ذكره: فأنزلنا من السماء مطرا فأسقيناكم ذلك المطر لشرب أرضكم ومواشيكم، ولو كان معناه: أنزلناه لتشربوه، لقيل: فسقيناكموه. وذلك أن العرب تقول إذا سقت الرجل ماء شربه أو لبنا أو غيره: «سقيته» بغير ألف إذا كان لسقيه، وإذا جعلوا له ماء لشرب أرضه أو ماشيته، قالوا: «أسقيته وأسقيت أرضه وماشيته»، وكذلك إذا استسقت له، قالوا «أسقيته واستسقيته»...

وقوله: "وَما أنْتُمْ لَهُ بِخازِنِيَنَ" يقول: ولستم بخازني الماء الذي أنزلنا من السماء فأسقيناكموه فتمنعوه من أسقيه لأن ذلك بيدي وإليّ، أسقيه من أشاء وأمنعه من أشاء...

جهود الإمام الغزالي في التفسير 505 هـ :

{وأرسلنا الرياح لواقح}، إنما إلقاحها في إيقاع الازدواج بين الهواء والأرض..

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

... {فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ}: فجعلناه لكم سقيا، {وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بخازنين} نفى عنهم ما أثبته لنفسه في قوله: {وَإِن مّن شيء إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ} كأنه قال: نحن الخازنون للماء، على معنى نحن القادرون على خلقه في السماء وإنزاله منها، وما أنتم عليه بقادرين: دلالة على عظيم قدرته وإظهاراً لعجزهم.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

... {وأرسلنا الرياح لواقح} فاعلم أن هذا هو النوع الخامس من دلائل التوحيد...

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :

" وأنزلنا من السماء "أي من السحاب. وكل ما علاك فأظلك يسمى سماء. وقيل: من جهة السماء. "ماء "أي قطرا.

أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :

{وما أنتم له بخازنين} قادرين متمكنين من إخراجه، نفى عنهم ما أثبته لنفسه، أو حافظين في الغدران والعيون والآبار، وذلك أيضا يدل على المدبر الحكيم كما تدل حركة الهواء في بعض الأوقات من بعض الجهات على وجه ينتفع به الناس، فإن طبيعة الماء تقتضي الغور فوقوفه دون حد لا بد له من سبب مخصص.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

هذه "الرياح "ذكرها بصيغة الجمع، ليكون منها الإنتاج، بخلاف الريح العقيم فإنه أفردها، ووصفها بالعقيم، وهو عدم الإنتاج؛ لأنه لا يكون إلا من شيئين فصاعدا...

{فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ} أي: أنزلناه لكم عَذْبًا يُمكنكم أن تشربوا منه، ولو نشاء لجعلناه أجاجًا. كما ينبه الله على ذلك في الآية الأخرى في سورة "الواقعة"، وهو قوله: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنزلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزلُونَ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ} [الواقعة: 68 -70] وفي قوله: {هُوَ الَّذِي أَنزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ} [النمل: 10]...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

فلما تم ما أراد من آيتي السماء والأرض، وختمه بشمول قدرته لكل شيء، أتبعه ما ينشأ عنهما مما هو بينهما مودعاً في خزائن قدرته فقال: {وأرسلنا} أي بما لنا من التصريف الباهر {الرياح} جمع ريح، وهي جسم لطف منبث في الجو سريع المر {لواقح} أي حوامل تحمل الندى ثم تمجه في السحاب التي تنشئها، فهي حوامل للماء، لواحق بالجو، قوته على ذلك عالية حساً ومعنى؛ والريح: هواء متحرك، وحركته بعد أن كان ساكناً لا بد لها من سبب، وليس هو نفس كونه هواء ولا شيئاً من لوازم ذاته، وإلا لدامت حركته. فليست إلا بتحريك الفاعل الواحد المختار {فأنزلنا} أي بعظمتنا بسبب تلك السحائب التي حملتها الرياح {من السماء} أي الحقيقية أو جهتها أو السحاب، لأن الأسباب المتراقية بسند الشيء تارة إلى القريب منها وتارة إلى البعيد وأخرى إلى الأبعد {ماء} وهو جسم مائع سيال، به حياة كل حيوان من شأنه الاغتذاء {فأسقيناكموه} جعلناه لكم سقياً، يقال: سقيته ماء أي ليشربه، وأسقيته أي مكنته منه ليسقي به ماشيته ومن يريد. ونفى سبحانه عن غيره ما أثبته أولاً لنفسه فقال {وما أنتم له} أي ذلك الماء {بخازنين}...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ومما يرسله الله بقدر معلوم الرياح والماء: (وأرسلنا الرياح لواقح، فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه. وما أنتم له بخازنين) أرسلنا الرياح لواقح بالماء، كما تلقح الناقة بالنتاج؛ فأنزلنا من السماء ماء مما حملت الرياح، فأسقيناكموه فعشتم به: (وما أنتم له بخازنين).. فما من خزائنكم جاء، إنما جاء من خزائن الله ونزل منها بقدر معلوم. والرياح تنطلق وفق نواميس كونية، وتحمل الماء وفقا لهذه النواميس؛ وتسقط الماء كذلك بحسبها. ولكن من الذي قدر هذا كله من الأساس؟ لقد قدره الخالق، ووضع الناموس الكلي الذي تنشأ عنه كل الظواهر: (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه، وما ننزله إلا بقدر معلوم).

ونلحظ في التعبير أنه يرد كل حركة إلى الله حتى شرب الماء.. (فأسقيناكموه).. والمقصود أننا جعلنا خلقتكم تطلب الماء، وجعلنا الماء صالحا لحاجتكم، وقدرنا هذا وذاك. وأجريناه وحققناه بقدر الله. والتعبير يجيء على هذا النحو لتنسيق الجو كله، ورجع الأمر كله إلى الله حتى في حركة تناول الماء للشراب. لأن الجو جو تعليق كل شيء في هذا الكون بإرادة الله المباشرة وقدره المتعلق بكل حركة وحادث.. سنة الله هنا في حركات الأفلاك كسنته في حركات الأنفس.. تضمن المقطع الأول سنته في المكذبين، وتضمن المقطع الثاني سنته في السماوات والأرضين، وفي الرياح والماء والاستقاء. وكله من سنة الله التي يجري بها قدر الله. وهذه وتلك موصولتان بالحق الكبير الذي خلق الله به السماوات والأرض والناس والأشياء سواء.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

انتقال من الاستدلال بظواهر السماء وظواهر الأرض إلى الاستدلال بظواهر كرة الهواء الواقعة بين السماء والأرض، وذلك للاستدلال بفعل الرياح والمنة بما فيها من الفوائد. والإرسال: مجاز في نقل الشيء من مكان إلى مكان. وهذا يدل على أن الرياح مستمرة الهبوب في الكرة الهوائية. وهي تظهر في مكان آتية إليه من مكان آخر وهكذا...

ومعنى الإلقاح أن الرياح تلقح السحاب بالماء بتوجيه عمل الحرارة والبرودة متعاقبين فينشأ عن ذلك البخار الذي يصير ماء في الجو ثم ينزل مطراً على الأرض؛ وأنها تلقح الشجر ذي الثمرة بأن تَنقُلَ إلى نَوْره غبرة دقيقة من نور الشجر الذكر فتصلح ثمرته أو تثبت، وبدون ذلك لا تثبت أو لا تصلح. وهذا هو الإبّار. وبعضه لا يحصل إلا بتعليق الطلع الذكر على الشجرة المثمرة. وبعضه يكتفي منه بغرس شجرة ذكر في خلال شجر الثمر. ومن بلاغة الآية إيراد هذا الوصف لإفادة كلا العمليْن اللّذين تعملهما الرياح، وقد فُسرت الآية بهما. واقتصر جمهور المفسرين على أنها لواقح السحاب بالمطر.

... {أسقيناكموه} بمعنى جعلناه لكم سقياً، فالهمزة فيه للجعل.

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

{وما أنتم له بخازنين}...يتولى الله خزنها رحمة منه بالإنسان، إذ قيام الإنسان بخزنها كلها والمحافظة عليها ليس في الإمكان.