فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَأَرۡسَلۡنَا ٱلرِّيَٰحَ لَوَٰقِحَ فَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَسۡقَيۡنَٰكُمُوهُ وَمَآ أَنتُمۡ لَهُۥ بِخَٰزِنِينَ} (22)

{ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ ( 22 ) }

{ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ } جمع ريح وهو جسم لطيف منبث في الجو سريع المرور { لَوَاقِحَ } أي حوامل لأنها تحمل السحاب أي تقله وتصرفه ثم تمر به فتنزله ، قال تعالى : { إذا أقلت سحابا ثقالا } أي حملت وناقة لاقح إذا حملت الجنين في بطنها قاله الزهري ، وبه قال الفراء وابن قتيبة ، وقيل لواقح بمعنى ملقحة ، قال ابن الأنباري : تقول العرب أبقل النبت فهو باقل أي مبقل والمعنى أنها تلقح الشجر أي تقويها ، وقيل معنى لواقح ذوات لقح ، قال الزجاج : معناه ذوات لقحة لأنها تعصر السحاب وتدره كما تدر اللقحة ، يقال رامح أي ذو رمح ولابن أي ذو لبن وتامر أي ذو تمر .

قال أبو عبيدة : لواقح بمعنى ملاقح ذهب إلى أنها جمع ملقحة ، وفي هذه الآية تشبيه الرياح التي تحمل الماء بالحامل ولقاح الشجر بلقاح الحمل ، قال ابن مسعود : يرسل الله الريح فتحمل الماء فتلقح به السحاب فتدر كما تدر اللقحة ، ثم تمطر ، وعن ابن عباس نحوه ، وعن عبيد بن عمير قال : يبعث الله المبشرة فتقم الأرض قما ، ثم يبعث الله المثيرة فتثير السحاب فتجعله كسفا ثم يبعث الله المؤلفة فتؤلف بينه فتجعله ركاما ثم يبعث الله اللواقح فتلقحه فتمطر .

وأخرج ابن جرير وابن أبي الدنيا وأبو الشيخ والديلمي بسند ضعيف عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ( ريح الجنوب من الجنة وهي الريح اللواقح التي ذكر الله في كتابه ) {[1028]} قال أبو بكر بن عياش لا تقطر قطرة من السماء إلا بعد أن تعمل الرياح الأربع فيها فالصبا تهيج السحاب والشمال تجمعه والجنوب تدره والدبور تفرقه .

{ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء } أي من السحاب وكل ما علاك فأظلك فهو سماء ، وقيل من جهة السماء { مَاء } والمراد هنا ماء المطر { فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ } أي جعلنا ذلك المطر لسقياكم ولشرب مواشيكم وأرضكم ؛ قال أبو علي : يقال سقيته الماء إذا أعطيته قدر ما يروي وأسقيته نهرا أي جعلته شرابا له ، وعلى هذا فأسقيناكموه أبلغ من سقيناكموه ، وقيل سقى واسقى بمعنى واحد .

{ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ } بل نحن الخازنون له ، فنفى عنهم سبحانه ما أثبته لنفسه في قوله : { وإن من شيء إلا عندنا خزائنه } وقيل إن المعنى ما أنتم له بخازنين بعد أن أنزلناه عليكم ، أي لا تقدرون على حفظه في الآبار والغدران والعيون ، بل نحن الحافظون له فيها ليكون ذخيرة لكم عند الحاجة إليه .


[1028]:ضعيف الجامع الصغير والأحاديث الضعيفة 3652.