فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَأَرۡسَلۡنَا ٱلرِّيَٰحَ لَوَٰقِحَ فَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَسۡقَيۡنَٰكُمُوهُ وَمَآ أَنتُمۡ لَهُۥ بِخَٰزِنِينَ} (22)

{ وَأَرْسَلْنَا الرياح لَوَاقِحَ } معطوف على { وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا معايش } وما بينهما اعتراض . قرأ حمزة «الريح » بالتوحيد . وقرأ من عداه { الرياح } بالجمع . وعلى قراءة حمزة فتكون اللام في الريح للجنس . قال الأزهري : وجعل الرياح لواقح لأنها تحمل السحاب : أي تقله وتصرفه ، ثم تمرّ به فتنزله . قال الله سبحانه : { حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً } [ الأعراف : 57 ] أي : حملت . وناقة لاقح : إذا حملت الجنين في بطنها . وبه قال الفراء وابن قتيبة . وقيل : { لواقح } بمعنى : ملقحة . قال ابن الأنباري : تقول العرب : أبقل النبت فهو باقل أي : مبقل . والمعنى : أنها تلقح الشجر أي : بقوّتها ؛ وقيل : معنى { لواقح } ذوات لقح . قال الزجاج : معناه وذات لقحة ، لأنها تعصر السحاب وتدره كما تدرّ اللقحة . يقال : رامح أي : ذو رمح ، ولابن أي : ذو لبن ، وتامر أي : ذو تمر . قال أبو عبيدة : لواقح بمعنى ملاقح ، ذهب إلى أنها جمع ملقحة . وفي هذه الآية تشبيه الرياح التي تحمل الماء بالحامل ، ولقاح الشجر بلقاح الحمل .

{ فأَنزَلْنَا مِنَ السماء مَاء } أي : من السحاب وكل ما علاك فأظلك فهو سماء ، وقيل : من جهة السماء ، والمراد بالماء هنا ماء المطر { فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ } أي : جعلنا ذلك المطر لسقياكم ولشرب مواشيكم وأرضكم . قال أبو عليّ : يقال سقيته الماء إذا أعطيته قدر ما يروى ؛ وأسقيته نهراً أي : جعلته شرباً له ، وعلى هذا { فأسقيناكموه } أبلغ من سقيناكموه ؛ وقيل : سقى وأسقى بمعنى واحد { وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بخازنين } أي ليست خزائنه عندكم ، بل خزائنه عندنا ، ونحن الخازنون له ، فنفى عنهم سبحانه ما أثبته لنفسه في قوله : { وَإِن مّن شَيء إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ } وقيل المعنى : إن ما أنتم له بخازنين بعد أن أنزلناه عليكم : أي لا تقدرون على حفظه في الآبار والغدران والعيون ، بل نحن الحافظون له فيها ليكون ذخيرة لكم عند الحاجة إليه .

/خ25