معاني القرآن للفراء - الفراء  
{وَأَرۡسَلۡنَا ٱلرِّيَٰحَ لَوَٰقِحَ فَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَسۡقَيۡنَٰكُمُوهُ وَمَآ أَنتُمۡ لَهُۥ بِخَٰزِنِينَ} (22)

وقوله : { وَأَرْسَلْنا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ 22 }

وتقرأ ( الريح ) قرأها حمزة . فمن قال الرِّيحَ لواقِحَ ) فجمع اللواقح والريحُ واحدة لأن الريح في معنى جمع ؛ ألا ترى أَنك تقول : جاءت الريح من كلّ مكان ، فقيل : لواقح لذلك . كما قبل : تركته في أرضٍ أغفال وسَبَاسب ( قال الفراء : أغفال : لا علم فيها ) ومهارق وثوب أخلاق . ومنه قول الشاعر :

جاء الشتاء وَقميصي أخلاقْ *** شراذِمٌ يَضحك مِنه التَّواقْ

وأما من قال ( الرياحَ لواقَح ) فهو بَيّن . ولكن يقال : إنما الريح مُلَقِحة تُلْقِح الشجر .

فكيف قيل : لواقح ؟ ففي ذلك معنيان أحدهما أن تجعل الريح هي التي تَلْقَح بمرورها على التراب والماء فيكون فيها اللَّقَاح ، فيقال : ريح لاقح . كما يقال : ناقه لاقح . ويشهد على ذلك أنَّه وصف ريح العذاب فقال : { عَلَيْهِمُ الريحَ العَقِيم } فجعلها عقيما إذْ لم تَلْقَح . والوجه الآخر أن يكون وصفها باللَّقْح وإن كانت تُلقِح كما قيل : ليل نائم والنوم فيه ، وسرّ كاتم وكما قيل :

الناطق المبروز والمختوم *** . . .

فجعله مبروزا على غير فعل ، أي إن ذلك من صفاته فجاز مفعول لمُفْعَل ، كما جاز فاعِل لمفعول إذ لم يردَّ البناء على الفعل .