يقال : لقحت الناقة والشجرة فهي لاقحة : إذا حملت ، والرياح تلقح الشجر والسحاب ، فالوجه في الريح أنها ملقحة لا لاقحة ، وتتجه صفة { الرياح } ب { لواقح } على أربعة أوجه :
أولها وأولاها : أن نجعلها لاقحة حقيقية ، وذلك أن الرياح منها ما فيها عذاب أو حر ونار ، ومنها ما فيه رحمة ومطر أو نصر أو غير ذلك ، فإذا بها تحمل ما حملتها القدرة ، أو ما علقته من الهواء أو التراب أو الماء الذي مرت عليه ، فهي لاقحة بهذا الوجه ، وإن كانت أيضاً تلقح غيرها وتصير إليه نفعها . والعرب تسمي الجنوب الحامل واللاقحة ، وتسمي الشمال الحايل{[7148]} والعقيم ومحوة ، لأنها تمحو السحاب . وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «الريح الجنوب من الجنة ، وهي اللواقح التي ذكر الله ، وفيها منافع للناس »{[7149]} ؛ ومن هذا قول الطرماح :
قلق لا فبان الريا . . . ح للاقح منها وحائل{[7150]}
من نسل جوابة الآفاق{[7151]} . . . فجعلها حاملاً تنسل .
قال القاضي أبو محمد : ويخرج هذا على أنها ملقحة فلا حجة فيه .
والثاني : أن يكون وصفها ب { لواقح } من باب قولهم : ليل نائم ، أي فيه نوم ومعه ، ويوم عاصف ونحوه : فهذا على طريق المجاز .
والثالث : أن توصف الرياح ب { لواقح } على جهة النسب ، أي ذات لقح ، كقول النابغة :
كليني لهم يا أميمة ناصب{[7152]} . . . أي ذي نصب .
والرابع : أن تكون { لواقح } جمع ملقحة على حذف زوائدة ، فكأنه لقحة ، فجمعها كما تجمع لاقحة ، ومثله قول الشاعر [ سيبويه ] : [ الطويل ]
ليبك يزيد ضارع لخصومة . . . وأشعث ممن طوحته الطوائح{[7153]}
وإنما طوحته المطاوح ، وعلى هذا النحو فسرها أبو عبيدة في قوله : { لواقح } ملاقح ، وكذلك العبارة عنها في كتاب البخاري : لواقح ملاقح ملقحة .
وقرأ الجمهور «الرياح » بالجمع ، وقرأ الكوفيون - حمزة وطلحة بن مصرف والأعمش ويحيى بن وثاب - «الريح » بالإفراد ، وهي للجنس ، فهي في معنى الجمع ، ومثلها الطبري بقولهم : «قميص أخلاق وأرض أغفال »{[7154]} .
قال القاضي أبو محمد : وهذا كله من حيث هو أجزاء كثيرة تجمع صفته ، فكذلك ريح لواقع لأنها متفرقة الهبوب ، وكذلك : دار بلاقع ، أي كل موضع منها بلقع .
وقال الأعمش : إن في قراءة عبد الله «وأرسلنا الرياح يلقحن » ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «الريح من نفس الرحمن »{[7155]} ، ومعنى الإضافة هنا هي من إضافة خلق إلى خالق ، كما قال : { من روحي } [ الحجر : 29 ] ومعنى نفس الرحمن : أي من تنفيسه وإزالته الكرائب والشدائد . فمن التنفس بالريح النصر بالصبا{[7156]} وذرو الأرزاق بها ، وما لها من الخدمة في الأرزاق وجلب الأمطار وغير ذلك مما يكثر عده .
ولقد حدثت أن ابن أبي قحافة رحمه الله فسر هذا الحديث بنحو هذا وأنشد في تفسيره : [ الطويل ]
فإن الصبا ريح إذا ما تنسمت . . . على نفس محزون تجلت همومها{[7157]}
وهذا من جملة التنفيس والعرب تقول : أسقى وسقى بمعنى واحد ، وقال لبيد : [ الوافر ]
سقى قومي بني مجد واسقى . . . نميراً ، والقبائل من هلال{[7158]}
فجاء باللغتين ، وقال أبو عبيدة : أما إذا كان من سقي الشفة خاصة فلا يقال إلا سقى ، وأما إذا كان لسقي الأرض والثمار وجملة الأشياء فيقال : أسقى ، وأما الداعي لأرض أو غيرها بالسقي ، فإنما يقال فيه : أسقى ، ومنه قول ذي الرمة : [ الطويل ]
وقفت على رسم ِلمية ناقتي . . . فما زلت أبكي عنده وأخاطبه
وأسقيه حتى كاد مما أبثه . . . تكلمني أحجاره وملاعبه{[7159]}
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.