معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قُل لِّلۡمُؤۡمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِمۡ وَيَحۡفَظُواْ فُرُوجَهُمۡۚ ذَٰلِكَ أَزۡكَىٰ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا يَصۡنَعُونَ} (30)

قوله تعالى :{ قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم } أي : عن النظر إلى مالا يحل النظر إليه . وقيل : من صلة يعني : يغضوا أبصارهم . وقيل : هو ثابت لأن المؤمنين غير مأمورين بغض البصر أصلاً ، لأنه لا يجب الغض عما يحل النظر إليه ، وإنما أمروا بأن يغضوا عما لا يحل النظر إليه ، { ويحفظوا فروجهم } عما لا يحل ، قال أبو العالية : كل ما في القرآن من حفظ الفرج فهو عن الزنا والحرام ، إلا في هذا الموضع فإنه أراد به الاستتار حتى لا يقع بصر الغير عليه ، { ذلك } يعني : غض البصر وحفظ الفرج ، { أزكى لهم } أي : خير لهم وأطهر ، { إن الله خبير بما يصنعون } يعني : عليم بما يفعلون ، روي عن بريدة قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي يا علي : لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة " . وروي " عن جرير بن عبد الله قال : " سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة فقال : اصرف بصرك " .

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد ، حدثنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، أنبأنا أبو بكر بن أبي شيبة ، أنبأنا زيد بن الحباب ، عن الضحاك بن عثمان قال : أخبرني زيد بن أسلم ، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري ، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ، ولا المرأة إلى عورة المرأة ، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد ، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في ثوب واحد " .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُل لِّلۡمُؤۡمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِمۡ وَيَحۡفَظُواْ فُرُوجَهُمۡۚ ذَٰلِكَ أَزۡكَىٰ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا يَصۡنَعُونَ} (30)

{ 30 } { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ }

أي : أرشد المؤمنين ، وقل لهم : الذين معهم إيمان ، يمنعهم من وقوع ما يخل بالإيمان : { يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ } عن النظر إلى العورات وإلى النساء الأجنبيات ، وإلى المردان ، الذين يخاف بالنظر إليهم الفتنة ، وإلى زينة الدنيا التي تفتن ، وتوقع في المحذور .

{ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ } عن الوطء الحرام ، في قبل أو دبر ، أو ما دون ذلك ، وعن التمكين من مسها ، والنظر إليها . { ذَلِكَ } الحفظ للأبصار والفروج { أَزْكَى لَهُمْ } أطهر وأطيب ، وأنمى لأعمالهم ، فإن من حفظ فرجه وبصره ، طهر من الخبث الذي يتدنس به أهل الفواحش ، وزكت أعماله ، بسبب ترك المحرم ، الذي{[561]} تطمع إليه النفس وتدعو إليه ، فمن ترك شيئا لله ، عوضه الله خيرا منه ، ومن غض بصره عن المحرم ، أنار الله بصيرته ، ولأن العبد إذا حفظ فرجه وبصره عن الحرام ومقدماته ، مع داعي الشهوة ، كان حفظه لغيره أبلغ ، ولهذا سماه الله حفظا ، فالشيء المحفوظ إن لم يجتهد حافظه في مراقبته وحفظه ، وعمل الأسباب الموجبة لحفظه ، لم ينحفظ ، كذلك البصر والفرج ، إن لم يجتهد العبد في حفظهما ، أوقعاه في بلايا ومحن ، وتأمل كيف أمر بحفظ الفرج مطلقا ، لأنه لا يباح في حالة من الأحوال ، وأما البصر فقال : { يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ } أتى بأداة " من " الدالة على التبعيض ، فإنه يجوز النظر في بعض الأحوال لحاجة ، كنظر الشاهد والعامل والخاطب ، ونحو ذلك . ثم ذكرهم بعلمه بأعمالهم ، ليجتهدوا في حفظ أنفسهم من المحرمات .


[561]:- كذا في ب، وفي أ: التي.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُل لِّلۡمُؤۡمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِمۡ وَيَحۡفَظُواْ فُرُوجَهُمۡۚ ذَٰلِكَ أَزۡكَىٰ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا يَصۡنَعُونَ} (30)

27

30

( قل للمؤمنين : يغضوا من أبصارهم ، ويحفظوا فروجهم . ذلك أزكى لهم . إن الله خبير بما يصنعون ) . .

وغض البصر من جانب الرجال أدب نفسي ، ومحاولة للاستعلاء على الرغبة في الاطلاع على المحاسن والمفاتن في الوجوه والأجسام . كما أن فيه إغلاقا للنافذة الأولى من نوافذ الفتنة والغواية . ومحاولة عملية للحيلولة دون وصول السهم المسموم !

وحفظ الفرج هو الثمرة الطبيعية لغض البصر . أو هو الخطوة التالية لتحكيم الإرادة ، ويقظة الرقابة ، والاستعلاء على الرغبة في مراحلها الأولى . ومن ثم يجمع بينهما في آية واحدة ؛ بوصفهما سببا ونتيجة ؛ أو باعتبارهما خطوتين متواليتين في عالم الضمير وعالم الواقع . كلتاهما قريب من قريب .

( ذلك أزكى لهم ) . . فهو أطهر لمشاعرهم ؛ وأضمن لعدم تلوثها بالانفعالات الشهوية في غير موضعها المشروع النظيف ، وعدم ارتكاسها إلى الدرك الحيواني الهابط . وهو أطهر للجماعة وأصون لحرماتها وأعراضها ، وجوها الذي تتنفس فيه .

والله هو الذي يأخذهم بهذه الوقاية ؛ وهو العلم بتركيبهم النفسي وتكوينهم الفطري ، الخبير بحركات نفوسهم وحركات جوارحهم : ( إن الله خبير بما يصنعون ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قُل لِّلۡمُؤۡمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِمۡ وَيَحۡفَظُواْ فُرُوجَهُمۡۚ ذَٰلِكَ أَزۡكَىٰ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا يَصۡنَعُونَ} (30)

هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرم عليهم ، فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه{[21033]} ، وأن يغضوا{[21034]} أبصارهم عن المحارم ، فإن اتفق أن وقع البصر على مُحرَّم من غير قصد ، فليصرف بصره عنه سريعًا ، كما رواه مسلم في صحيحه ، من حديث يونس بن عُبَيد ، عن عمرو بن سعيد ، عن أبي زُرْعَة بن عمرو بن جرير ، عن جده جرير بن عبد الله البجلي ، رضي الله عنه ، قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم ، عن نظرة الفجأة ، فأمرني أن أصرفَ بَصَري .

وكذا رواه الإمام أحمد ، عن هُشَيْم ، عن يونس بن عبيد ، به . ورواه أبو داود والترمذي والنسائي ، من حديثه أيضًا{[21035]} . وقال الترمذي : حسن صحيح . وفي رواية لبعضهم : فقال : " أطرقْ بصرك " ، يعني : انظر إلى الأرض . والصرف أعم ؛ فإنه قد يكون إلى الأرض ، وإلى{[21036]} جهة أخرى ، والله أعلم .

وقال أبو داود : حدثنا إسماعيل بن موسى الفَزَاري ، حدثنا شَريك ، عن أبي ربيعة الإيادي ، عن عبد الله بن بُرَيْدة ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي : " يا علي ، لا تتبع النظرة النظرةَ ، فإن لك الأولى وليس لك الآخرة "

ورواه الترمذي من حديث شريك{[21037]} ، وقال : غريب ، لا نعرفه إلا من حديثه .

وفي الصحيح عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إياكم والجلوس على الطرقات " . قالوا : يا رسول الله ، لا بد لنا من مجالسنا ، نتحدث فيها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أبيتم ، فأعطوا الطريق حقَّه " . قالوا : وما حقّ الطريق يا رسول الله ؟ قال : " غَضُّ البصر ، وكَفُّ الأذى ، وردّ السلام ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر " {[21038]} .

وقال أبو القاسم البغوي : حدثنا طالوت بن عباد ، حدثنا فضل{[21039]} بن جبير : سمعت أبا أمامة يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " اكفلوا لي بِستّ أكفل لكم بالجنة : إذا حدَّث أحدكم فلا يكذب ، وإذا اؤتمن فلا يَخُن ، وإذا وَعَد فلا يخلف . وغُضُّوا أبصاركم ، وكُفُّوا أيديكم ، واحفظوا فروجكم " {[21040]} .

وفي صحيح البخاري : " من يكفل{[21041]} لي ما بين لَحْيَيه وما بين رجليه ، أكفل له الجنة " {[21042]} .

وقال عبد الرزاق : أنبأنا مَعْمَر ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة قال : كل ما عُصي الله به ، فهو كبيرة . وقد ذكر الطَّرْفين فقال : { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ } .

ولما كان النظر داعية إلى فساد القلب ، كما قال بعض السلف : " النظر سهام سم إلى القلب " ؛ ولذلك أمر الله بحفظ الفروج كما أمر بحفظ الأبصار التي هي بواعث إلى ذلك ، فقال : { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ } . وحفظُ الفَرج تارةً يكون بمنعه من الزنى ، كما قال { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } [ المعارج : 29 ، 30 ] وتارة يكون بحفظه من النظر إليه ، كما جاء في الحديث في مسند أحمد{[21043]} والسنن :

احفظ عورتك ، إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك " {[21044]} .

{ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ } أي : أطهر لقلوبهم وأنقى لدينهم ، كما قيل : " مَنْ حفظ بصره ، أورثه الله نورًا في بصيرته " . ويروى : " في قلبه " .

وقد قال الإمام أحمد : حدثنا عتاب ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، أخبرنا يحيى بن أيوب ، عن عُبَيْد الله بن زَحْر ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من مسلم ينظر إلى محاسن امرأة [ أوّل مَرّة ]{[21045]} ثم يَغُضّ بصره ، إلا أخلف الله له عبادة يجد حلاوتها " {[21046]} .

ورُوي هذا مرفوعًا عن ابن عمر ، وحذيفة ، وعائشة ، رضي الله عنهم{[21047]} ولكن في إسنادها ضعف ، إلا أنها في الترغيب ، ومثله يتسامح فيه .

وفي الطبراني من طريق عبيد الله بن زَحْر ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة مرفوعا : " لَتغضُنَّ أبصاركم ، ولتحفظن فروجكم ، ولتقيمُنّ وجوهكم - أو : لتكسفن وجوهكم " {[21048]} .

وقال الطبراني : حدثنا أحمد بن زهير التُّسْتُري قال : قرأنا على محمد بن حفص بن عمر الضرير المقرئ ، حدثنا يحيى بن أبي بُكَيْر ، حدثنا هُرَيْم بن سفيان ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن النظر سهم من سهام إبليس مسموم ، من تركه مخافتي ، أبدلته إيمانا يجد حلاوته في قلبه " {[21049]} .

وقوله : { إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } ، كما قال تعالى : { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ } [ غافر : 19 ] .

وفي الصحيح ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كُتِبَ على ابن آدم حَظّه من الزنى ، أدرَكَ ذلك لا محالة . فَزنى العينين : النظر . وزنى اللسان : النطقُ . وزنى الأذنين : الاستماع . وزنى اليدين : البطش . وزنى الرجلين : الخطى . والنفس تمَنّى وتشتهي ، والفرج يُصَدِّق ذلك أو يُكذبه " .

رواه البخاري تعليقًا ، ومسلم مسندًا من وجه آخر{[21050]} بنحو ما تقدم .

وقد قال كثير من السلف : إنهم كانوا ينهَون أن يحدَّ الرجل بَصَره{[21051]} إلى الأمرد . وقد شَدَّد كثير من أئمة الصوفية في ذلك ، وحَرَّمه طائفة من أهل العلم ، لما فيه من الافتتان ، وشَدّد آخرون في ذلك كثيرًا جدًا .

وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا أبو سعيد المدني{[21052]} ، حدثنا عمر بن سهل المازني ، حدثني عمر بن محمد بن صُهْبَان ، حدثني صفوان بن سليم ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل عين باكية{[21053]} يوم القيامة ، إلا عينًا غَضّت عن محارم الله ، وعينًا سهِرت في سبيل الله ، وعينًا يخرج منها مثل رأس الذباب ، من خشية الله ، عز وجل " {[21054]} .


[21033]:- في ف : "إليهم".
[21034]:- في ف : "يغمصوا".
[21035]:- صحيح مسلم برقم (2159) والمسند (4/361) وسنن أبي داود برقم (2148) وسنن الترمذي برقم (2776) والنسائي في السنن الكبرى برقم (9233).
[21036]:- في أ : "أو إلى".
[21037]:- سنن أبي داود برقم (2149) وسنن الترمذي برقم (2777).
[21038]:- صحيح البخاري برقم (2465) وصحيح مسلم برقم (2121) من حديث أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه.
[21039]:- في هـ : "فضال".
[21040]:- رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (7/392) من طريق أبي القاسم البغوي ، به. ورواه الطبراني في المعجم الكبير (8/314) وابن حبان في المجروحين (2/204) من طريق فضال بن جبير. ويقال : ابن زبير ، به. وقال ابن حبان : "فضال بن جبير لا يحل الاحتجاج به".
[21041]:- في أ : "كفل".
[21042]:- صحيح البخاري برقم (6474) من حديث سهل بن سعد ، رضي الله عنه.
[21043]:- في أ : "المسند".
[21044]:- المسند (5/ 3 ، 4) وسنن أبي داود برقم (4017) وسنن ابن ماجه برقم (1920) من حديث معاوية بن حيدة ، رضي الله عنه.
[21045]:زيادة من ف ، أ.-
[21046]:- المسند (5/264). وفي إسناده عبيد الله بن زحر ، قال ابن حبان : "يروي الموضوعات عن الأثبات وإذا روى عن علي بن يزيد أتى بالطامات ، وإذا اجتمع في إسناد خبر عبيد الله بن زحر وعلي بن يزيد والقاسم أبو عبد الرحمن ، لم يكن ذلك الخبر إلا مما عملته أيديهم".
[21047]:- أما حديث حذيفة ، فرواه الحاكم في المستدرك (4/314) من طريق إسحاق القرشي ، عن هشيم ، عن عبد الرحمن ، عن إسحاق ، عن محارب ، عن صلة بن زفر ، عن حذيفة ، رضي الله عنه ، وصححه الحاكم ، وتعقبه الذهبي. قلت: إسحاق واه وعبد الرحمن هو الواسطي ضعفوه. وأما حديث ابن عمر ، فرواه أبو نعيم في الحلية (6/101) من طريق أبي اليمان ، عن أبي المهدي ، عن أبي الزاهرية ، عن كثير بن مرة ، عن ابن عمر ، رضي الله عنهما ، وإسناده ضعيف جدا.
[21048]:- المعجم الكبير (8/246) وعبيد الله بن زحر وعلي بن يزيد والقاسم ضعفاء.
[21049]:- المعجم الكبير (10/214) وقال الهيثمي في المجمع (8/63) : "وفيه عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي وهو ضعيف".
[21050]:- صحيح البخاري برقم (6343) وصحيح مسلم برقم (2657).
[21051]:- في أ : "نظره".
[21052]:- في أ : "المقبري".
[21053]:- في أ : "زانية".
[21054]:- ورواه أبو نعيم في الحلية (3/163) من طريق داود بن عطاء ، عن عمر بن صهبان ، عن صفوان ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، به. فلا أدري أسقط أبو سلمة من إسناد ابن أبي الدنيا أم لا ؟ وعمر بن صهبان منكر الحديث اتفق الأئمة على تضعيفه.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قُل لِّلۡمُؤۡمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِمۡ وَيَحۡفَظُواْ فُرُوجَهُمۡۚ ذَٰلِكَ أَزۡكَىٰ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا يَصۡنَعُونَ} (30)

القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَىَ لَهُمْ إِنّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قُلْ للمؤْمِنينَ بالله وبك يا محمد يَغُضّوا مِنْ أبْصَارِهِمْ يقول : يكفوا من نظرهم إلى ما يشتهون النظر إليه مما قد نهاهم الله عن النظر إليه . وَيحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ أن يراها مَنْ لا يحلّ له رؤيتها ، بلبس ما يسترها عن أبصارهم . ذلكَ أزْكَى لَهُمْ يقول : فإنّ غضها من النظر عما لا يحلّ النظر إليه وحفظ الفرج عن أن يظهر لأبصار الناظرين ، أطهر لهم عند الله وأفضل . إنّ اللّهُ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ يقول : إن الله ذو خبرة بما تصنعون أيها الناس فيما أمركم به من غضّ أبصاركم عما أمركم بالغضّ عنه وحفظ فروجكم عن إظهارها لمن نهاكم عن إظهارها له .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ بن سهل الرّمليّ ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية في قوله : قُلْ للْمُؤمِنينَ يَغُضّوا مِنْ أبْصَارِهِمْ وَيحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ قال : كل فرج ذُكِر حفظة في القرآن فهو من الزنا ، إلا هذه : وَقُلْ للْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أبْصَارِهِنّ وَيحْفَظْنَ فُرُوجَهُنّ فإنه يعني الستر .

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : قُلْ للْمُؤْمِنِينَ يَغُضّوا مِنْ أبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ وَقُلْ للْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أبْصَارِهِنّ وَيحفَظْنَ فُرُوجَهُنّ قال : يغضوا أبصارهم عما يكره الله .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : قُلْ للْمُؤْمِنِينَ يَغُضّوا مِنْ أبْصَارِهِمْ قال : يغضّ من بصره : أن ينظر إلى ما لا يحلّ له ، إذا رأى ما لا يحلّ له غضّ من بصره ، لا ينظر إليه ، ولا يستطيع أحد أن يغضّ بصره كله ، إنما قال الله : قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضّوا مِنْ أبْصَارِهِمْ .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قُل لِّلۡمُؤۡمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِمۡ وَيَحۡفَظُواْ فُرُوجَهُمۡۚ ذَٰلِكَ أَزۡكَىٰ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا يَصۡنَعُونَ} (30)

أعقب حكم الاستئذان ببيان آداب ما تقتضيه المجالسة بعد الدخول وهو أن لا يكون الداخل إلى البيت محدقاً بصره إلى امرأة فيه بل إذا جالسته المرأة غض بصره واقتصر على الكلام ولا ينظر إليها إلا النظر الذي يعسر صرفه .

ولما كان الغض التام لا يمكن جيء في الآية بحرف { من } الذي هو للتبعيض إيماء إلى ذلك إذ من المفهوم أن المأمور بالغض فيه هو ما لا يليق تحديق النظر إليه وذلك يتذكره المسلم من استحضاره أحكام الحلال والحرام في هذا الشأن فيعلم أن غض البصر مراتب : منه واجب ومنه دون ذلك ، فيشمل غض البصر عما اعتاد الناس كراهية التحقق فيه كالنظر إلى خبايا المنازل ، بخلاف ما ليس كذلك فقد جاء في حديث عمر بن الخطاب حين دخل مشربة النبي صلى الله عليه وسلم « فرفعت بصري إلى السقف فرأيت أهَبَةً معلقة » .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي : « لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الثانية » .

وفي هذا الأمر بالغض أدب شرعي عظيم في مباعدة النفس عن التطلع إلى ما عسى أن يوقعها في الحرام أو ما عسى أن يكلفها صبراً شديداً عليها .

والغض : صرف المرء بصره عن التحديق وتثبيت النظر . ويكون من الحياء كما قال عنترة :

وأغض طرفي حين تبدو جارتي *** حتى يواري جارتي مأواها

ويكون من مذلة كما قال جرير

فغض الطرف إنك من نمير

ومادة الغض تفيد معنى الخفض والنقص .

والأمر بحفظ الفروج عقب الأمر بالغض من الأبصار لأن النظر رائد الزنى . فلما كان ذريعة له قصد المتذرع إليه بالحفظ تنبيهاً على المبالغة في غض الأبصار في محاسن النساء . فالمراد بحفظ الفروج حفظها من أن تباشر غير ما أباحه الدين .

واسم الإشارة إلى المذكور ، أي ذلك المذكور من غض الأبصار وحفظ الفروج .

واسم التفضيل بقوله : { أزكى } مسلوب المفاضلة . والمراد تقوية تلك التزكية لأن ذلك جنة من ارتكاب ذنوب عظيمة .

وذيل بجملة : { إن الله خبير بما يصنعون } لأنه كناية عن جزاء ما يتضمنه الأمر من الغض والحفظ لأن المقصد من الأمر الامتثال .