قوله تعالى : { ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم } ، فيعاجلهم بالعقوبة على كفرهم وعصيانهم ، { ما ترك عليها } ، أي : على الأرض ، كناية عن غير مذكور ، { من دابة } . وقال قتادة في الآية : قد فعل الله ذلك في زمن نوح ، فأهلك من على الأرض ، إلا من كان في سفينة نوح عليه السلام . روي أن أبا هريرة سمع رجلاً يقول : إن الظالم لا يضر إلا نفسه ، فقال : بئس ما قلت ، إن الحبارى تموت في وكرها بظلم الظالم . وقال ابن مسعود : إن الجعل لتعذب في جحرها بذنب ابن آدم . وقيل : معنى الآية : لو يؤاخذ الله آباء الظالمين بظلمهم ، لانقطع النسل ، ولم توجد الأبناء ، فلم يبق في الأرض أحد . { ولكن يؤخرهم إلى أجل } ، يمهلهم بحلمه إلى أجل ، { مسمىً } ، إلى منتهى آجالهم وانقطاع أعمارهم . { فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } .
{ 61 } { وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ } ، لما ذكر تعالى ما افتراه الظالمون عليه ، ذكر كمال حلمه وصبره فقال : { وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ } ، من غير زيادة ولا نقص ، { مَا تَرَكَ عَليها مِنْ دَابَّةٍ } ، أي : لأهلك المباشرين للمعصية وغيرهم ، من أنواع الدواب والحيوانات ؛ فإن شؤم المعاصي يهلك به الحرث والنسل . { وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ } ، عن تعجيل العقوبة عليهم ، إلى أجل مسمى : وهو يوم القيامة . { فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ } ، فليحذروا ما داموا في وقت الإمهال ، قبل أن يجيء الوقت الذي لا إمهال فيه .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النّاسَ بِظُلْمِهِمْ مّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبّةٍ وَلَكِن يُؤَخّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مّسَمّىَ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } .
يقول تعالى ذكره : وَلَوْ يُؤاخِذُ اللّهُ عصاة بني آدم بمعاصيهم ، ما تَرَكَ عَلَيْها ، يعني على الأرض ، مِنْ دَابّةٍ تدبّ عليها . ولَكِنْ يُؤخّرُهُمْ ، يقول : ولكن بحلمه يؤخر هؤلاء الظلمة فلا يُعاجلهم بالعقوبة ، إلى أجَلٍ مُسَمّى ، يقول : إلى وقتهم الذي وُقّت لهم . فإذَا جاءَ أجَلُهُمْ ، يقول : فإذا جاء الوقت الذي وُقّت لهلاكهم ، لا يَسْتَأْخِرُونَ عن الهلاك ساعة فيمهلون ، وَلا يَسْتَقْدِمُونَ له حتى يستوفُوا آجالهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، قال : كاد الجُعَل أن يعذّب بذنب بني آدم . وقرأ : لَوْ يُؤاخِذُ اللّهُ النّاسَ بِظُلْمهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابّةٍ .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا إسماعيل بن حكيم الخزاعيّ ، قال : حدثنا محمد بن جابر الجعفي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، قال : سمع أبو هريرة رجلاً وهو يقول : إن الظالم لا يضرّ إلا نفسه ، قال : فالتفت إليه فقال : بلى ، والله إن الحباري لتموت في وكرها هزالاً بظلم الظالم .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا أبو عبيدة الحداد ، قال : حدثنا قرة بن خالد السدوسي ، عن الزبير بن عديّ ، قال : قال ابن مسعود : خطيئة ابن آدم قتلت الجُعَل .
حدثنا أبو السائب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، قال : قال عبد الله : كاد الجُعَل أن يهلك في جُحره بخطيئة ابن آدم .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أخبرنا إسحاق ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، قال الله : فإذَا جاءَ أجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ قال : نرى أنه إذا حضر أجله فلا يؤخر ساعة ، ولا يقدّم ما لم يحضر أجله ، فإن الله يؤخّر ما شاء ويُقدّم ما شاءَ .
{ ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم } ، بكفرهم ومعاصيهم . { ما ترك عليها } ، على الأرض ، وإنما أضمرها من غير ذكر ؛ لدلالة الناس والدابة عليها . { من دابة } قط ، بشؤم ظلمهم . وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه : كاد الجعل يهلك في جحره بذنب ابن آدم ، أو من دابة ظالمة . وقيل : لو أهلك الآباء بكفرهم ، لم يكن الأبناء . { ولكن يؤخّرهم إلى أجل مسمى } ، سماه لأعمارهم ، أو لعذابهم كي يتوالدوا . { فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } ، بل هلكوا ، أو عذبوا حينئذ لا محالة ، ولا يلزم من عموم الناس وإضافة الظلم إليهم ، أن يكونوا كلهم ظالمين ، حتى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ؛ لجواز أن يضاف إليهم ما شاع فيهم ، وصدر عن أكثرهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.