نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَلَوۡ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلۡمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيۡهَا مِن دَآبَّةٖ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗىۖ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ لَا يَسۡتَـٔۡخِرُونَ سَاعَةٗ وَلَا يَسۡتَقۡدِمُونَ} (61)

{ ولو يؤاخذ الله } ، أي : الملك الأعظم ، الذي له صفات الكمال . { الناس } ، كلهم .

ولما كان السياق للحكمة ، وكان الظلم - الذي هو إيقاع الشيء في غير موقعه - شديد المنافاة لها ، وكان الشرك - الذي هذا سياقه - أظلم الظلم ، قال معبراً بالوصف الشامل لما وقع منهم منه بالفعل ، ولما هم منطوون عليه ، وهو وصف لهم ، ولم يباشروه إلى الآن بالفعل ، قال : { بظلمهم } ، أي : يعاملهم معاملة الناظر لخصمه ، المعامل له بمحض العدل من غير نظر إلى الفضل ، وعبر بصيغة المفاعلة ؛ لأن دلالتها على المناقشة أبلغ . { ما ترك } ، ولما اقتضى الحال ذكر الظلم ، وكان سياق هذه الآية أغلظ من سياق فاطر ، عبر بما يشمل كل محمول الأرض ، سواء كان على الظهر أو في البطن ، مغموراً بالماء أو لا ، فقال تعالى : { عليها } ، أي : الأرض ؛ المعلوم أنها مستقرهم المدلول عليها التراب ، وأعرق في النفي ، فقال تعالى : { من دآبة } ، أي : نفس تدب على وجه الأرض ؛ لأن الكل إما ظالم يعاقب بظلمه ، وإما من مصالح الظالم ؛ فيهلكه عقوبة للظالم ، أو لأنه ما خلقهم إلا للبشر ، فإذا أهلكهم أهلكهم ، كما وقع قريب منه في زمن نوح عليه السلام ، { ولكن } ، لا يفعل بهم ذلك ، فهو { يؤخرهم } ، إمهالاً بحكمته وحلمه ، { إلى أجل مسمى } ، ضربه لهم في الأزل .

ولما قطع العلم بالغاية عما يكون ، سبب عن ذلك الإعلام بما يكون فيه فقال : { فإذا جاء أجلهم } ، الذي حكم بأخذهم عنده ، { لا يستأخرون } ، أي : عنه ، { ساعة } ، أي : وقتاً هو عام التعارف بينكم ، ثم عطف على جملة الشرط من أولها قوله تعالى : { ولا يستقدمون * } أي : عن الأجل شيئاً .