{ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ ( 61 ) }
ثم لما حكى سبحانه عن القوم عظم كفرهم ، بين سعة كرمه وحلمه ، حيث لم يعاجلهم بالعقوبة فقال : { وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم } ، المراد بالناس هنا : الكفار ، أو جميع العصاة ، والباء للسببية . { مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا } ، أي : على الأرض ، وإن لم تذكر ، فقد دل عليها ذكر الناس أو الدابة ، { مِن دَآبَّةٍ } ، قط ، بل أهلكها بالمرة شؤم ظلم الظالمين ، فإن الجميع مستقرون على الأرض ، والمراد بالدابة : الكافر ، وقيل : كل ما دب .
وقد قيل على هذا : كيف يعم بالهلاك ؟ وفيهم من لا ذنب له ، وأجيب بأن إهلاك الظالم انتقاما منه ، وإهلاك غيره إن كان من أهل التكليف ، فلأجل توفير أجره ، وإن كان من غيرهم ، فبشؤم ظلم الظالمين ، ولله الحكمة البالغة ، { لا يسأل عما يفعل وهم يسألون } ، ومثل هذا قوله : { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة } .
وفي معنى هذه الآية أحاديث منها . ما عند مسلم وغيره من حديث ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى اله عليه وآله وسلم يقول : ( إذا أراد الله بقوم عذابا ، أصاب العذاب من كان فيهم ، ثم بعثوا على نياتهم . ) {[1050]} وكذلك حديث الجيش الذي يخسف بهم في البيداء ، وفي آخره أنهم يبعثون على نياتهم{[1051]} ، وقد قدمنا عند تفسير قوله سبحانه : { واتقوا فتنة } ، الآية تحقيقا حقيقا بالمراجعة له .
قال سعيد بن جبير : ما ترك عليها من دابة : ما سقاهم المطر . وعن السدي نحوه ، أي : يمسك المطر بسبب ظلمهم ، وانقطاعه يوجب انقطاع النسل ، وقيل لو أهلك الآباء بكفرهم لم تكن الأبناء ، وذلك يستلزم أن لا يبقى في العالم أحد من الناس ، وقال قتادة : قد فعل ذلك في زمن نوح ، أهلك الله ما على الأرض من دابة ، إلا ما حمل في سفينته .
وهذا إيذان بأن ما أتوه من القبائح ، فقد تناهى إلا أمد لا غاية وراءه ؛ وعن ابن مسعود قال : ذنوب ابن آدم قتلت الجعل في جحره . ثم قال : أي والله زمن غرق قوم نوح . وعنه قال : كاد الجعل أن يعذب في جحره بذنب ابن آدم ، ثم قرأ هذه الآية . وعن أنس نحوه .
وعن أبي هريرة أنه سمع رجلا يقول : إن الظالم لا يضر إلا نفسه . قال : أبو هريرة بلى والله ، إن الحبارى لتموت هزالا في وكرها من ظلم الظالم . { وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى } ، معلوم معين عند تعالى ، وهو منتهى حياتهم ، وانقضاء أعمارهم أو أجل عذابهم ، وفي هذا التأخير حكمة بالغة ، منها الإعذار إليهم ، وإرخاء العنان معهم ، ومنها حصول من سبق في علمه من أولادهم .
{ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ } ، الذي سماه لهم ، { لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } ، أي : حقت عليهم كلمة الله في ذلك الوقت ، من دون تقدم عليه ولا تأخر عنه ، والساعة المدة القليلة ، وقد تقدم تفسير هذا وتحقيقه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.