الآية 61 : وقوله تعالى : { ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة } ، دل قوله : { ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم } ، أن له أن يستأصلهم ، ويهلكهم بما كان منهم ، لكنه بفضله تركهم إلى المدة التي لهم ؛ لأنه لو لم يكن له ذلك ، لم يكن للوعيد الذي أوعد معنى .
وقال أبو زيد البلخي : إن الله بما أوعد من الوعيد ليس يوعد لمضرة نفسه ، ولا لنفع يصل إليه ، ولكن يوعد بما توجبه الحكمة . فدل أن الوعيد لازم واجب ، ونحن نقول : ( يوعد ) {[10226]} بما توجبه الحكمة . وقد أمهلهم بعد الوعيد . فعلى ذلك يجوز أن يخرجهم من النار ، بعد ما أدخلهم النار بما ارتكبوا من الكبائر .
ثم في قوله : { ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم } الآية ، دلالة نقض قول المعتزلة ؛ لأنهم يقولون : ليس لله أن يهلك قوما ، قد علم منهم الإيمان في وقت ، أو يكون في أصلابهم من يؤمن ؛ إذ قد كان ممن أوعد ذلك الوعيد من بعضهم الإيمان ، أو في أصلابهم من قد آمن ، فدل الوعيد لهم أنه قد يهلك من يعلم أنه يؤمن في آخر عمره ؛ إذ لا يوعد إلا بما له أن يفعل ، لكنه بفضله أخره إلى وقت دلالة أن له أن يفعل بما ليس ذلك بأصلح لهم في الدين .
ثم اختلف في قوله : { بظلمهم } قال بعضهم : هذا للكفرة خاصة ، وقال بعضهم : لهم وللمؤمنين ولكل {[10227]} مرتكب زلة ؛ إذ ما من أحد ارتكب زلة إلا وقد استوجب العقوبة ، ( والمؤاخذة بها ){[10228]} ، لكنه بفضله عفا .
وقوله تعالى : { ما ترك عليها من دابة } ، قال بعضهم : أراد بالدابة : الدابة التي خلقها لهم ، إذا أهلك الناس ، فقد أهلك الدواب ؛ إذ خلقه إياها لهم . وقال بعضهم قوله : { ما ترك عليها من دابة } أي على ظهر الأرض من دابة ؛ لأن الدواب إنما تعيش بالذي يعيش الناس ، فإذا هلكوا هم ، هلكت الدواب أيضا ، لما ذهب سبب عيشها .
وجائز أن يكون أراد بالدابة البشر ، أي ما تركهم بظلمهم ، ولكن يهلكهم ، وسماهم دابة ؛ ( لأنه ذكرهم ) {[10229]} في موضع الظلم . وإن كان سماهم في غير موضع بالأسماء الحسنة ، فقد{[10230]} سماهم في موضع آخر دابة ، حين{[10231]} قال : { وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها } ( هود : 6 ) ، ولا شك أن البشر دخلوا في هذه التسمية .
فعلى ذلك جائز دخولهم في الأخرى ؛ فإن كان المراد ما ذكر من الدابة البشر والأنبياء والرسل ، فإنما يكون هلاكهم بقطع نسلهم ؛ لأن الأنبياء أكثرهم ولدوا من الآباء الظلمة ، فإذا أهلك آباؤهم ، لم يولد الرسل والأنبياء ، فيكون هلاكهم لا بظلم هؤلاء ، ولكن بقطع النسل ، وإن كان المراد بتلك الدابة الدواب نفسها ؛ فلأن الدواب إنما أنشئت للبشر ولمنافعهم ، فإذا أهلكت ( الدابة : البشر ) {[10232]} ، أهلك المنشأ لهم ، والله أعلم .
وفي قوله : { لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } ، دلالة ( نقض ){[10233]} قول المعتزلة ؛ لأنهم يقولون : يجعل الله للخلق أجلا ، ثم يجيء كافر ، فيقتله دون بلوغ الأجل الذي جعله الله ، حين {[10234]} أخبر أنهم { لا يستأخرون ساعة } ، بعد الأجل المضروب لهم ، { ولا يستقدمون } قبل ذلك . وهم يقولون : بل يستقدمه كافر ، فيقتله ، فذلك سرف في القول .
أحدهما : لا يتأخر الأجل الذي جعل لهم ساعة ، ولا يتقدم عن ذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.