البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلَوۡ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلۡمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيۡهَا مِن دَآبَّةٖ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗىۖ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ لَا يَسۡتَـٔۡخِرُونَ سَاعَةٗ وَلَا يَسۡتَقۡدِمُونَ} (61)

لما حكى الله تعالى عن الكفار عظيم ما ارتكبوه من الكفر ونسبة التولد له ، بيَّن تعالى أنه يمهلهم ولا يعاجلهم بالعقوبة إظهاراً لفضله ورحمته .

ويؤاخذ : مضارع آخذ ، والظاهر أنه بمعنى المجرد الذي هو أخذه .

وقال ابن عطية : كان أحد المؤاخذين يأخذ من الآخر ، إما بمعصية كما هي في حق الله تعالى ، أو بإذاية في جهة المخلوقين ، فيأخذ الآخر من الأول بالمعاقبة والجزاء انتهى .

والظاهر : عموم الناس .

وقيل : أهل مكة ، والباء في بظلمهم للسبب .

وظلمهم كفرهم ومعاصيهم .

والضمير في عليها عائد على غير مذكور ، ودل على أنه الأرض قوله : من دابة ، لأن الدبيب من الناس لا يكون إلا في الأرض ، فهو كقوله : { فأثرن به نقعاً } أي بالمكان لأن { والعاديات } معلوم أنها لا تعدو إلا في مكان ، وكذلك الإثارة والنقع .

والظاهر عموم من دابة فيهلك الصالح بالطالح ، فكان يهلك جميع ما يدب على الأرض حتى الجعلان في جحرها قاله : ابن مسعود .

قال قتادة : وقد فعل تعالى في زمن نوح عليه السلام .

وقال السدي ومقاتل : إذا قحط المطر لم تبق دابة إلا هلكت .

وسمع أبو هريرة رجلاً يقول : إن الظالم لا يضر إلا نفسه ، فقال : بلى والله حتى أن الحبارى لتموت في وكرها بظلم الظالم .

وهذا نظير : { واتقوا فتنة } الآية والحديث «أنهلك وفينا الصالحون » وقال ابن السائب ، واختاره الزجاج : من دابة من الإنس والجن .

وقال ابن جريج : من الناس خاصة .

وقالت فرقة منهم ابن عباس : من دابة من مشرك يدب عليها ، ولكن يؤخرهم إلى أجل الآية ، تقدّم تفسير ما يشبهه في الأعراف .

وما في ما يكرهون لمن يعقل ، أريد بها النوع كقوله : { فانكحوا ما طاب لكم }