إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَلَوۡ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلۡمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيۡهَا مِن دَآبَّةٖ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗىۖ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ لَا يَسۡتَـٔۡخِرُونَ سَاعَةٗ وَلَا يَسۡتَقۡدِمُونَ} (61)

{ وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس } ، الكفارَ ، { بِظُلْمِهِمْ } ، بكفرهم ومعاصيهم ، التي من جملتها ما عُدّد من قبائحهم ، وهذا تصريحٌ بما أفاده قوله تعالى : { وَهُوَ العزيز الحكيم } ، وإيذانٌ بأن ما أتَوْه من القبائح ، قد تناهى إلى أمد لا غايةَ وراءَه . { مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا } ، على الأرض ، المدلولِ عليها بالناس ، وبقوله تعالى : { مِن دَابَّةٍ } ، أي : ما ترك عليها شيئاً من دابة قطُّ ، بل أهلكها بالمرة بشؤم ظلمِ الظالمين ، كقوله تعالى : { واتقوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الذين ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً } ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رجلاً يقول : إن الظالم لا يضُرُّ إلا نفسَه . فقال : « بلى والله ، حتى إن الحُبارَى لتموت في وَكرها بظلم الظالم » . وعن ابن مسعود رضي الله عنه : « كاد الجُعَلُ يهلِك في جُحره بذنب ابن آدمَ ، أو من دابة ظالمة » وقيل : لم أَهْلك الآباءَ لم يكن الأبناءُ ، فيلزم أن لا يكون في الأرض دابةٌ ؛ لما أنها مخلوقةٌ لمنافعِ البشر ، لقوله سبحانه : { هُوَ الذي خَلَقَ لَكُم مَّا في الأرض جَمِيعاً } ، { ولكن } ، لا يؤاخذهم بذلك ، بل { يُؤَخِرُهُمْ إلى أَجَلٍ مسمى } ، لأعمارهم ، أو لعذابهم ؛ كي يتوالدوا ، ويكثُرَ عذابُهم ، { فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ } ، المسمّى ، { لاَ يَسْتَأْخِرُونَ } ، عن ذلك الأجلِ ، أي : لا يتأخرون ، وصيغةُ الاستفعال ؛ للإشعار بعجزهم عنه ، مع طلبهم له ، { سَاعَةِ } فذّةً ، وهي مثَلٌ في قلة المدة ، { وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } ، أي : لا يتقدمون ، وإنما تعرض لذكره ، مع أنه لا يتصور الاستقدامُ عند مجيء الأجلِ مبالغةً في بيان عدمِ الاستئخارِ بنظمه في سلك ما يمتنع ، كما في قوله تعالى : { وَلَيْسَتِ التوبة لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السيئات حتى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الموت قَالَ إني تُبْتُ الآن وَلاَ الذين يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ } ، فإن من مات كافراً ، مع أنه لا توبةَ له رأساً ، قد نُظم في سِمْطِ من لم تُقبل توبته ؛ للإيذان بأنهما سيان في ذلك ، وقد مر في تفسير سورة يونس .