لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَلَوۡ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلۡمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيۡهَا مِن دَآبَّةٖ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗىۖ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ لَا يَسۡتَـٔۡخِرُونَ سَاعَةٗ وَلَا يَسۡتَقۡدِمُونَ} (61)

قوله : { ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم } ، يعني : بسبب ظلمهم ، فيعاجلهم بالعقوبة على ظلمهم وكفرهم وعصيانهم . فإن قلت الناس اسم جنس يشمل الكل ، وقد قال تعالى في آية أخرى : { فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات } ، فقسمهم في تلك الآية ثلاثة أقسام ، فجعل الظالمين قسماً واحداً من ثلاثة . قلت : قوله : ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ، عام مخصوص بتلك الآية الأخرى ؛ لأن في جنس الناس الأنبياء والصالحين ، ومن لا يطلق عليه اسم الظلم ، وقيل : أراد بالناس الكفار فقط ، بدليل قوله : { إن الشرك لظلم عظيم } . وقوله : { وما ترك عليها } ، يعني : على الأرض ، كناية عن غير مذكور ؛ لأن الدابة لا تدب إلا على الأرض . { من دابة } ، يعني : أن الله سبحانه وتعالى ، لو يؤاخذ الناس بظلمهم ، لأهلك جميع الدواب التي على وجه الأرض . قال قتادة : وقد فعل الله ذلك في زمن نوح عليه السلام . وروي أن أبا هريرة سمع رجلاً يقول : إن الظالم لا يضر إلا نفسه ، فقال : بئس ما قلت إن الحبارى تموت هزالاً بظلم الظالم . وقال ابن مسعود : إن الجعل تعذب في جحرها بذنب ابن آدم . وقيل : أراد بالدابة الكافر ، بدليل قوله : { إن شر الدواب عند الله الذين كفروا } ، وقيل في معنى الآية : ولو يؤاخذ الله الآباء الظالمين بسبب ظلمهم لانقطع النسل ، ولم توجد الأبناء ، فلم يبق في الأرض أحد . { ولكن يؤخرهم } ، يعني : يمهلهم بفضله ، وكرمه وحلمه ، { إلى أجل مسمى } ، يعني : إلى انتهاء آجالهم وانقضاء أعمارهم . { فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } ، يعني : لا يؤخرون ساعة من الأجل الذي جعله الله لهم ، ولا ينقصون عنه . وقيل : أراد بالأجل المسمى يوم القيامة ، والمعنى : ولكن يؤخرهم إلى يوم القيامة ، فيعذبهم فلا يستأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون .