قوله تعالى : { وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس بِظُلْمِهِمْ } الآية ، لما حكى عن القوم عظيم كفرهم ، وقبيح قولهم ، بين أنه يمهل هؤلاء الكفار ، ولا يعاجلهم بالعقوبة إظهاراً للفضل ، والرحمة ، والكرمِ .
قالت المعتزلة : هذه الآية دالَّة على أنَّ الظلم والمعاصي ليست فعلاً لله تعالى ، بل تكون أفعالاً للعباد ؛ لأنه - تعالى - أضاف ظلم العباد إليهم ، فقال - عزَّ وجلَّ - { وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس بِظُلْمِهِمْ } ، وأيضاً : لو كان خلقاً لله ؛ لكانت مؤاخذتهم بها ظلماً من الله ، ولما منع الله - تعالى - العباد من الظلم ، فبأن يكون منزّهاً عن الظلم أولى ؛ ولأنَّ قوله تعالى : " بِظُلمهِمْ " ، الباء فيه تدلُّ على العليَّة ، كما في قوله تعالى : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ الله وَرَسُولَهُ } [ الحشر : 4 ] . وقد تقدَّم الجواب مراراً .
ظاهر الآية يدلُّ على : أنَّ إقدام الناس على الظُّلم ؛ يوجب إهلاك جميع الدَّواب ، وذلك غير جائزٍ ؛ لأن الدَّابَّة لمَّا لم يصدر عنها ذنبٌ ، فكيف يجوز إهلاكها بسبب ظلم النَّاس ؟ .
أحدهما : أنَّا لا نسلم أن قوله : { مَا تَرَكَ على ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ } ، يتناول جميع الدَّوابِّ .
قال الجبائي - رحمه الله- : إن المراد لو يؤاخذهم الله بما كسبوا من كفر ، ومعصية لعجَّل هلاكهم ، وحينئذ لا يبقى لهم نسلٌ ، ومن المعلوم أنه لا أحد إلاَّ وفي أحد آبائه من يستحق العذاب ، وإذا هلكوا ؛ فقد بطل نسلهم ، فكان يلزمه أن لا يبقى في العالم أحد من النَّاس ، وإذا [ هلكوا ]{[19911]} ، وجب ألا يبقى أحد من الدَّواب أيضاً ؛ لأن الدَّواب مخلوقةٌ لمنافع العباد ، وهذا وجهٌ حسن .
الثاني : أنَّ الهلاك إذا ورد على الظَّلمةِ ، ورد أيضاً على سائر النَّاس والدَّواب ، فكان ذلك الهلاك في حق الظلمة عذاباً ، وفي حق [ غيرهم امتحاناً ]{[19912]} ، وقد وقعت هذه الواقعة في زمن نوحٍ - عليه الصلاة والسلام .
الثالث : أنه تعالى لو أخذهم لانقطع القطر ، وفي انقطاعه انقطاع النَّبْت ، فكان لا يبقى على ظهرها دابَّة .
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - سمع رجُلاً يقول : إن الظَّالم لا يضُرُّ إلاَّ نفسه ، فقال : " لا والله ، بل إنَّ الحبارى لتموتُ في وكْرِهَا بظلم الظالم{[19913]} " .
وعن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه : كَادَ الجُعل يهلك في جحره بذنب ابن آدم ؛ فهذه الوجوه الثَّلاثة مبنيةٌ على أنَّ : لفظ الدابة يتناول جميع الدَّواب{[19914]} .
والجواب الثاني : أنَّ المراد بالدَّابة : الكافر ، قوله تعالى : { أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً } [ الأعراف : 179 ] ، والكناية في قوله : " عَلَيْهَا " عائدة إلى الأرض ، ولم يسبق لها ذكر ، إلا أن ذكر الدابة يدل على الأرض ، فإن الدابة إنَّمَا تدبُّ على الأرض .
قوله { وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمَّى } ، كي يتوالدوا .
قال عطاءٌ عن ابن عبَّاس _رضي الله عنه_ : يريد أجل يوم القيامة .
وقيل : منتهى العمر : { فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } [ الأعراف : 34 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.