السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَوۡ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلۡمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيۡهَا مِن دَآبَّةٖ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمۡ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗىۖ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ لَا يَسۡتَـٔۡخِرُونَ سَاعَةٗ وَلَا يَسۡتَقۡدِمُونَ} (61)

ولما حكى الله تعالى عن القوم عظيم كفرهم ، وقبيح قولهم ، بين أنه تعالى يمهل هؤلاء الكفار ، ولا يعاجلهم بالعقوبة ، إظهاراً للفضل والرحمة والكرم بقوله تعالى : { ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم } ، أي : بسبب كفرهم ومعاصيهم ، { ما ترك عليها } ، أي : على الأرض ، وإنما أضمر ذكرها من غير ذكر ؛ لدلالة الناس والدابة عليها . { من دابة } ، أي : أنّ الله تعالى لو آخذ الناس بظلمهم ، لأهلك جميع الدواب التي على وجه الأرض . فإن قيل : اسم الناس جنس يشمل الكل ؛ فيدخل في ذلك الأنبياء ؛ فيدل على عدم عصمتهم ؟ أجيب : بأنّ ذلك عام مخصوص بقوله تعالى : { ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله } [ فاطر ، 32 ] ، فالمذكور في هذه الآية ، إما كل العصاة المستحقين العقاب ، أو الذين تقدّم ذكرهم من المشركين ، ومن الذين أثبتوا لله البنات ، أو جميع الكفار بدليل قوله تعالى : { إنّ شرّ الدواب عند الله الذين كفروا } [ الأنفال ، 55 ] . وقال قتادة : قد فعل الله تعالى ذلك في زمن نوح عليه السلام ، فأهلك جميع الدواب التي على وجه الأرض ، إلا من كان في السفينة مع نوح عليه السلام . روي أنّ أبا هريرة رضي الله تعالى عنه سمع رجلاً يقول : إنّ الظالم لا يضر إلا نفسه . فقال : بئسما قلت ، إنّ الحبارى تموت هزالاً من ظلم الظالم . وقال ابن مسعود : إنّ الجعل تعذب في حجرها بذنب ابن آدم ، والجعل بضم الجيم وفتح العين ، دويبة ، قاله الجوهريّ . وقيل في معنى الآية : ولو يؤاخذ الله الآباء الظالمين بسبب ظلمهم ، لانقطع النسل ، ولم توجد الأبناء ولم يبق في الأرض أحد . { ولكن يؤخرهم } ، أي : يمهلهم ، بفضله ، وكرمه ، وحلمه ، { إلى أجل مسمى } ، أي : إلى انتهاء آجالهم ، وانقضاء أعمارهم ، { فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة } ، عنه ، { ولا يستقدمون } ، أي : لا يؤخرون ساعة من الأجل الذي جعله الله تعالى لهم ، ولا ينتقصون منه .

تنبيه : هاهنا همزتان مفتوحتان من كلمتين ، فقرأ قالون والبزي وأبو عمرو : بإسقاط إحدى الهمزتين مع المدّ والقصر . وقرأ ورش وقنبل : بتسهيل الثانية وإبدالها حرف مدّ . والباقون : بتحقيق الهمزتين .