ثم لما حكى سبحانه عن القوم عظيم كفرهم ، بيّن سعة كرمه وحلمه حيث لم يعاجلهم بالعقوبة ، ولم يؤاخذهم بظلمهم ، فقال : { وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس بِظُلْمِهِمْ } والمراد بالناس هنا : الكفار ، أو جميع العصاة { مَا تَرَكَ عَلَيْهَا } أي : على الأرض ، وإن لم يذكر فقد دلّ عليها ذكر الناس وذكر الدابة . فإن الجميع مستقرّون على الأرض ، والمراد بالدابة الكافر ، وقيل : كل ما دبّ . وقد قيل على هذا : كيف يعمّ بالهلاك مع أن فيهم من لا ذنب له ؟ وأجيب بإهلاك الظالم انتقاماً منه ، وإهلاك غيره إن كان من أهل التكليف فلأجل توفير أجره ، وإن كان من غيرهم ، فبشؤم ظلم الظالمين ، ولله الحكمة البالغة { لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ } [ الأنبياء : 23 ] ، ومثل هذا قوله : { واتقوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الذين ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً } [ الأنفال : 25 ] . وفي معنى هذا أحاديث منها ما عند مسلم وغيره من حديث ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إذا أراد الله بقوم عذاباً ، أصاب العذاب من كان فيهم ، ثم بعثوا على نياتهم ) وكذلك حديث الجيش ( الذين يخسف بهم في البيداء ، وفي آخره : أنهم يبعثون على نياتهم ) وقد قدّمنا عند تفسير قوله سبحانه : { واتقوا فِتْنَةً } [ الأنفال : 25 ] الآية تحقيقاً حقيقاً بالمراجعة له { ولكن يُؤَخِرُهُمْ إلى أَجَلٍ مسمى } معلوم عنده ، وهو منتهى حياتهم وانقضاء أعمارهم ، أو أجل عذابهم . وفي هذا التأخير حكمة بالغة منها الإعذار إليهم وإرخاء العنان معهم ، ومنها حصول من سبق في علمه من أولادهم { فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ } الذي سماه لهم ، حقت عليهم كلمة الله سبحانه في ذلك الوقت من دون تقدّم عليه ولا تأخر عنه ، والساعة المدة القليلة ، وقد تقدّم تفسيرها هذا وتحقيقه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.