قوله تعالى :{ واقترب الوعد الحق } يعني : القيامة ، قال الفراء وجماعة : الواو في قوله ( واقترب ) مقحمة فمعناه : حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج اقترب الوعد الحق ، كما قال الله تعالى : { فلما أسلما وتله للجبين * وناديناه } أي : ناديناه ، والدليل عليه ما روي عن حذيفة قال : لو أن رجلاً اقتنى فلواً بعد خروج يأجوج ومأجوج لم يركبه حتى تقوم الساعة . وقال قوم : لا يجوز طرح الواو ، وجعلوا جواب حتى إذا فتحت في قوله يا ويلنا ، فيكون مجاز الآية . حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج واقترب الوعد الحق ، قالوا : يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا . قوله : { فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا } وفي قوله هي ثلاثة أوجه : أحدها أنها كناية عن الإبصار . ثم أظهر الأبصار بياناً ، معناه فإذا الأبصار شاخصة أبصار الذين كفروا . والثاني : أن هي تكون عماداً كقوله : { فإنها لا تعمى الأبصار } والثالث : أن يكون تمام الكلام عند قوله هي على معنى فإذا هي بارزة يعني من قربها كأنها حاضرة ، ثم ابتدأ شاخصة أبصار الذين كفروا على تقديم الخبر على الابتداء ، مجازها أبصار الذين كفروا شاخصة . قال الكلبي : شخصت أبصار الكفار فلا تكاد تطرف من شدة ذلك اليوم وهوله ، يقولون { يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا } اليوم ، { بل كنا ظالمين } بوضعنا العبادة في غير موضعها .
{ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ } أي : يوم القيامة الذي وعد الله بإتيانه ، ووعده حق وصدق ، ففي ذلك اليوم ترى أبصار الكفار شاخصة ، من شدة الأفزاع والأهوال المزعجة ، والقلاقل المفظعة ، وما كانوا يعرفون من جناياتهم وذنوبهم ، وأنهم يدعون بالويل والثبور ، والندم والحسرة ، على ما فات ويقولون ل : { قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا } اليوم العظيم ، فلم نزل فيها مستغرقين ، وفي لهو الدنيا متمتعين ، حتى أتانا اليقين ، ووردنا القيامة ، فلو كان يموت أحد من الندم والحسرة ، لماتوا . { بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ } اعترفوا بظلمهم ، وعدل الله فيهم ، فحينئذ يؤمر بهم إلى النار ، هم وما كانوا يعبدون ، ولهذا قال : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ }
القول في تأويل قوله تعالى : { وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الّذِينَ كَفَرُواْ يَوَيْلَنَا قَدْ كُنّا فِي غَفْلَةٍ مّنْ هََذَا بَلْ كُنّا ظَالِمِينَ } .
يقول تعالى ذكره : حتى إذا فُتحت يأجوج ومأجوج ، اقترب الوعد الحقّ ، وذلك وعد الله الذي وعد عباده أنه يبعثهم من قبورهم للجزاء والثواب والعقاب ، وهو لا شكّ حق كما قال جلّ ثناؤه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا الحكم بن بشير ، قال : حدثنا عمرو ، يعني ابن قيس ، قال : حدثنا حذيفة : لو أن رجلاً افْتَلَى فُلُوّا بعد خروج يأجوج ومأجوج لم يركبه حتى تقوم القيامة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَاقْتَرَبَ الوَعْد الحَقّ قال : اقترب يوم القيامة منهم .
والواو في قوله : وَاقْتَرَب الْوَعْدُ الحَقّ مقحمة ، ومعنى الكلام : حتى إذا فُتحت يأجوج ومأجوج اقترب الوعد الحقّ ، وذلك نظير قوله : فَلَمّا أسْلَما وَتَلّهُ للجَبِينِ وَنادَيناهُ معناه : ناديناه ، بغير واو ، كما قال امرؤ القيس :
فَلَمّا أجَزْنا ساحَة الحَيّ وانْتَحَى *** بِنا بَطْنُ خَبْتٍ ذي حِقافٍ عَقَنْقَلِ
يريد : فلما أجزنا ساحة الحيّ انتحى بنا .
وقوله : فإذَا هِيَ شاخِصَةٌ أبْصَارُ الّذِينَ كَفَرُوا ففي هي التي في قوله فإذا هي وجهان : أحدهما أن تكون كناية عن الأبصار وتكون الأبصار الظاهرة بيانا عنها ، كما قال الشاعر :
لَعَمْرُو أبِيها لا تَقُولُ ظَعِينَتي *** ألا فَرّ عَنّي مالكُ بن أبي كَعْبِ
فكنى عن الظعينة في : «لعمرو أبيها » ، ثم أظهرها ، فيكون تأويل الكلام حينئذٍ : فإذا الأبصار شاخصة أبصار الذين كفروا .
والثاني : أن تكون عمادا كما قال جلّ ثناؤه : فإنّها لا تَعْمَى الأبْصَارُ وكقول الشاعر :
*** فَهَلْ هُوَ مَرْفُوعٌ بِما هَهُنا رأْسْ ***
وقوله : يا وَيْلَنا قَدْ كُنّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا يقول تعالى ذكره : فإذا أبصار الذين كفروا قد شخصت عند مجيء الوعد الحقّ بأهواله وقيام الساعة بحقائقها ، وهم يقولون : يا ويلنا قد كنا قبل هذا الوقت في الوقت في الدنيا في غفلة من هذا الذي نرى ونعاين ونزل بنا من عظيم البلاء . وفي الكلام متروك تُرِك ذكره استغناء بدلالة ما ذُكر عليه عنه ، وذلك «يقولون » من قوله : فإذَا هِيَ شاخصَةٌ أبْصَارُ الّذِينَ كَفَرُوا يقولون : يا ويلنا . وقوله : بَلْ كُنّا ظالِمِينَ يقول مخبرا عن قيل الذين كفروا بالله يومئذٍ : ما كنا نعمل لهذا اليوم ما ينجينا من شدائده ، بل كنا ظالمين بمعصيتنا ربنا وطاعتنا إبليس وجنده في عبادة غير الله عزّ وجلّ .
{ واقترب الوعد الحق } وهو القيامة . { فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا } جواب الشرط و " إذا " للمفاجأة تسد مسد الفاء الجزائية كقوله تعالى : { إذا هم يقنطون } فإذا جاءت الفاء معها تظاهرتا على وصل الجزاء بالشرط فيتأكد ، والضمير للقصة أو مبهم يفسره الأبصار { يا ويلنا } مقدر بالقول واقع موقع الحال من الموصول . { قد كنا في غفلة من هذا } لم نعلم أنه حق . { بل كنا ظالمين } لأنفسنا بالإخلال بالنظر وعدم الاعتداد بالنذر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.