روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَٱقۡتَرَبَ ٱلۡوَعۡدُ ٱلۡحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَٰخِصَةٌ أَبۡصَٰرُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَٰوَيۡلَنَا قَدۡ كُنَّا فِي غَفۡلَةٖ مِّنۡ هَٰذَا بَلۡ كُنَّا ظَٰلِمِينَ} (97)

{ واقترب } أي قرب ، وقيل هو أبلغ في القرب من قرب { الوعد الحق } وهو ما بعد النفخة الثانية من البعث والحساب والجزاء لا النفخة الأولى ، والجملة عطف على { فُتِحَتْ يَأْجُوجُ } [ الأنبياء : 96 ] ثم إن هذا الفتح في زمن نزول عيسى عليه السلام من السماء وبعد قتله الدجال عند باب لد الشرقي ، فقد أخرج مسلم . وأبو داود . والترمذي . والنسائي . وابن ماجه من حديث طويل «إن الله تعالى يوحي إلى عيسى عليه السلام بعد أن يقتل الدجال أني قد أخرجت عباداً من عبادي لا يدان لك بقتالهم فحرز عبادي إلى الطور فيبعث الله تعالى يأجوج ومأجوج وهم كما قال الله تعالى : { مّن كُلّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ } فيرغب عيسى عليه السلام وأصحابه إلى الله عز وجل فيرسل عليهم نغفاً في رقابهم فيصبحون موتي كموت نفس واحدة فيهبط عيسى عليه السلام وأصحابه فيرسل عليهم طيراً كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله تعالى ويرسل الله عز وجل مطراً لا يكن منه نبت مدر ولا وبر أربعين يوماً فيغسل الأرض حتى يتركها زلفة ويقال للأرض انبتي ثمرتك فيومئذٍ يأكل النفر من الرماية ويستظلون بقحفها ويبارك في الرسل حتى أن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس واللقحة من البقر تكفي الفخذ والشاة من الغنم تكفي البيت فبينما هم على ذلك إذ بعث الله تعالى ريحاً طيبة تحت آباطهم فتقبض روح كل مسلم ويبقى شرار الناس يتهارجون تهارج الحمر وعليهم تقوم الساعة » وجاء من حديث رواه أحمد . وجماعة «أن الساعة بعد أن يهلك يأجوج ومأجوج كالحامل لا يدري أهلها حتى تفجأهم بولادها ليلاً أو نهاراً » وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال : ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «لو نتجت فرس عند خروجهم ما ركب فلوها حتى تقوم الساعة » وهذا مبالغة في القرب كالخبر الذي قبله .

{ فَإِذَا هِىَ شاخصة أبصار الذين كَفَرُواْ } جواب الشرط ، وإذا للمفاجأة وهي تسد مسد الفاء الجزائية في الربط وليست عوضاً عنها فمتى كانت الجملة الاسمية الواقعة جزاء مقترنة بها لم تحتج إلى الفاء نحو { إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ } [ الروم : 36 ] وإذا جيء بهما معاً كما هنا يتقوى لربط ، والضمير للقصة والشأن وهو مبتدأ و { شاخصة } خبر مقدم و { أبصار } مبتدأ مؤخر ، والجملة خبر الضمير ، ولا يجوز أن يكون { شاخصة } الخبر و { أبصار } مرفوعاً به لأن خبر الضمير الشأن لا يكون إلا جملة مصرحاً بجزأيها ، وأجاز بعض الكوفيين كونه مفرداً فيجوز ما ذكر عنده .

وعن الفراء أن { هِىَ } ضمير الأبصار فهو ضمير مبهم يفسره ما في حيز خبره ؛ وعود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة في مثل ذلك جائز عند ابن مالك .

وغيره كما في ضمير الشأن ، ومن ذلك قوله :

هو الجد حتى تفضل العين أختها *** بل نقل عن الفراء أنه متى دل الكلام على المرجع وذكر بعده ما يفسره وإن لم يكن في حيز خبره لا يضر تقدمه ، وأنشد قوله :

فلا وأبيها لا تقول خليلتي *** ألا فرعني مالك بن أبي كعب

ونقل عنه أيضاً أن { هِىَ } ضمير فصل وعماد يصلح موضعه هو وأنشد قوله :

بثوب ودينار وشاة ودرهم *** فهل هو مرفوع بما ههنا رأس

وهذا لا يتمشى إلا على أحد قولي الكسائي من إجازته تقديم الفصل مع الخبر على المبتدأ وقول من أجاز دونه قبل خبر نكرة ، وذكر الثعلبي أن الكلام قد تم عند قوله تعالى : { فَإِذَا هِىَ } أي فإذا هي أي الساعة حاصله أو بارزة أو واقعة ثم ابتدئ فقيل { شاخصة أبصار الذين كَفَرُواْ } وهو وجه متكلف متنافر التركيب ، وقيل : جواب الشرط { اقترب } والواو سيف خطيب . ونقل ذلك في «مجمع البيان » عن الفراء .

ونقل عن الزجاج أن البصريين لا يجوزون زيادة الواو وأن الجواب عندهم قوله تعالى : { يَا وَيْلَنَا } أي القول المقدر قبله فإنه بتقدير قالوا يا ويلنا ، ومن جعل الجواب ما تقدم قدر القول ههنا أيضاً وجعله حالاً من الموصول يقولون أو قائلين { يا ويلنا } وجوز كون جملة يقولون يا ويلنا استئنافاً ، وشخوص الأبصار رفع أجفانها إلى فوق من دون أن تطرف وذلك للكفرة يوم القيامة من شدة الهول ، وأرادوا من نداء الويل التحسر وكأنهم قالوا : يا ويلنا تعال فهذا أوان حضورك { يا ويلنا قَدْ كُنَّا } في الدنيا { فِي غَفْلَةٍ } تامة { مّنْ هذا } الذي دهمنا من البعث والرجوع إليه عز وجل للجزاء ، وقيل : من هذا اليوم ولم نعلم أنه حق { بَلْ كُنَّا ظالمين } أضراب عن وصف أنفسهم بالغفلة أي لم نكن في غفلة منه حيث نبهنا عليه بالآيات والنذر بل كنا ظالمين بترك الآيات والنذر مكذبين بها أو ظالمين لأنفسنا بتعريضها للعذاب الخالد بالتكذيب .