الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَٱقۡتَرَبَ ٱلۡوَعۡدُ ٱلۡحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَٰخِصَةٌ أَبۡصَٰرُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَٰوَيۡلَنَا قَدۡ كُنَّا فِي غَفۡلَةٖ مِّنۡ هَٰذَا بَلۡ كُنَّا ظَٰلِمِينَ} (97)

{ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ } يعني القيامة ، قال الفرّاء وجماعة من العلماء : الواو في قوله " واقترب " مقحم ومجاز الآية : حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج اقترب الوعد الحقّ ، نظيرها قوله

{ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ } [ الصافات : 103-104 ] أي ناديناه . قال امرؤ القيس :

فلمّا أجزنا ساحة الحىّ وانتحى *** بباطن خبت ذي قفاف عقنقل

يُريد انتحى ، ودليل هذا التأويل حديث حذيفة قال : لو أنّ رجلاً اقتنى فلْواً بعد خروج يأجوج ومأجوج لم يركبه حتّى تقوم الساعة .

وقال الزجّاج : البصريون لا يجيزون طرح الواو ويجعلون جواب حتى إذا فتحت في قوله " يا ويلنا " وتكون مجازاً الآية { حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ } { وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ } { يوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا } .

{ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُواْ } في قوله { هِيَ } ثلاثة أوجه :

أحدها : أن تكون هي كناية عن الأبصار ويكون الأبصار الظاهرة بياناً عنها كقول الشاعر :

لعمر أبيها لا تقول ظعينتي *** ألا فرَّعنّي مالك بن أبي كعب

فكنى عن الظعينة في أبيها ثم أظهرها فيكون تأويل الكلام : فإذا الأبصار شاخصة أبصار الذين كفروا .

والثاني : أن تكون هي عماداً كقوله " فَإنّها لا تَعْمى الأبصارُ " ، وكقول الشاعر :

فهل هو مرفوع بما هاهنا رأس

والثالث : أن يكون تمام الكلام عند قوله { هِيَ } على معنى هي بارزة واقفة يعني : من قربها كأنّها آتية حاضرة ، ثم ابتدأ { شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُواْ } على تقديم الخبر على الابتداء مجازها : أبصار الذين كفروا شاخصة من هول قيام الساعة ، وهم يقولون { يوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا } أي من هذا اليوم { بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ } بمعصيتنا ربَّنا ووضعنا العبادة في غير موضعها .