جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{وَٱقۡتَرَبَ ٱلۡوَعۡدُ ٱلۡحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَٰخِصَةٌ أَبۡصَٰرُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَٰوَيۡلَنَا قَدۡ كُنَّا فِي غَفۡلَةٖ مِّنۡ هَٰذَا بَلۡ كُنَّا ظَٰلِمِينَ} (97)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الّذِينَ كَفَرُواْ يَوَيْلَنَا قَدْ كُنّا فِي غَفْلَةٍ مّنْ هََذَا بَلْ كُنّا ظَالِمِينَ } .

يقول تعالى ذكره : حتى إذا فُتحت يأجوج ومأجوج ، اقترب الوعد الحقّ ، وذلك وعد الله الذي وعد عباده أنه يبعثهم من قبورهم للجزاء والثواب والعقاب ، وهو لا شكّ حق كما قال جلّ ثناؤه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا الحكم بن بشير ، قال : حدثنا عمرو ، يعني ابن قيس ، قال : حدثنا حذيفة : لو أن رجلاً افْتَلَى فُلُوّا بعد خروج يأجوج ومأجوج لم يركبه حتى تقوم القيامة .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَاقْتَرَبَ الوَعْد الحَقّ قال : اقترب يوم القيامة منهم .

والواو في قوله : وَاقْتَرَب الْوَعْدُ الحَقّ مقحمة ، ومعنى الكلام : حتى إذا فُتحت يأجوج ومأجوج اقترب الوعد الحقّ ، وذلك نظير قوله : فَلَمّا أسْلَما وَتَلّهُ للجَبِينِ وَنادَيناهُ معناه : ناديناه ، بغير واو ، كما قال امرؤ القيس :

فَلَمّا أجَزْنا ساحَة الحَيّ وانْتَحَى *** بِنا بَطْنُ خَبْتٍ ذي حِقافٍ عَقَنْقَلِ

يريد : فلما أجزنا ساحة الحيّ انتحى بنا .

وقوله : فإذَا هِيَ شاخِصَةٌ أبْصَارُ الّذِينَ كَفَرُوا ففي هي التي في قوله فإذا هي وجهان : أحدهما أن تكون كناية عن الأبصار وتكون الأبصار الظاهرة بيانا عنها ، كما قال الشاعر :

لَعَمْرُو أبِيها لا تَقُولُ ظَعِينَتي *** ألا فَرّ عَنّي مالكُ بن أبي كَعْبِ

فكنى عن الظعينة في : «لعمرو أبيها » ، ثم أظهرها ، فيكون تأويل الكلام حينئذٍ : فإذا الأبصار شاخصة أبصار الذين كفروا .

والثاني : أن تكون عمادا كما قال جلّ ثناؤه : فإنّها لا تَعْمَى الأبْصَارُ وكقول الشاعر :

*** فَهَلْ هُوَ مَرْفُوعٌ بِما هَهُنا رأْسْ ***

وقوله : يا وَيْلَنا قَدْ كُنّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا يقول تعالى ذكره : فإذا أبصار الذين كفروا قد شخصت عند مجيء الوعد الحقّ بأهواله وقيام الساعة بحقائقها ، وهم يقولون : يا ويلنا قد كنا قبل هذا الوقت في الوقت في الدنيا في غفلة من هذا الذي نرى ونعاين ونزل بنا من عظيم البلاء . وفي الكلام متروك تُرِك ذكره استغناء بدلالة ما ذُكر عليه عنه ، وذلك «يقولون » من قوله : فإذَا هِيَ شاخصَةٌ أبْصَارُ الّذِينَ كَفَرُوا يقولون : يا ويلنا . وقوله : بَلْ كُنّا ظالِمِينَ يقول مخبرا عن قيل الذين كفروا بالله يومئذٍ : ما كنا نعمل لهذا اليوم ما ينجينا من شدائده ، بل كنا ظالمين بمعصيتنا ربنا وطاعتنا إبليس وجنده في عبادة غير الله عزّ وجلّ .