قوله تعالى : { إن تمسسكم } . أي تصبكم أيها المؤمنون .
قوله تعالى : { حسنة } . بظهوركم على عدوكم ، وغنيمة تنالونها منهم ، وتتابع الناس في الدخول في دينكم ، وخصب في معايشكم .
قوله تعالى : { تسؤهم } . تحزنهم .
قوله تعالى : { وإن تصبكم سيئة } . مساءة بإخفاق سرية لكم ، أو إصابة عدو منكم ، أو اختلاف يكون بينكم ، أو جدب أو نكبة .
قوله تعالى : { يفرحوا بها وإن تصبروا } . على أذاهم .
قوله تعالى : { وتتقوا } . تخافوا ربكم .
قوله تعالى : { لا يضركم } . أي : لا ينقصكم .
قوله تعالى : { كيدهم شيئاً } . قرأ ابن عامر وابن كثير ونافع وأهل البصرة لا يضركم بكسر الضاد خفيفة ، يقال : ضار يضير ضيراً ، وهو جزم على جواب الجزاء ، وقرأ الباقون بضم الضاد وتشديد الراء ، من ضر يضر ضراً ، مثل رد يرد رداً ، وفي رفعه وجهان : أحدهما أنه أراد الجزم ، وأصله يضرركم فأدغمت الراء في الراء ، ونقلت ضمة الراء الأولى إلى الضاد وضمت الثانية إتباعا ، والثاني : أن يكون لا بمعنى ليس ، ويضمر فيه الفاء ، تقديره : وإن تصبروا وتتقوا فليس يضركم كيدهم شيئاً .
{ إن تمسسكم حسنة } كالنصر على الأعداء وحصول الفتح والغنائم { تسؤهم } أي : تغمهم وتحزنهم { وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط } فإذا أتيتم بالأسباب التي وعد الله عليها النصر - وهي الصبر والتقوى- لم يضركم مكرهم ، بل يجعل الله مكرهم في نحورهم لأنه محيط بهم علمه وقدرته فلا منفذ لهم عن ذلك ولا يخفى عليهم منهم شيء .
{ إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتّقُواْ لاَ يَضُرّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ }
يعني بقوله تعالى ذكره : { إنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ } إنْ تَنالُوا أيها المؤمنون سرورا بظهوركم على عدوّكم ، وتتابع الناس في الدخول في دينكم ، وتصديق نبيكم ، ومعاونتكم على أعدائكم ، يسؤهم . وإن تنلكم مساءة بإخفاق سرية لكم ، أو بإصابة عدوّ لكم منكم ، أو اختلاف يكون بين جماعتكم يفرحوا بها . كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { إنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإنْ تُصِبْكُمْ سَيّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها } ، فإذا رأوا من أهل الإسلام ألفة وجماعة وظهورا على عدوّهم ، غاظهم ذلك وساءهم ، وإذا رأوا من أهل الإسلام فرقة واختلافا أو أصيب طرف من أطراف المسلمين سرّهم ذلك وأعجبوا به وابتهجوا به ، فهم كلما خرج منهم قرن أكذب الله أحدوثته وأوطأ محلته ، وأبطل حجته ، وأظهر عورته ، فذاك قضاء الله فيمن مضى منهم وفيمن بقي إلى يوم القيامة .
حُدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، قوله : { إنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإنْ تُصِبْكُمْ سَيّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها } قال : هم المنافقون إذا رأوا من أهل الإسلام جماعة وظهورا على عدوّهم ، غاظهم ذلك غيظا شديدا وساءهم ، وإذا رأوا من أهل الإسلام فرقة واختلافا ، أو أصيب طرف من أطراف المسلمين ، سرّهم ذلك وأعجبوا به¹ قال الله عزّ وجلّ : { وَإنْ تَصْبِرُوا وَتَتّقُوا لا يَضُرّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئا إنّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : { إنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ } قال : إذا رأوا من المؤمنين جماعة وألفة ساءهم ذلك ، وإذا رأوا منهم فرقة واختلافا فرحوا .
وأما قوله : { وَإنْ تَصْبِرُوا وَتَتّقُوا لا يَضُرّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئا } فإنه يعني بذلك جلّ ثناؤه : وإن تصبروا أيها المؤمنون على طاعة الله ، واتباع أمره فيما أمركم به ، واجتناب ما نهاكم عنه ، من اتخاذ بطانة لأنفسكم من هؤلاء اليهود الذين وصف الله صفتهم من دون المؤمنين ، وغير ذلك من سائر ما نهاكم ، وتتقوا ربكم ، فتخافوا التقدم بين يديه فيما ألزمكم ، وأوجب عليكم من حقه وحقّ رسوله ، لا يضرّكم كيدهم شيئا : أي كيد هؤلاء الذين وصف صفتهم . ويعني بكيدهم : غوائلهم التي يبتغونها للمسلمين ومكرهم بهم ليصدّوهم عن الهدى وسبيل الحقّ .
واختلف القراء في قراءة قوله : { لا يَضُرّكُمْ } فقرأ ذلك جماعة من أهل الحجاز وبعض البصريين : «لا يَضِرْكُمْ » مخففة بكسر الضاد من قول القائل : ضارني فلان فهو يضيرني ضَيْرا ، وقد حكي سماعا من العرب : ما ينفعني ولا يضورني . فلو كانت قرئت على هذه اللغة لقيل : لا يضركم كيدهم شيئا ، ولكني لا أعلم أحدا قرأ به ، وقرأ ذلك جماعة من أهل المدينة وعامة قراء أهل الكوفة : { لا يَضُرّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئا } بضم الضاد وتشديد الراء من قول القائل : ضرّني فلان فهو يضرّني ضرّا .
وأما الرفع في قوله : { لا يَضُرّكُمْ } فمن وجهين : أحدهما على إتباع الراء في حركتها ، إذ كان الأصل فيها الجزم ، ولم يمكن جزمها لتشديدها أقرب حركات الحروف التي قبلها ، وذلك حركة الضاد ، وهي الضمة ، فألحقت بها حركة الراء لقربها منها ، كما قالوا : مُدّ يا هذا . والوجه الاَخر من وجهي الرفع في ذلك : أن تكون مرفوعة على صحة ، وتكون «لا » بمعنى «ليس » ، وتكون الفاء التي هي جواب الجزاء متروكة لعلم السامع بموضعها . وإذا كان ذلك معناه ، كان تأويل الكلام : وإن تصبروا وتتقوا فليس يضرّكم كيدهم شيئا ، ثم تركت الفاء من قوله : { لا يَضُرّكُمْ كَيْدُهُمْ } ووجهت «لا » إلى معنى «ليس » ، كما قال الشاعر :
فإنْ كانَ لا يُرْضِيكَ حتى تَرُدّنِي *** إلى قَطَرِيّ لا إخالُكَ رَاضِيا
ولو كانت الراء محركة إلى النصب والخفض كان جائزا ، كما قيل : مُدّ يا هذا ، ومُدّ .
وقوله : { إنّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } يقول جل ثناؤه : إن الله بما يعمل هؤلاء الكفار في عباده وبلاده من الفساد والصدّ عن سبيله والعداوة لأهل دينه وغير ذلك من معاصي الله ، محيط بجميعه ، حافظ له لا يعزب عنه شيء منه ، حتى يوفيهم جزاءهم على ذلك كله ويذيقهم عقوبته عليه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.