معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٖ فَحَيُّواْ بِأَحۡسَنَ مِنۡهَآ أَوۡ رُدُّوهَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٍ حَسِيبًا} (86)

قوله تعالى : { وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها } ، التحية : دعاء بطول الحياة ، والمراد بالتحية هاهنا السلام ، يقول : إذا سلم عليكم مسلم فأجيبوا بأحسن منها ، أو ردوها ، كما سلم . فإذا قال : السلام عليكم . فقل : وعليكم السلام ورحمة الله ، وإذا قال : السلام عليكم ورحمة الله ، فقل : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته . وإذا قال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فرد مثله .

روي أن رجلاً سلم على ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ثم زاد شيئاً . فقال ابن عباس : إن السلام ينتهي إلى البركة . وروي عن عمران بن حصين : أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : السلام عليكم ، فرد عليه ، ثم جلس فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " عشر ، ثم جاء آخر فقال : السلام عليكم ورحمة الله ، فرد عليه ، فجلس ، فقال : عشرون ، ثم جاء آخر فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فرد عليه ، فقال : ثلاثون " .

واعلم أن السلام سنة ، ورد السلام فريضة ، وهو فرض على الكفاية ، فإذا سلم واحد من جماعة كان كافياً في السنة ، وإذا سلم واحد على جماعة ورد واحد منهم سقط الفرض عن جميعهم .

أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ، أنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي ، أنا أبو بكر محمد بن عمر بن حفص التاجر ، أنا إبراهيم بن عبد الله بن عمر بن بكر الكوفي ، أنا وكيع عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( والذي نفسي بيده ، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم " .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ، أنا بن إسماعيل ، أنا قتيبة ، أنا الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير عن عبد الله بن عمر أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الإسلام خير ؟ قال : ( أن تطعم الطعام ، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف )

ومعنى قوله : أي الإسلام خير ؟ يريد : أي خصال الإسلام خير ؟ وقيل : { فحيوا بأحسن منها } ، معناه أي إذا كان الذي سلم مسلماً ، { أو ردوها } مثلها إذا لم يكن مسلماً .

أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد ، أنا أبو إسحاق الهاشمي ، أنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن عبد الله بن يسار ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم السلام عليك ، فقل عليك ) .

قوله تعالى :{ إن الله كان على كل شيء حسيبا } أي : على كل شيء من رد السلام بمثله أو بأحسن منه . ( حسيباً ) أي : محاسباً مجازياً . وقال مجاهد : حفيظاً ، وقال أبو عبيدة : كافياً ، يقال : حسب هذا أي كفاني .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٖ فَحَيُّواْ بِأَحۡسَنَ مِنۡهَآ أَوۡ رُدُّوهَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٍ حَسِيبًا} (86)

{ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا }

التحية هي : اللفظ الصادر من أحد المتلاقيين على وجه الإكرام والدعاء ، وما يقترن بذلك اللفظ من البشاشة ونحوها .

وأعلى أنواع التحية ما ورد به الشرع ، من السلام ابتداء وردًّا . فأمر تعالى المؤمنين أنهم إذا حُيّوا بأي تحية كانت ، أن يردوها بأحسن منها لفظا وبشاشة ، أو مثلها في ذلك . ومفهوم ذلك النهي عن عدم الرد بالكلية أو ردها بدونها .

ويؤخذ من الآية الكريمة الحث على ابتداء السلام والتحية من وجهين أحدهما :

أن الله أمر بردها بأحسن منها أو مثلها ، وذلك يستلزم أن التحية مطلوبة شرعًا .

الثاني : ما يستفاد من أفعل التفضيل وهو " أحسن " الدال على مشاركة التحية وردها بالحسن ، كما هو الأصل في ذلك .

ويستثنى من عموم الآية الكريمة من حيَّا بحال غير مأمور بها ، ك " على مشتغل بقراءة ، أو استماع خطبة ، أو مصلٍ ونحو ذلك " فإنه لا يطلب إجابة تحيته ، وكذلك يستثنى من ذلك من أمر الشارع بهجره وعدم تحيته ، وهو العاصي غير التائب الذي يرتدع بالهجر ، فإنه يهجر ولا يُحيّا ، ولا تُرد تحيته ، وذلك لمعارضة المصلحة الكبرى .

ويدخل في رد التحية كل تحية اعتادها الناس وهي غير محظورة شرعًا ، فإنه مأمور بردّها وبأحسن منها ، ثم أوعد تعالى وتوعد على فعل الحسنات والسيئات بقوله : { إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا } فيحفظ على العباد أعمالهم ، حسنها وسيئها ، صغيرها وكبيرها ، ثم يجازيهم بما اقتضاه فضله وعدله وحكمه المحمود .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٖ فَحَيُّواْ بِأَحۡسَنَ مِنۡهَآ أَوۡ رُدُّوهَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٍ حَسِيبًا} (86)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيّةٍ فَحَيّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدّوهَآ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ حَسِيباً } . .

يعني جلّ ثناؤه بقوله : { وَإذَا حُيّيُتمْ بِتَحِيّةٍ } : إذا دعي لكم بطول الحياة والبقاء والسلامة . { فَحَيّوا بأحْسَنَ مِنْها أوْرُدّوها } يقول : فادعوا لمن دعا لكم بذلك بأحسن مما دعا لكم ، { أوْرُدّوها } يقول : أوردّوا التحية .

ثم اختلف أهل التأويل في صفة التحية التي هي أحسن مما حيا به المحيى ، والتي هي مثلها ، فقال بعضهم : التي هي أحسن منها أن يقول المسلّم عليه إذا قيل : «السلام عليكم » : وعليكم السلام ورحمة الله ، ويزيد على دعاء الداعي له¹ والردّ أن يقول : السلام عليكم مثلها ، كما قيل له ، أو يقول : وعليكم السلام ، فيدعو للداعي له مثل الذي دعا له . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { وَإذَا حُيّيُتمْ بِتَحِيّةٍ فَحَيّوا بأحْسَنَ مِنْها أوْ رُدّوها } يقول : إذا سلم عليك أحد ، فقل أنت : «وعليك السلام ورحمة الله » ، أو تقطع إلى «السلام عليك » ، كما قال لك .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، قوله : { وَإذَا حُيّيُتمْ بِتَحِيّةٍ فَحَيّوا بأحْسَنَ مِنْها أوْ رُدّوها } قال : في أهل الإسلام .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن ابن جريج فيما قرىء عليه ، عن عطاء ، قال : في أهل الإسلام .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن شريح ، أنه كان يردّ : «السلام عليكم » ، كما يسلم عليه .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن ابن عون وإسماعيل بن أبي خالد ، عن إبراهيم ، أنه كان يردّ : السلام عليكم ورحمة الله .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن عطية ، عن ابن عمر أنه كان يردّ : وعليكم .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : فحيوا بأحسن منها أهل الإسلام ، أو ردّوها على أهل الكفر . ذكر من قال ذلك :

حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد ، قال : حدثنا حميد بن عبد الرحمن ، عن الحسن بن صالح ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : من سلم عليك من خلق الله ، فاردد عليه وإن كان مجوسيّا ، فإن الله يقول : { وَإذَا حُيّيُتمْ بِتَحِيّةٍ فَحَيّوا بأحْسَنَ مِنْها أوْ رُدّوها } .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا سالم بن نوح ، قال : حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، في قوله : { وَإذَا حُيّيُتمْ بِتَحِيّةٍ فَحَيّوا بأحْسَنَ مِنْها } للمسلمين ، { أوْ رُدّوها } على أهل الكتاب .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة في قوله : { وَإذَا حُيّيُتمْ بِتَحِيّةٍ فَحَيّوا بأحْسَنَ مِنْها } للمسلمين ، { أوْ رُدّوها } على أهل الكتاب .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَإذَا حُيّيُتمْ بِتَحِيّةٍ فَحَيّوا بأحْسَنَ مِنْها } يقول : حيوا أحسن منها : أي على المسلمين { أوْ رُدّوها } أي على أهل الكتاب .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال ابن زيد في قوله : { وَإذَا حُيّيُتمْ بِتَحِيّةٍ فَحَيّوا بأحْسَنَ مِنْها أوْ رُدّوها } قال : قال أبي : حقّ على كل مسلم حُيّي بتحية أن يحيي بأحسن منها ، وإذا حياه غير أهل الإسلام أن يردّ عليه مثل ما قال .

قال أبو جعفر : وأولى التأويلين بتأويل الاَية قول من قال ذلك في أهل الإسلام ، ووجه معناه إلى أنه يردّ السلام على المسلم إذا حياه تحية أحسن من تحيته أو مثلها . وذلك أن الصحاح من الاَثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه واجب على كل مسلم ردّ تحية كل كافر أحسن من تحيته ، وقد أمر الله بردّ الأحسن¹ والمثل في هذه الاَية من غير تمييز منه بين المستوجب ردّ الأحسن من تحيته عليه والمردود عليه مثلها بدلالة يعلم بها صحة قول من قال : عنى بردّ الأحسن المسلم ، وبردّ المثل : أهل الكفر .

والصواب إذْ لم يكن في الاَية دلالة على صحة ذلك ولا بصحته أثر لازم عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، أن يكون الخيار في ذلك إلى المسلّم عليه بين ردّ الأحسن أو المثل إلا في الموضع الذي خصّ شيئا من ذلك سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيكون مسلما لها . وقد خصت السنة أهل الكفر بالنهي عن ردّ الأحسن من تحيتهم عليهم أو مثلها ، إلا بأن يقال : «وعليكم » ، فلا ينبغي لأحد أن يتعدّى ما حدّ في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأما أهل الإسلام ، فإن لمن سلم عليه منهم في الردّ من الخيار ما جعل الله له من ذلك . وقد رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تأويل ذلك بنحو الذي قلنا خبر¹ وذلك ما :

حدثني موسى بن سهل الرملي ، قال : حدثنا عبد الله بن السريّ الأنطاكي ، قال : حدثنا هشام بن لاحق ، عن عاصم الأحول ، عن أبي عثمان النهديّ ، عن سلمان الفارسي ، قال : جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : السلام عليك يا رسول الله ! فقال : «وَعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللّهِ ! » . ثم جاء آخر فقال : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله ! فقال له رسول الله : «وَعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكاتُهُ ! » . ثم جاء آخر فقال : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ! فقال له : «وَعَلَيْكَ ! » فقال له الرجل : يا نبيّ الله بأبي أنت وأمي ، أتاك فلان وفلان فسلما عليك فرددت عليهما أكثر مما رددت عليّ ؟ فقال : «أنّكَ لَمْ تَدَعْ لَنا شَيْئا ، قال الله { وَإذَا حُيّيُتمْ بِتَحِيّةٍ فَحَيّوا بأحْسَنَ مِنْها أوْ رُدّوها } فرددناها عَلَيْكَ » .

فإت قال قائل : أفواجب ردّ التحية على ما أمر الله به في كتابه ؟ قيل : نعم ، وبه كان يقول جماعة من المتقدمين . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : ما رأيته إلا يوجبه قوله : { وَإذَا حُيّيُتمْ بِتَحِيّةٍ فَحَيّوا بأحْسَنَ مِنْها أوْ رُدّوها } .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن سفيان ، عن رجل ، عن الحسن ، قال : السلام : تطوّع ، والردّ فريضة .

القول في تأويل قوله تعالى : { أنّ اللّهَ كانَ على كُلّ شَيْءٍ حَسِيبا } .

يعني بذلك جلّ ثناؤه : إن الله كان على كل شيء مما تعملون أيها الناس من الأعمال من طاعة ومعصية حفيظا عليكم ، حتى يجازيكم بها جزاءه . كما :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : حسيبا ، قال : حفيظا .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

وأصل الحسيب في هذا الموضع عندي فَعِيل من الحساب الذي هو في معنى الإحصاء ، يقال منه : حاسبت فلانا على كذا وكذا ، وفلان حاسبه على كذا وهو حسيبه ، وذلك إذا كان صاحب حسابه . وقد زعم بعض أهل البصرة من أهل اللغة أن معنى الحسيب في هذا الموضع : الكافي ، يقال منه : أحسبني الشيء يُحسبني أحسابا ، بمعنى : كفاني ، من قولهم : حسبي كذا وكذا . وهذا غلط من القول وخطأ ، وذلك أنه لا يقال في أحسبت الشيء : أحسبت على الشيء فهو حسيب عليه ، وإنما يقال : هو حسبه وحسيبه ، والله يقول : { إنّ اللّهَ كانَ على كُلّ شَيْءٍ حَسِيبا } .