{ وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيَّةٍ } ترغيبٌ في فرد شائعٍ من أفراد الشفاعةِ الحسنةِ إثرَ ما رُغِّبَ فيها على الإطلاق وحُذِّر عما يقابلها من الشفاعة السيئةِ ، وإرشادٌ إلى توفية حقِّ الشفيعِ ، وكيفيةِ أدائِه ، فإن تحيةَ الإسلامِ من المسلم شفاعةٌ منه لأخيه إلى الله تعالى ، والتحيةُ مصدر حيَّا أصلُها تحْيِيَةٌ ، كتسمية من سمَّى وأصلُ الأصلِ تَحْيِيٌّ بثلاث ياءاتٍ فحُذفت الأخيرةُ وعُوِّضَ عنها تاءُ التأنيثِ وأُدغمت الأولى في الثانية بعد نقلِ حركتِها إلى الحاء . قال الراغبُ : أصلُ التحية الدعاءُ بالحياة وطولِها ثم استعملت في كل دعاءٍ ، وكانت العربُ إذا لقِيَ بعضُهم بعضاً يقول : حياك الله ، ثم استعملها الشرعُ في السلام وهي تحيةُ الإسلامِ ، وقال تعالى : { تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سلام } [ إبراهيم ، الآية 23 ] وقال : { فَسَلّمُوا على أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً منْ عِندِ الله } [ النور ، الآية 61 ] قالوا : في السلام مزيةٌ على التحية لما أنه دعاءٌ بالسلامة من الآفات الدينيةِ والدنيويةِ ، وهي مستلزِمةٌ لطول الحياةِ وليس في الدعاء بطول الحياةِ ذلك ، ولأن السلامَ من أسمائه تعالى فالبَداءةُ بذكره مما لا ريبَ في فضله ومزّيتِه ، أي إذا سُلِّم عليكم من جهة المؤمنين { فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا } أي بتحيةٍ أحسنَ منها بأن تقولوا : وعليكم السلامُ ورحمةُ الله إن اقتصر المُسلمُ على الأول وبأن تَزيدوا وبركاتُه إن جمعهما المسلمُ وهي النهايةُ لانتظامها لجميع فنونِ المطالبِ التي هي السلامةُ عن المضارِّ ونيلُ المنافعِ ودوامُها ونماؤُها . { أَوْ رُدُّوهَا } أي أجيبوها بمثلها . رُوي أن رجالاً قال أحدُهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم : السلامُ عليك ، فقال : «وعليك السلام ورحمةُ الله » وقال الآخرُ : السلامُ عليك ورحمةُ الله ، فقال : «وعليك السلامُ ورحمةُ الله وبركاتُه » ، وقال الآخرُ : السلامُ عليك ورحمةُ الله وبركاتُه ، فقال : «وعليك » فقال الرجل : نقصتَني فأين ما قال الله تعالى ؟ وتلا الآية ، فقال عليه الصلاة والسلام : «إنك لم تترُكْ ليَ فضلاً فردَدْتُ عليك مثلَه » ، وجوابُ التسليم واجبٌ وإنما التخييرُ بين الزيادةِ وتركِها ، وعن النخعيّ : أن السلامَ سنةٌ والردَّ فريضةٌ ، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : «الردُّ واجبٌ وما من رجل يمُرُّ على قوم مسلمين فيسلّم عليهم ولا يردّون عليه إلا نزَع الله منهم روُحَ القُدسِ وردَّت عليه الملائكة » ولا يردّ في الخُطبة وتلاوةِ القرآنِ جهراً ، وروايةِ الحديثِ وعند دراسةِ العلمِ والآذانِ والإقامةِ ، ولا يسلّم على لاعب النرْدِ والشطرنج والمغنّي والقاعدِ لحاجته ومُطيِّرِ الحَمام والعاري في الحمّام وغيرِه ، قالوا : ويسلم الرجلُ على امرأته لا على الأجنبية ، والسُّنةُ أن يسلِّم الماشي على القاعد والراكبُ على الماشي وراكبُ الفرسِ على راكب الحمارِ ، والصغيرُ على الكبير والقليلُ على الكثير ، وإذا التَقَيا ابتدرا . وعن أبي حنيفةَ رضي الله عنه لا يجهر بالرد يعني الجهرَ الكثيرَ ، وعن النبي عليه الصلاة والسلام : «إذا سلَّم عليكُم أهلُ الكتابِ فقولوا : وعليكُم » أي وعليكم ما قلتم حيث كان يقول بعضُهم : السامُ عليكم . وروي ( لا تبدأ اليهوديَّ بالسلام وإذا بدأك فقل : وعليك ) ، وعن الحسن : أنه يجوز أن يقول للكافر وعليك السلامُ دون الزيادة ، وقيل : التحيةُ بالأحسن عند كونِ المسلِّمِ مسلماً وردُّ مثلِها عند كونِه كافراً . { إِنَّ الله كَانَ على كُلّ شَي حَسِيباً } فيحاسبكم على كل شيءٍ من أعمالكم التي من جملتها ما أُمرتم به من التحية فحافِظوا على مراعاتها حسبما أُمرتم به .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.