التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٖ فَحَيُّواْ بِأَحۡسَنَ مِنۡهَآ أَوۡ رُدُّوهَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٍ حَسِيبًا} (86)

قوله : ( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها . . . ) حيّيتم من الفعل حييت ويقصد من ذلك السلام . والتحية معناها الدعاء بالحياة . وقولنا : التحيات لله يعني البركات لله ومن الله . وقيل : معناها السلامة من النقائص والآفات والعيوب . وقد كان من عادة العرب قبل الإسلام أنه إذا لقي بعضهم بعضا قالوا : حياك الله . وهو مشتق من الحياة كأنه يدعو له بالحياة . فلما جاء الإسلام بدل ذلك بالسلام فجعلوا التحية اسما للسلام{[799]} . وفي الآية إشارة إلى مشروعية التحية بالسلام . وقد أجمع أهل العلم على أن الابتداء بالسلام سنّة مرغوبة وأن ردّها فريضة .

وإذا ابتدأ الواحد بالسلام على الجماعة فهل يجزئ رد أحدهم ؟ ثمة قولان في هذه المسألة . أحدهما : أن رد الواحد من الجماعة على المبتدئ بالسلام يجزئ عن الآخرين .

ثانيهما : أن رد السلام من فروض العين بمعنى أن الرد فرض متعين بالنسبة لكل واحد من الجماعة الحاضرة واستدلوا أيضا بما لو رد غير المسلم على من ابتدأ السلام لم يسقط ذلك فريضة الرد . وفي ذلك دلالة على لزوم الرد على كل واحد بعينه .

والراجح أن الابتداء بالسلام من واحد يكفي . وأن الرد من أحد الآخرين مجزئ لما رواه أبو داود في سننه عن عليّ بن أبي طالب أن النبي ( ص ) قال : " يجزئ من الجماعة إذا مرّوا أن يسلم أحدهم ، ويجزئ عن الجلوس أن يرد أحدهم " .

قوله : ( فحيوا بأحسن منها أو ردوها ) رد التحية على البادئ أن يقال : عليكم السلام . أما الأحسن فهو أن يقال : عليكم السلام ورحمة الله . وإذا أضاف البادئ قوله ورحمة الله . كان الرد : عليكم السلام ورحمة الله وبركاته . وهذا هو النهاية بغير زيادة .

ويسنّ في التحية والردّ عليها الجهر وذلك عن طريق الكلام باللسان ، أما الإشارة بالأصبع أو الكف فإن ذلك لا يكفي ولا يقوم مقام الرد للتحية إلا إذا كان الاثنان متباعدين .

وإذا كانت التحية من غير المسلم فحكم الرد أن يقال له : وعليكم ، وقيل : رد السلام عليهم واجب ، كما ذهب بعض أهل العلم استنادا إلى عموم الآية إذ لم يرد ما يجعلها خاصة بالمسلمين وهو قول ابن عباس والشعبي وقتادة . وقد ذكر عن ابن عباس قوله في هذا الصدد : من سلم عليك من خلق الله فاردد عليه وإن كان مجوسيا ذلك بأن الله يقول : ( فحيوا بأحسن منها أو ردوها ) . وقيل غير ذلك ، والقول الأول أرجح . ولا يسلّم أيضا على من يقضي حاجته وإن سلّم فلا يرد عليه أثناء قضاء الحاجة . ولا يسلّم كذلك على من يقرأ القرآن وإن سلّم عليه فهو بالخيار إن شاء رد وإن شاء أمسك حتى يفرغ من القراءة ثم يرد .

ومن جملة الأحكام في هذه المسألة أن السنة أن يسلم الراكب على الماشي والصغير على الكبير ، والأقل على الأكثر ، والقائم على القاعد . وإذا استقبلك رجل واحد فقل : سلام عليكم ، بقصد الرجل والملكين فإنك إذا سلمت عليهما ردا : السلام عليك .

وإذا دخلت بيتا خاليا فسلم . وذلك ؛ لأنك تسلم من الله على نفسك ، وإنك تسلم على من في البيت من مؤمني الجن . ثم إنك تطلب السلامة ممن في البيت من الشياطين والمؤذيات ببركة السلام .

قوله : ( إن الله كان على كل شيء حسيبا ) أي حفيظا . وقيل : كافيا وذلك كقولنا : حسبنا الله . بمعنى أنه يكفينا . فالله جلّت قدرته كان وما يزال حافظا عالما بكل شيء{[800]} .


[799]:- تفسير الراوي جـ 10 ص 215 وتفسير القرطبي جـ 5 ص 297.
[800]:- تفسير القرطبي جـ 5 ص 295 -300 وتفسير الرازي جـ 10 ص 214- 220 والكشاف جـ 1 ص 549 وتفسير الطبري جـ 4 ص 119.