وقوله تعالى : { وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها } ذكر التحية ، ولم يذكر ما تلك التحية ؟ واسم التحية تقع على أشياء من نحو ما جعل الصلاة ( تحية للمسجد ){[6129]} والطرف تحية للبيت{[6130]} وغير ذلك مما يكثر عددها . لكن أهل التأويل أجمعوا على صرف هذه التحية إلى السلام دون غيرها من التحية التي ذكرنا . ألا ترى أنه قال عز وجل : { أو ردوها } ؟ ولو كان غيرها{[6131]} أراد لم يقل{ أو ردوها } لأن غيرها من التحية لا ترد ، إذ في الرد ترك القبول ، ولم يأمر {[6132]} بذلك .
دل أنه أراد بالتحية السلام . ويدل على ذلك آيات من كتاب الله تعالى ؛ قال الله عز وجل { فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله }( النور : 61 ) فجعل تحية الملائكة للمؤمنين{[6133]} السلام ، كقوله تعالى : { سلام عليكم بما صبرتم }( الرعد : 24 ) وجعل تحية أهل الجنة السلام كقوله تعالى : { لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما } ( مريم : 62 ) وكقوله تعالى : { وتحيتهم فيها سلام } ( يونس : 10 ) وتحية الملائكة بعضهم على بعض بالسلام . ألا ترى أنه قال عز وجل{ فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله } ؟ الآية ( النور : 61 ) .
فعلى ذلك يمكن أن يكون المراد من قوله تعالى : { وإذا حييتم بتحية } السلام وجعل الله عز وجل السلام علما وشعارا فيما بين المسلمين وأمانا يؤمن بعضهم بعضا من شرة . ألا ترى أن أهل الريبة لا يسلمون ، ولا يردون السلام ؟ وإن كانوا{[6134]} لا يعرفون تفسيره ولا معناه ، ولكن على الطبع جعل ذلك لهم .
والسلام : قيل : هو اسم من أسماء الله تعالى ، فهو يحتمل وجوها : ( منها أنه ){[6135]} سلام مسلم طاهر عن أشباه والأشكال ، وسلام عدل منزه عن العيوب كلها والجور والظلم ؛ وقوله تعالى : { رحمت الله } ( هود : 73 ) أي برحمته ينجو من نجاء ، ويسعد من سعد{ وبركاته } به ينال كل خير ، وهي اسم كل خير . ألا ترى أن التحليل من الصلاة بقوله صلى الله عليه وسلم{[6136]} : " السلام عليكم ورحمة الله " ( الطبراني في الكبير 6114 ) على ما جعل ترحيمها باسم الله ؟ فعلى ذلك جعل الافتتاح بما به جعل الختم .
ثم اختلف في قوله عز وجل{ فحيوا بأحسن منها أو ردوها } على أهل الكتاب . وعن أنس رضي الله عنه ( أنه ){[6137]} قال : ( نهينا أن نزيد على أهل الكتاب على : عليك ، وعليكم ) . وعن ابن مسعود رضي الله عنه( أنه ){[6138]} قال : ( السلام اسم من أسماء الله وصفاته في الأرض فأفشوا بينكم ، فإن الرجل إذا سلم كتبت له عشر حسنات ، فإن هم ردوها عليه كتبت لهم مثلها ){[6139]} .
وقيل : قوله تعالى : { فحيوا بأحسن منها } بالزيادة{ أو ردوها } بمثلها . وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنه رد السلام فقال ){[6140]} : " وعليكم السلام ورحمة الله ، ثم جاء آخره ، فقال : السلام عليكم ورحمة الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، ثم جاءه آخره ، فقال : السلام عليكم ، ورحمة الله وبركاته ، /106-أ / فقال : وعليكم ، فقيل : إنك زدت في الأول والثاني : فقال : إن الأول والثاني : قد أبقينا لي زيادة ، وهذا لم يبق زيادة " ( الطبراني في الكبير 6114 ) .
وقيل : إنه روي أنه سلم عليه رجل ، فقال : السلام عليكم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " عشر " يعني عشر حسنات ، وسلم عليه آخر ، فقال : السلام عليكم ورحمة الله ، فقال : " عشرون " ، وقال آخر : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فقال : " ثلاثون " ( البيهقي في شعب الإيمان 8874 )ومنتهى السلام وبركاته كقوله " ورحمة وبركاته عليكم أهل البيت " ( الطبراني في الكبير 2673 ) .
فإن قيل : يسلم في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام عليكم أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، ولا يقول في التحليل من الصلاة : وبركاته ، قيل : لوجهين :
( أحدهما : تفضيلا ){[6141]} لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
والثاني : إبقاء لهم في الرد زيادة .
ويسلم الراكب على الماشي ، والقائم على القاعد . روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنه ) {[6142]} قال : " يسلم الراكب على الماشي ، والماشي على القائم ، والقائم على الجالس ، والصغير على الكبير " ( البيهقي في شعب الإيمان 8867 ) .
وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم ، فإن بدا له أن يجلس فليجلس ، وإن قام ، والقوم جلوس ، فلسلم ، فليست الأولى بأحق من الأخرى " ( الترمذي 2706 ) .
وعن جابر رضي الله عنه ( أنه ){[6143]} قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من تشبه بغيرنا فليس منا " ( الترمذي 2695 ) وقال " لا تسلموا تسليم اليهود والنصارى ؛ فإن تسليم النصارى بالأكف وتسليم اليهود بالإشارة " ( الديلمي في الفردوس 7323 ) ويكره أن يبتدأ بأهل الكتاب بالتسليم . ولكن إذا بدؤوا هم يرد( عليهم ){[6144]} . على ذلك جاءت الآثار .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه( أنه ){[6145]} قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالتسليم ، وإذا لقيتموهم في الطريق فاضطروهم إلى أضيقها " ( مسلم2167 ) وعن أبي نضرة الغفاري رضي الله عنه أنه النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم يوما " إني راكب إلى يهود ، فإن سلموا عليكم فقولوا : وعليكم " ( أحمد 6/398 ) .
ثم قيل في تفسير : السلام عليكم بوجوه : قال بعضهم : تأويله : الله شهيد عليكم ، وقيل : الله قائم عليكم ، وهو كقول الله تعالى : { أفمن هو قائم على كل نفس } ( الرعد : 33 ) بر أو فاجر ، يرزقهم ، ويحفظهم ، ويستجيب لهم . وقيل : هو الدعاء لهم بالمغفرة والسلامة ، وهو ما ذكرنا بدءا .
وقوله تعالى : { إن الله كان على كل شيء حسيبا } قيل : شهيدا ، وقيل : حفيظا ، وقيل : كافيا مقتدرا ، يقال : حسبي{[6146]} هذا ، أي كفاني . وقال الكسائي : ( مشتقة من الحساب كقوله تعالى : { كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا } ( الإسراء : 14 ) أي حاسبا كالأمير والآمر والقدير والقادر ، والله أعلم ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.