تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٖ فَحَيُّواْ بِأَحۡسَنَ مِنۡهَآ أَوۡ رُدُّوهَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٍ حَسِيبًا} (86)

الآية 86

وقوله تعالى : { وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها } ذكر التحية ، ولم يذكر ما تلك التحية ؟ واسم التحية تقع على أشياء من نحو ما جعل الصلاة ( تحية للمسجد ){[6129]} والطرف تحية للبيت{[6130]} وغير ذلك مما يكثر عددها . لكن أهل التأويل أجمعوا على صرف هذه التحية إلى السلام دون غيرها من التحية التي ذكرنا . ألا ترى أنه قال عز وجل : { أو ردوها } ؟ ولو كان غيرها{[6131]} أراد لم يقل{ أو ردوها } لأن غيرها من التحية لا ترد ، إذ في الرد ترك القبول ، ولم يأمر {[6132]} بذلك .

دل أنه أراد بالتحية السلام . ويدل على ذلك آيات من كتاب الله تعالى ؛ قال الله عز وجل { فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله }( النور : 61 ) فجعل تحية الملائكة للمؤمنين{[6133]} السلام ، كقوله تعالى : { سلام عليكم بما صبرتم }( الرعد : 24 ) وجعل تحية أهل الجنة السلام كقوله تعالى : { لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما } ( مريم : 62 ) وكقوله تعالى : { وتحيتهم فيها سلام } ( يونس : 10 ) وتحية الملائكة بعضهم على بعض بالسلام . ألا ترى أنه قال عز وجل{ فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله } ؟ الآية ( النور : 61 ) .

فعلى ذلك يمكن أن يكون المراد من قوله تعالى : { وإذا حييتم بتحية } السلام وجعل الله عز وجل السلام علما وشعارا فيما بين المسلمين وأمانا يؤمن بعضهم بعضا من شرة . ألا ترى أن أهل الريبة لا يسلمون ، ولا يردون السلام ؟ وإن كانوا{[6134]} لا يعرفون تفسيره ولا معناه ، ولكن على الطبع جعل ذلك لهم .

والسلام : قيل : هو اسم من أسماء الله تعالى ، فهو يحتمل وجوها : ( منها أنه ){[6135]} سلام مسلم طاهر عن أشباه والأشكال ، وسلام عدل منزه عن العيوب كلها والجور والظلم ؛ وقوله تعالى : { رحمت الله } ( هود : 73 ) أي برحمته ينجو من نجاء ، ويسعد من سعد{ وبركاته } به ينال كل خير ، وهي اسم كل خير . ألا ترى أن التحليل من الصلاة بقوله صلى الله عليه وسلم{[6136]} : " السلام عليكم ورحمة الله " ( الطبراني في الكبير 6114 ) على ما جعل ترحيمها باسم الله ؟ فعلى ذلك جعل الافتتاح بما به جعل الختم .

ثم اختلف في قوله عز وجل{ فحيوا بأحسن منها أو ردوها } على أهل الكتاب . وعن أنس رضي الله عنه ( أنه ){[6137]} قال : ( نهينا أن نزيد على أهل الكتاب على : عليك ، وعليكم ) . وعن ابن مسعود رضي الله عنه( أنه ){[6138]} قال : ( السلام اسم من أسماء الله وصفاته في الأرض فأفشوا بينكم ، فإن الرجل إذا سلم كتبت له عشر حسنات ، فإن هم ردوها عليه كتبت لهم مثلها ){[6139]} .

وقيل : قوله تعالى : { فحيوا بأحسن منها } بالزيادة{ أو ردوها } بمثلها . وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنه رد السلام فقال ){[6140]} : " وعليكم السلام ورحمة الله ، ثم جاء آخره ، فقال : السلام عليكم ورحمة الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، ثم جاءه آخره ، فقال : السلام عليكم ، ورحمة الله وبركاته ، /106-أ / فقال : وعليكم ، فقيل : إنك زدت في الأول والثاني : فقال : إن الأول والثاني : قد أبقينا لي زيادة ، وهذا لم يبق زيادة " ( الطبراني في الكبير 6114 ) .

وقيل : إنه روي أنه سلم عليه رجل ، فقال : السلام عليكم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " عشر " يعني عشر حسنات ، وسلم عليه آخر ، فقال : السلام عليكم ورحمة الله ، فقال : " عشرون " ، وقال آخر : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فقال : " ثلاثون " ( البيهقي في شعب الإيمان 8874 )ومنتهى السلام وبركاته كقوله " ورحمة وبركاته عليكم أهل البيت " ( الطبراني في الكبير 2673 ) .

فإن قيل : يسلم في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام عليكم أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، ولا يقول في التحليل من الصلاة : وبركاته ، قيل : لوجهين :

( أحدهما : تفضيلا ){[6141]} لرسول الله صلى الله عليه وسلم .

والثاني : إبقاء لهم في الرد زيادة .

ويسلم الراكب على الماشي ، والقائم على القاعد . روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنه ) {[6142]} قال : " يسلم الراكب على الماشي ، والماشي على القائم ، والقائم على الجالس ، والصغير على الكبير " ( البيهقي في شعب الإيمان 8867 ) .

وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم ، فإن بدا له أن يجلس فليجلس ، وإن قام ، والقوم جلوس ، فلسلم ، فليست الأولى بأحق من الأخرى " ( الترمذي 2706 ) .

وعن جابر رضي الله عنه ( أنه ){[6143]} قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من تشبه بغيرنا فليس منا " ( الترمذي 2695 ) وقال " لا تسلموا تسليم اليهود والنصارى ؛ فإن تسليم النصارى بالأكف وتسليم اليهود بالإشارة " ( الديلمي في الفردوس 7323 ) ويكره أن يبتدأ بأهل الكتاب بالتسليم . ولكن إذا بدؤوا هم يرد( عليهم ){[6144]} . على ذلك جاءت الآثار .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه( أنه ){[6145]} قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالتسليم ، وإذا لقيتموهم في الطريق فاضطروهم إلى أضيقها " ( مسلم2167 ) وعن أبي نضرة الغفاري رضي الله عنه أنه النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم يوما " إني راكب إلى يهود ، فإن سلموا عليكم فقولوا : وعليكم " ( أحمد 6/398 ) .

ثم قيل في تفسير : السلام عليكم بوجوه : قال بعضهم : تأويله : الله شهيد عليكم ، وقيل : الله قائم عليكم ، وهو كقول الله تعالى : { أفمن هو قائم على كل نفس } ( الرعد : 33 ) بر أو فاجر ، يرزقهم ، ويحفظهم ، ويستجيب لهم . وقيل : هو الدعاء لهم بالمغفرة والسلامة ، وهو ما ذكرنا بدءا .

وقوله تعالى : { إن الله كان على كل شيء حسيبا } قيل : شهيدا ، وقيل : حفيظا ، وقيل : كافيا مقتدرا ، يقال : حسبي{[6146]} هذا ، أي كفاني . وقال الكسائي : ( مشتقة من الحساب كقوله تعالى : { كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا } ( الإسراء : 14 ) أي حاسبا كالأمير والآمر والقدير والقادر ، والله أعلم ) .


[6129]:في الأصل وم: لتحية المسجد.
[6130]:في الأصل وم: البيت.
[6131]:من م. في الأصل: غير.
[6132]:في الأصل وم: يؤمر.
[6133]:أدرج قبلها في الأصل وم: صلاة.
[6134]:في الأصل وم: كان.
[6135]:في الأصل وم: يحتمل.
[6136]:ساقطة من الأصل وم.
[6137]:ساقطة من الأصل وم.
[6138]:ساقطة من الأصل وم.
[6139]:في الأصل وم: مثله.
[6140]:ساقطة من الأصل وم.
[6141]:في الأصل وم: تفضلا.
[6142]:ساقطة من الأصل وم.
[6143]:ساقطة من الأصل وم.
[6144]:ساقطة من الأصل وم.
[6145]:ساقطة من الأصل وم.
[6146]:في الأصل وم: أحسبني.