اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٖ فَحَيُّواْ بِأَحۡسَنَ مِنۡهَآ أَوۡ رُدُّوهَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٍ حَسِيبًا} (86)

في النَّظْم وجْهَان :

أحدهما : أنَّه لما أمَرَ المُؤمِنِين بالجهاد ، أمَرَهُمْ أيضاً بأن الأعْدَاء لو رَضُوا بالمُسَالَمَةِ{[9070]} فكونوا أنْتُم [ أيضاً ]{[9071]} رَاضِين بها ، فقوله{[9072]} : { وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا } كقوله - تعالى - : { وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا } [ الأنفال : 61 ] .

والثَّانِي : أن الرَّجُل [ في الجِهَاد ]{[9073]} كان يلْقَّاهُ الرَّجُل في دَارِ الحَرْبِ أو ما يُقارِبُها ، فَيُسَّلمُ عليه فقد لا يَلْتَفِتُ إلى سلامِهِ [ ويقتله ]{[9074]} ، وربَّمَا ظَهَر أنَّهُ كان مُسْلِماً ، فأمرهم بأن يُسَلِّم عليهم أو يُكْرِمهم ، فإنهم يقابلونه بمثل ذَلِكَ الإكْرَام أو أزْيَد ، فإن كان كَافِراً ، لم يَضُرَّ المسلم مُقَابَلَة إكْرَام ذلك الكَافِر بنوع من الإكْرَام ، وإن كان مسلماً فَقَتَلَه ، ففيهِ أعْظَم المَضَارِّ والمفَاسِدِ ، ويقال : التحية [ في الأصْلِ ]{[9075]} : البَقَاءِ والمِلْكُ .

قال القُرْطُبِي{[9076]} : قال عبد الله بن صَالحِ العِجْليّ : سألت الكسَائِيُّ عن قوله : " التحيات لله " ما مَعْنَاهَا ؟ فقال : التَّحِيَّاتُ مثل البَرَكَاتِ ، قلت : ما معنى " البَركات " ؟ فقال : ما سَمِعْت{[9077]} فيها شَيْئاً ، وسألْتُ عنها مُحَمَّد بن الحسن [ فقال ]{[9078]} : هو شَيْءٌ تعبّد الله به عبادَهُ ، فقدِمْتُ الكُوفَة فلقيت عَبْدَ الله بن إدْرِيس ، فقلت : إني سَألْت الكسَائيَّ ، ومحمَّد عن قَوْله : " التحيات لله " فأجَابَنِي بكذا وكذا ، فقال عَبْد اللَّه بن إدْرِيس : إنه لا عِلْم لهما بالشَّعْرِ وبهذه الأشْيَاءِ ، التَّحِيَّة : المُلك وأنْشَدَهُ : [ الوافر ]

أؤمُّ بِهَا أبَا قَابُوسَ حَتى *** أُنِيخَ عَلَى تَحِيَّتِهِ بجُنْدِي{[9079]}

وقال آخَر : [ مجزوء الكامل ]

وَلِكُلِ مَا نَالَ الفَتَى *** قَدْ نِلْتُهُ إلاَّ التَّحِيَّهْ{[9080]}

ويقال : التَّحِيَّة : البَقَاء والمُلْك ، ومنه : " التحيات لله " ، ثم استُعملت في السلام مَجَازاً ، ووزنها ، تَفْعِلة من حَيَّيْت ، وكان في الأصْل :تحيية ؛ مثل : تَوْصية وتَسْمِيَة ، والعرب تؤثر التَّفْعِلة على التَّفْعيلِ [ في ]{[9081]} ذَوَاتِ الأرْبَع ؛ نحو قوله : { وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ }

[ الواقعة : 94 ] .

والأصل : تَحْيِِيَة فأدغمت ، وهذا الإدغَامُ واجبٌ خِلافاً للمَازِني ، وأصْل الأصْل تَحْيِيُّ ؛ لأنه مَصْدُر حَيّا ، وحَيّا : فَعَّل ، وفَعَّل مَصْدره على التَّفْعِيل ، إلا أن يَكُون مُعْتَلَّ اللامِ ؛ نحو : زكَّى وغَطَّى ، فإنه تحذف إحْدَى اليَاءَيْن ويعوَّض منها تَاء التَّأنيثِ ؛ فيقال : تَزْكِيه وتغْطِيَة ، إلا ما شَذَّ من قوله : [ الرجز ]

بَاتَتْ تُنَزِّي دَلْوَهَا تَنْزِيَّا *** كَمَا تُنَزِّي شَهْلَةٌ صَبِيَّا{[9082]}

إلا أن هذا الشُّذُوذَ لا يجوزُ مثلُه في نحو : " حَيّا " لاعتلالِ عَيْنه ولامه باليَاءِ ، وألحق بعضُهم ما لامُه هَمْزَةٌ بالمُعْتَلِّها ، نحو : " نَبّأ تَنْبئةً " و " خَبَّأ تَخْبِئَةً " ؛ ومثلها : أعيِيَة وأعيَّةٌ ، جمع عَيِيٍّ .

وقال الرَّاغِب{[9083]} : وأصلُ التَّحِيَّة من الحياة ، ثم جُعِل كلُّ دُعَاءٍ تحيّةً ؛ لكون جميعه غير خَارجٍ عن حُصُولِ الحياة أو سَبَبِ الحَيَاةِ ، وأصل التحية أن تَقُول : " حياك الله " ثم اسْتُعْمِل في الشَّرْعِ في دُعَاءٍ مَخْصُوصٍ .

وجعل التحيَّة اسْماً للسَّلام ؛ قال : - تعالى - : { تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ } [ الأحزاب : 44 ] ، ومنه قول المُصَلِّي : " التحيات لله " أي : السَّلامة من الآفاتِ للَّه .

قال [ الكامل ]

1854أ- حُيِّيت مِنْ طَلَلٍ تَقَادَمَ عَهْدُهُ *** . . . {[9084]}

وقال آخر : [ البسيط ]

1854ب- إنَّا مُحَيُّوك يا سَلْمَى فَحيِّينَا *** . . . {[9085]}

فصل في أفضلية " السلام عليكم "

واعلمْ أن قول القائِل لغيْره : السَّلام عليك ، أتم من قوله : حَيَّاك الله ؛ لأن الحَيَّ إذا كان حَليماً كان حَيًّا لا محالة ، وليس إذا كان حَيَّا كان سَلِيماً ؛ لأنَّه قد تكون حَيَاتُه مقرونَة بالآفاتِ ، وأيضاً فإن السلام اسم من أسْمَاء الله - تعالى - ، فالابْتِدَاء بِذِكْر الله - تعالى - أجْمَل من قوله : حيَّاك الله ، وأيضاً : فَقَوْل الإنْسَان لغيره : السلام عَلَيْكَ ، بشارة لَهُ بالسَّلام ، وقوله حيَّاك الله لا يُفِيد ذَلِك ، قالوا : ومَعنى قوله : السلام عليك ، أي : أنْت سَلِيمٌ مِنِّي فاجعلني سَلِيماً مِنْك ، ولهذا كَانَت العَرَبُ إذا أسَاء بعضهم لم يَردُّوا السلام ، فإن ردُّوا عليهم السلام ، أمِنُوا من شرِّهم ، وإن لم يَرُدُّوا عليهم السلام ، لم يؤمنوا شَرَّهُم .

فصل في الوجوه الدَّالة على أفضلية السّلاَم

ومما يدل على أفْضَلِيَّة السلام : أنَّه من أسْمَاء الله - تعالى - ، وقوله - [ تعالى ]{[9086]} -

{ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا } [ هود : 48 ] ، وقوله : { سَلاَمٌ هِيَ } [ القدر : 5 ] ، وقوله :

{ وَالسَّلاَمُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى } [ طه : 47 ] ، وقوله : { قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلاَمٌ عَلَى عِبَادِهِ }

[ النمل : 59 ] وقوله : { وَإِذَا جَآءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ } [ الأنعام : 54 ] ، وقوله : { الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ } [ النحل : 32 ] ، وقوله :

{ وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ } [ الواقعة : 90 ، 91 ] ، [ وقوله ]{[9087]} : { وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ } [ الزمر : 73 ] ، وقوله : { وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم } [ الرعد : 23 ] وقوله : { تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ }

[ الأحزاب : 44 ] ، وقوله : { سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } [ يس : 58 ] .

وأمَّا الأخْبَار : فرُوِي أن عبد الله بن سلام قال : " لمَّا سَمِعْت بقدوم الرَّسُول - عليه الصلاة والسلام - ، دخَلْتُ في غِمَار{[9088]} النَّاسِ ، فأوَّل ما سَمِعْتُ مِنْهُ : " يا أيها الذين آمنوا ، أفْشُوا السَّلاَمَ وأطْعِمُوا الطَّعَامَ وَصِلُوا الأرْحَامَ وصَلُّوا باللَّيْلِ والنَّاس نِيَامٌ تدخلون الجنة بسلام " {[9089]} .

وأما المَعْقُول : قال القتبي : إنما قال : " التحيات " على الجَمْعِ ؛ لأنَّه كان في الأرْضِ ملوك يُحَيَّوْن بِتَحِيَّاتٍ مختَلِفَات ، [ فيقال ]{[9090]} لبعضهم : أبيْت اللَّعْنَ ، ولبعضهم : اسْلَم وانْعَم ، ولبعضهم : عِش ألْفَ سَنَةٍ ، فقيل لَنَا : قولوا : التَّحِيَّات للَّه ، أي{[9091]} : الألْفَاظ الَّتِي{[9092]} [ تدلُّ ]{[9093]} على المُلْك ، ويكْنَى بها عن الله - تعالى - :

قالوا : تحية النَّصارَى وَضْع اليَدِ على الفَمِ ، وتَحِيّةُ اليهود بعضهم لبعض : الإشارَةُ بالأصَابع ، وتحيةُ المجُوس : الانْحِنَاء ، وتحيَّةُ العرب بعضهم لِبَعْض قَوْلهم حَيَّاك اللَّه ، وللمُلُوك أن يَقُولوا : انْعَمْ صَبَاحاً ، وتحيَّةُ المُسْلِمِين أن يقولوا : السلام عَلَيْكُم ورَحْمَة الله وبركاته ؛ وهذه أشرف التَّحِيَّاتِ ، ولأن السَّلام مشعِرٌ بالسَّلامة من الآفَاتِ ، والسَّعْيُ في تَحْصِيل الصَّون عن الضَّرر أوْلى من السَّعْي{[9094]} في تَحْصِيل النَّفْع .

وأيضاً فإن الوَعْد بالنَّفْع قد يقدر الإنْسَان على الوَفَاءِ به وقَدْ لا يَقْدِر ، وأما الوَعْد بترْك الضَّرَر ، فإنه يكون قَادِراً عليه لا مَحَالة ، والسَّلام يدلُّ عليْهِ .

فصل

من الناس من قال : السلامُ واجبٌ ؛ كقوله - تعالى - : { فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُواْ [ عَلَى أَنفُسِكُمْ } ] {[9095]} [ النور : 61 ] ، ولقوله - عليه الصلاة والسلام - : " أفْشُوا السلام " والأمر للوُجُوب والمَشْهُور أنه سُنَّة . قال بعضهم : السلام سُنَّة على الكِفَايَة .

قوله : " فحيوا " أصل حيُّوا : حَييوا فاستثقلت الضَّمَّةُ على اليَاءِ ، فحُذِفَت الضَّمةُ فالتقى ساكنان : الياءُ والواو ، فحُذِفَتْ اليَاءُ ، وضُمَّ ما قبل الوَاوِ .

وقوله : { بِأَحْسَنَ مِنْهَآ } أي : بتحيَّةٍ أحْسَن من تِلْك التَّحِيَّة الأوْلَى .

وقوله : { أَوْ رُدُّوهَآ } أي رُدُّوا مِثْلَها ؛ لأن رَدَّ عينها مُحالٌ فَحذفَ المُضَافُ ، نحو :

{ وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ } [ يوسف : 82 ] .

فصل في كيفية السلام

مُنْتَهى الأمْر في السَّلام أن يُقَال : السَّلام عليْكُم ورَحْمَة الله وبَركاته ؛ بدليل أن هَذَا القَدْر هو الوَارِدُ في التَّشَهُّد .

قال العلماء : الأحْسَن أن المُسْلِم إذا قَال : السلام علَيْك ، رَدَّ في جوابه بالرَّحْمَة{[9096]} ، وإذا ذكر السلام والرَّحْمة في الابْتِدَاءِ ، زِيدَ في جَوابِه البَرَكَة وإذا ذكر الثلاثة{[9097]} في الابتداء ، أعادها{[9098]} في الجَوَاب .

رُوي : " أن رَجُلاً قال للنَّبي صلى الله عليه وسلم السلام عليك يا رسُول الله ، فقال عليه الصلاة والسلام : وعَلَيْك السلام ورحْمَة اللَّه وبَرَكَاته ، وآخر قال : السلام عليك وَرَحْمة الله ، فقال : وعليك السَّلام ورَحْمَة اللَّه وبركاته ، وجاء ثَالثٌ وقال : السَّلام عليك وَرحْمَة اللَّه وبركَاتُه : فقال - عليه الصلاة والسلام - : " وعَلَيْك السلام ورَحْمَة اللَّه وبَرَكَاتُه " فقال الرَّجل : نقصتني فأين قول الله : { فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ } فقال - عليه الصلاة والسلام - : " ما تَرَكْتَ لِي فَضْلاً فَرَدَدْنَا عَلَيْكَ مَا ذَكَرْت " {[9099]} .

وقيل : معنى قوله : { فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ } إذا كان الذي يُسَلِّم مُسْلِماً ، " أو ردوها " رُدُّوا مثلها إذا كان غَيْر مُسْلِمٍ .

فصل

يقول المُبْتَدِئ : السلام عليكم ، والمجيب يَقُول : وعليْكُم السلام ، وإن شاء المُبْتَدِئُ قال : سلامٌ عَلَيْكم ؛ لأن التَّعْرِيف والتَّنْكير ورد في ألفاظِ القُرْآن كما تَقَدَّم ، لكن التَّنْكِير أكْثَر والكل جَائِزٌ ، وأما في التَّحْليل{[9100]} من الصَّلاة ، فلا بُدَّ من الألف واللامِ بالاتِّفَاقِ .

فصل

قال - عليه الصلاة والسلام - : " السُّنَّة أن يُسلِّم الرَّاكِب على المَاشي{[9101]} ، وراكب الفَرَسِ على رَاكِب الحِمَارِ ، والصَّغير على الكَبِير ، والأقَلُّ على الأكْثَر ، والقَائِم على القَاعِد " والسُّنَّةُ الجَهْر بالسَّلام ؛ لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " أفْشُوا السَّلام " قال أبو يوسف : من قال لأخَرٍ : أقْرئ فلاناً مِنِّي السلام وَجَب عليه أنْ يَفْعَل{[9102]} .

فصل

السُّنة : إذا اسْتَقْبلك رَجَلٌ واحد فقل : سلامٌ عليْكُم ، واقْصِد الرَّجُل والملكَيْن ؛ فإنهما يَرُدَّان السلام عليك ، ومن سَلَّم عليه المَلَكُ فقد سَلِمَ من عَذَابِ الله - تعالى - ، وإذا دَخَلْت بَيْتاً خَالِياً ، فَسَلِّم على من فيه من مُؤمِِنِي الجِنِّ ، والسُّنَّة أن يَكُون المُبْتَدِئ بالسَّلام على طَهَارَةٍ وكذلك{[9103]} المُجِيبُ .

روي أن رجلاً سلَّم على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، وهو على قَضَاء الحَاجَةِ ، فقام وتَيَمَّمَ ثم رَدَّ السلام{[9104]} ، والسُّنَّةُ إذا الْتَقَى الرَّجُلاَن المبادرة بالسَّلام .

فصل : المواضع التي لا يُسلَّم فيها

فأما المواضع التي لا يسَلَّم فيها ثمانيةٌ :

الأوَّل : قال - عليه الصلاة والسلام - : " لا تبدَءُوا اليَهُود بالسَّلام " {[9105]} ، ورخَّصَ بَعْضَ العُلَمَاءِ في ذلك إذا دَعَت إليه حَاجَة ، وأما إذا سَلَّمُوا علينا ، فقال أكْثَر العُلَمَاءِ : ينبغي أن يُقَال : وعليْكَ ؛ لأنَّهم كانوا يَقُولون عِنْد الدُّخُولِ على الرسول - عليه الصلاة والسلام - السَّامُ عَلَيْك ، فكان - عليه السلام - يَقُول : وعَلَيْكُم{[9106]} ، فجرت السُّنَّةُ بذلك ، فإذا قُلْنَا : وعليْكُم السَّلام ، فهل يجوز ذِكْر الرَّحْمَة ؟ قال الحَسَن : يجُوز أن يُقال للكافِرِ : وعَلَيْكُم السلامَ ، ولكن لا يُقَال : ورَحْمَة اللَّهِ ؛ لأنها اسْتِغْفَارٌ .

وعن الشَّعبيِّ ؛ أنه قال لِنَصْرانيّ وعليْك السَّلام ورَحْمَة اللَّه ، فقيل له فيه{[9107]} ، فقال : ألَيْس في رَحْمَة اللَّه [ يَعِيشُ ]{[9108]} .

الثاني : إذا دَخَل يوم الجُمْعَة والإمَامُ يَخْطُب ، فلا يَنْبَغي أن يُسَلِّم ؛ لاستغال النَّاس بالاسْتِمَاع ، فإن سَلَّم فرد بَعْضُهُم فلا بَأس ، ولو اقْتَصَرُوا على الإشَارة ، كان أحْسَن .

الثالث : إذا دخل الحَمَّام [ فرأى ]{[9109]} النَّاس متَّزرين يُسَلِّم عليهم ، وإن لم يكُونُوا متَّزرين ، لم يُسَلِّم عليهم .

الرابع : ترك السَّلام على القَارِئ ؛ لأنه يقطع عليه التِّلاوة ؛ وكذلك روايَة الحَدِيث .

الخَامِس : لا يُسَلَّم على المُشْتَغِل بالأذَان والإقَامَةِ .

السادس : لا يسَلَّم [ على ]{[9110]} لاعب النَّرْدِ ، ولا المغَنِّي ، ولا مُطَيِّر الحَمَامِ ، ولا المشتغل بِمَعْصِيَة اللَّهِ .

السَّابِع : لا يُسَلَّم على المُشْتَغِل بقضاء الحَاجَةِ ؛ لما تقدّم من الحَدِيث ، وقال في آخِرِه : " لَولاَ أنِّي خَشِيتُ أنْ يَقُولَ : سَلَّمْت علَيْه فَلَمْ يَرُدَّ الجَوَاب ، وإلا لَمَا أجِبْتُك ، إذا رَأيْتَنِي على هذه الحَالَةِ ، فلا تُسَلِّم ، فإنك إن سَلَّمْت لم أرُدَّ عَلَيْك " .

الثَّامن : إذا دخل الرَّجُل بَيْتَه فَيُسَلِّم على امْرأته ، وإن حَضَرت أجْنَبِيَّة ، [ لم ]{[9111]} يسلم عَلَيْهِمَا .

قال القرطبي : ولا يُسَلِّم على النِّسَاء الشَّابات الأجَانِب ؛ خوف الفِتْنَة من مُكَالَمَتِهِن بنزعة شَيْطَانٍ أو خائنة عَيْنٍ ، وأما المَحَارِمُ والعجائز فَحَسَنٌ .

فصل

والرَّدُّ فرض كِفَايَة ؛ إذا قام به البَعْض سَقَطَ عن البَاقِين ، والأوْلى للكُلِّ أن يحيُّوا ؛ إذ{[9112]} الرد وَاجِبٌ [ على الفَوْر ]{[9113]} فإن أخَّر حتى انْقَضى الوَقْت ، وأجابه بعد فَوْت [ الوقت ]{[9114]} ، كان ابْتِداء سَلاَمٍ ولا جَوَاباً ، وإذا وَرَد السلام في كِتَاب ، فجوابه وَاجِبٌ بالكِتَاب أيْضاً للآية ، وإذا سَلَّمت المَرْأة الأجْنَبيَّة عَلَيْه ، وكان في رد الجَوَابِ عليها تُهْمَةٌ أو فِتْنَةٌ ، لم يجب الردّ ، بل الأوْلَى ألا يفعل وحيث قُلْنَا : لا يُسَلِّم ، فلو سَلَّم لم يجب الرَّدُّ ؛ لأنه أتَى بِفِعْل منهِيٍّ عَنْه ، فكان وجوده كَعَدَمِه .

قوله : { إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً }

قيل : الحَسيب بمعنى المُحَاسِبِ على العَمَل ؛ كالأكيل والشَّرِيب والجَليسِ ، بمعنى : المؤاكِل والمُشَارِب والمُجَالِس ، أي : على كل شَيْءٍ من ردِّ السلام بِمثلِهِ وبأحْسن مِنْهُ ، " حسيباً " : أي : مُحَاسِباً ومُجَازِياً ، وقيل : بمعنى الكَافِي من قَوْلهم : حَسْبي كَذَا ، أي : كافياً ، قاله أبُو عُبَيْدَة ؛ ومنه قوله تعالى : { حَسْبِيَ اللَّهُ } [ التوبة : 129 ] ، وقال مُجَاهِد : حَفِيظاً .


[9070]:في ب: بالمسألة.
[9071]:سقط في ب.
[9072]:في ب: فقوله.
[9073]:سقط في أ.
[9074]:سقط في أ.
[9075]:سقط في أ.
[9076]:ينظر: تفسير القرطبي 5/191.
[9077]:في ب: عرفت.
[9078]:سقط في أ.
[9079]:البيت لعمرو بن معديكرب. ينظر تفسير القرطبي 5/191 والبحر المحيط 3/316، والدر المصون 2/405، وإصلاح المنطق 316.
[9080]:البيت لزهير الكلبي. ينظر تفسير القرطبي 5/192 والتصريح 1/326 واللسان (جبا) والدر المصون 2/405.
[9081]:سقط في ب.
[9082]:ينظر البيت في شواهد الشافية 1/165 والمقرب 2/134 والمنصف 2/195 والخصائص 2/302 والدر المصون 2/405.
[9083]:ينظر: المفردات 140.
[9084]:صدر بيت لعنترة وعجزه: أقوى وأقفر بعد أم الهيثم ينظر شرح المعلقات لابن النحاس 2/8، وتفسير الرازي 10/167.
[9085]:صدر بيت لبشامة بن حزن النهشلي وعجزه: وإن سقيت كرام الناس فاسقينا ينظر: خزانة الأدب 8/302، شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص 100 والمقاصد النحوية 3/370، وتفسير الرازي 10/167.
[9086]:سقط في أ.
[9087]:سقط في أ.
[9088]:في ب: غبار.
[9089]:أخرجه الترمذي (4/562 ـ 563) كتاب صفة القيامة باب أفشوا السلام (2485) وابن ماجه (1/424) في إقامة الصلاة: باب ما جاء في قيام الليل (334) والدرامي (1/340) وأحمد (5/451) وابن السني (211) والبغوي في "شرح السنة" (2/464) من حديث عبد الله بن سلام وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
[9090]:سقط في ب.
[9091]:في ب: في.
[9092]:في ب: التي.
[9093]:سقط في أ.
[9094]:في ب: السعي.
[9095]:سقط في أ.
[9096]:في ب: الرحمة.
[9097]:في ب: التلاوة.
[9098]:في أ: ادعاها.
[9099]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (8/589) والطبراني في "الكبير" كما في "مجمع الزوائد" (8/33) وابن مردويه وأحمد في "الزهد" وابن المنذر وابن أبي حاتم كما في "الدر المنثور" (2/336) للسيوطي وحسنه. والحديث أورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (8/33) وقال: رواه الطبراني وفيه هشام بن لاحق قواه النسائي وترك أحمد حديثه وبقية رجاله رجال الصحيح.
[9100]:في ب: التخلل.
[9101]:أخرجه البخاري (11/15) كتاب الاستئذان باب يسلم الراكب على الماشي (6232) ومسلم (4/1703) كتاب السلام باب يسلم الراكب على الماشي (1/2160) من حديث أبي هريرة.
[9102]:تقدم.
[9103]:في ب: كذا.
[9104]:يشهد له حديث المهاجر بن قنفذ؛ قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلمت عليه، فلم يرد حتى توضأ، ثم اعتذر إلي وقال: "إني كرهت أن أذكر الله تعالى إلا على طهر". أخرجه أبو داود (30) والترمذي (7) وابن ماجه (300) من حديث المهاجر وقال الترمذي: حسن صحيح.
[9105]:أخرجه مسلم (4/1707) كتاب السلام باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام (13/2167) وأبو داود (4/352) كتاب الأدب باب السلام على أهل الذمة (5205) والترمذي (5/72) كتاب الاستئذان: باب ما جاء في التسليم على أهل الذمة (2700) وأحمد (2/266) وعبد الرزاق (19457) والبيهقي (10/136) والبغوي في "شرح السنة" (6/328) من حديث أبي هريرة. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
[9106]:أخرجه البخاري 11/44، في كتاب الاستئذان: باب كيف الرد على أهل الذمة بالسلام (6256)، ومسلم 4/1706، في كتاب السلام: باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام (10/2165).
[9107]:في ب: في ذلك.
[9108]:ذكره الفخر الرازي في "التفسير الكبير" (10/170) عن عامر الشعبي.
[9109]:سقط في ب.
[9110]:سقط في أ.
[9111]:سقط في ب.
[9112]:في ب: يجيبوا أو.
[9113]:سقط في ب.
[9114]:سقط في أ.