مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٖ فَحَيُّواْ بِأَحۡسَنَ مِنۡهَآ أَوۡ رُدُّوهَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٍ حَسِيبًا} (86)

{ وَإِذَا حُيّيتُم } أي سلم عليكم فإن التحية في ديننا بالسلام في الدارين { فَسَلّمُواْ على أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مّنْ عِندِ الله } [ النور : 61 ] . { تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سلام } [ الأحزاب : 44 ] . وكانت العرب تقول عند اللقاء : حياك الله أي أطال الله حياتك فأبدل ذلك بعد الإسلام بالسلام { بِتَحِيَّةٍ } هي تفعله من حيّا يحيّي تحية { فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا } أي قولوا : وعليكم السلام ورحمة الله إذا قال السلام عليكم . وزيدوا «وبركاته » إذا قال «ورحمة الله » . ويقال لكل شيء منتهى ومنتهى السلام «وبركاته » . { أَوْ رُدُّوهَا } أي أجيبوها بمثلها ، ورد السلام جوابه بمثله لأن المجيب يرد قول المسلّم ، وفيه حذف مضاف أي ردوا مثلها . والتسليم سنة والرد فريضة والأحسن فضل . وما من رجل يمر على قوم مسلمين فيسلم عليهم ولا يردون عليه إلا نزع عنهم روح القدس وردت عليه الملائكة . ولا يرد السلام في الخطبة وقراءة القرآن جهراً ورواية الحديث وعند مذاكرة العلم والأذان والإقامة . وعند أبي يوسف رحمه الله : لا يسلم على لاعب الشطرنج والنرد والمغني والقاعد لحاجته ومطير الحمام والعاري من غير عذر في حمام أو غيره . ويسلم الرجل إذا دخل على امرأته ، والماشي على القاعد ، والراكب على الماشي ، وراكب الفرس على راكب الحمار ، والصغير على الكبير ، والأقل على الأكثر ، وإذا التقيا ابتدرا . وقيل : «بأحسن منها » لأهل الملة «أو ردوها » لأهل الذمة . وعن النبي صلى الله عليه وسلم " إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم " أي وعليكم ما قلتم لأنهم كانوا يقولون «السام عليكم » . وقوله عليه السلام " لاغرار في تسليم " أي لا يقال «عليك » بل «عليكم » لأن كاتبيه معه { إِنَّ الله كَانَ على كُلّ شَيْءٍ حَسِيباً } أي يحاسبكم على كل شيء من التحية وغيرها .