فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٖ فَحَيُّواْ بِأَحۡسَنَ مِنۡهَآ أَوۡ رُدُّوهَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٍ حَسِيبًا} (86)

{ وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا ( 86 ) الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا ( 87 ) }

{ وإذا حييتم بتحية } ترغيب في فرد شائع من أفراد الشفاعة الحسنة بعد الترغيب فيها على الإطلاق ، فإن تحية السلام شفاعة من الله للمسلم عليه ، وأصل التحية تفعلة من حييت ، والأصل تحية مثل ترضية وأصلها الدعاء بالحياة والتحية السلام .

وهذا المعنى هو المراد هنا ومثله قوله تعالى { وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله } وإلى هذا ذهب جماعة من المفسرين ، وروى عن مالك أن المراد بالتحية تشميت العاطس ، وقال أصحاب أبي حنيفة التحية هنا الهدية لقوله { أو ردوها } ولا يمكن رد السلام بعينه وهذا فاسد لا ينبغي الالتفات إليه .

والمراد بقوله { فحيوا بأحسن منها } أي بأن يزيد في الجواب على ما قاله المبتدئ بالتحية ، فإذا قال المبتدئ السلام عليكم قال المجيب وعليكم السلام ورحمة الله ، وإذا زاد المبتدئ لفظا زاد المجيب على جملة ما جاء به المبتدئ لفظا أو ألفظا نحو وبركاته وتحياته ومرضاته .

قال القرطبي : أجمع العلماء على أن الابتداء بالسلام سنة مرغب فيها ورده فريضة لقوله { فحيوا بأحسن منها } وإنما اختار الشرع لفظ السلام على لفظ حياك الله لأنه أتم وأحسن وأكمل ولأن السلام من أسمائه تعالى .

{ أو ردوها } أي ردوا عليه كما سلم عليكم واقتصروا على مثل اللفظ الذي جاء به المبتدئ فظاهر الآية أنه لو رد عليه بأقل مما سلم عليه به أنه لا يكفي ، وظاهر كلام الفقهاء أنه يكفي ، وحملوا الآية على أنه الأكمل .

واختلفوا إذا رد واحد من جماعة هل يجزئ أولا ؟ فذهب مالك والشافعي إلى الإجزاء وذهب الكوفيون إلى أنه لا يجزئ عن غيره ، ويرد عليهم حديث علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يجزئ عن الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم ويجزئ عن الجلوس أن يرد أحدهم{[512]} ، أخرجه أبو داود وفي إسناده سعيد بن خالد الخزاعي المدني وليس به بأس ، وقد ضعفه بعضهم ، وقد حسن الحديث ابن عبد البر .

وقد ورد في السنة المطهرة في تعيين من يبتدئ بالسلام ومن يستحق التحية ومن لا يستحقها وفي فضل السلام والحث عليه وكيفية السلام وما له من الأحكام ما يغني عن البسط ههنا .


[512]:وفي صحيحي البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خلق الله عز وجل آدم على صورته طوله ستون ذراعا فلما خلق قال اذهب فسلم على أولئك النفر وهم نفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك قال: فذهب فقال السلام عليكم فقالوا السلام عليك ورحمة الله قال: فكل من يدخل الجنة على صورة آدم وطوله ستون ذراعا فلم يزل الخلق ينقص بعده حتى الآن".