معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثۡقَالَ حَبَّةٖ مِّنۡ خَرۡدَلٖ فَتَكُن فِي صَخۡرَةٍ أَوۡ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَوۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَأۡتِ بِهَا ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٞ} (16)

قوله تعالى :{ يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل } الكناية في قوله : إنها راجعة إلى الخطيئة ، وذلك أن ابن لقمان قال لأبيه : يا أبت إن عملت الخطيئة حيث لا يراني أحد كيف يعلمها الله ؟ فقال : { يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة } قال قتادة : تكن في جبل . وقال ابن عباس : في صخرة تحت الأرضين السبع ، وهي التي يكتب فيها أعمال الفجار ، وخضرة السماء منها . قال السدي : خلق الله الأرض على حوت وهو النون الذي ذكر الله عز وجل في القرآن { ن والقلم } والحوت في الماء ، والماء على ظهر صفاة ، والصفاة على ظهر ملك ، والملك على صخرة ، وهي الصخرة التي ذكرها لقمان ليست في السماء ولا في الأرض ، والصخرة على الريح . { أو في السموات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف } باستخراجها ، { خبير } عالم بمكانها ، قال الحسن : معنى الآية هي الإحاطة بالأشياء ، صغيرها وكبيرها ، وفي بعض الكتب أن هذه الكلمة آخر كلمة تكلم بها لقمان فانشقت مرارته من هيبتها فمات رحمه الله .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثۡقَالَ حَبَّةٖ مِّنۡ خَرۡدَلٖ فَتَكُن فِي صَخۡرَةٍ أَوۡ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَوۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَأۡتِ بِهَا ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٞ} (16)

{ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ } التي هي أصغر الأشياء وأحقرها ، { فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ } أي في وسطها { أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ } في أي جهة من جهاتهما { يَأْتِ بِهَا اللَّهُ } لسعة علمه ، وتمام خبرته وكمال قدرته ، ولهذا قال : { إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } أي : لطف في علمه وخبرته ، حتى اطلع على البواطن والأسرار ، وخفايا القفار والبحار .

والمقصود من هذا ، الحث على مراقبة اللّه ، والعمل بطاعته ، مهما أمكن ، والترهيب من عمل القبيح ، قَلَّ أو كَثُرَ .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثۡقَالَ حَبَّةٖ مِّنۡ خَرۡدَلٖ فَتَكُن فِي صَخۡرَةٍ أَوۡ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَوۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَأۡتِ بِهَا ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٞ} (16)

ثم ذكر - سبحانه - بقية الوصايا التى أوصى بها لقمان ابنه فقال : { يابني إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السماوات أَوْ فِي الأرض يَأْتِ بِهَا الله } .

والضمير فى قوله : { إِنَّهَآ } يعود إلى الفعلة التى يفعلها من خير أو شر . و { تَكُ } مجزوم بسكون النون المحذوفة ، وهو فعل الشرط . والجواب : { يَأْتِ بِهَا الله } والمثقال : أقل ما يوزن به الشئ . والخردل : فى غاية الصغر الدقة .

والمعنى : يا بنى إن ما تفعله من حسنة أو سيئة ، سواء أكان فى نهاية القلة والصغر ، كمثال حبة من خردل ، أم كان هذا الشئ القليل مخبوءا فى صخرة من الصخور الملقاة فى فجاد الأرض ، أم كان فى السماوات أم فى الأرض ، فإن الله - تعالى - يعلمه ويحضره ويجازى عليه { إِنَّ الله } - تعالى - لطيف خبير أى : محيط بجميع الأشياء جليلها وحقيرها ، عظيمها وصغيرها .

فالمقصود من الآية الكريمة ، غرس الهيبة والخشية والمراقبة لله - تعالى - سبحانه - لا يخفى عليه شئ فى هذا الكون ، مهما دق وقل وتخفى فى أعماق الأرض والسماء .

وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { وَنَضَعُ الموازين القسط لِيَوْمِ القيامة فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وكفى بِنَا حَاسِبِينَ }

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثۡقَالَ حَبَّةٖ مِّنۡ خَرۡدَلٖ فَتَكُن فِي صَخۡرَةٍ أَوۡ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَوۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَأۡتِ بِهَا ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٞ} (16)

{ يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل } أي أن الخصلة من الإحسان أو الإساءة إن تك مثلا في الصغر كحبة الخردل . ورفع نافع { مثقال } على أن الهاء ضمير القصة وكان تامة وتأنيثها لإضافة المثقال إلى الحبة كقول الشاعر :

*** كما شرقت صدر القناة من الدم ***

أو لأن المراد به الحسنة أو السيئة . { فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض } في أخفى مكان وأحرزه كجوف صخرة أو أعلاه كمحدب السموات أو أسفله كمقعر الأرض . وقرئ بكسر الكاف من وكن الطائر إذا استقر في وكنته . { يأت بها الله } يحضرها فيحاسب عليها . { إن اله لطيف } يصل علمه إلى كل خفي . { خبير } عالم بكنهه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثۡقَالَ حَبَّةٖ مِّنۡ خَرۡدَلٖ فَتَكُن فِي صَخۡرَةٍ أَوۡ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَوۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَأۡتِ بِهَا ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٞ} (16)

تكرير النداء لتجديد نشاط السامع لوعي الكلام . وقرأ نافع وأبو جعفر { إن تَكُ مثقالُ } برفع { مثقالُ } على أنه فاعل { تَكُ مِن ( كان ) التامة . وإنما جيء بفعله بتاء المضارعة للمؤنثة ، وأعيد عليه الضمير في قوله بها } مؤنثاً مع أن { مثقال لفظ غير مؤنث لأنه أضيف إلى حبة } فاكتسب التأنيث من المضاف إليه ، وهو استعمال كثير إذا كان المضاف لو حذف لما اختل الكلام بحيث يستغنى بالمضاف إليه عن المضاف ، وعليه فضمير { إنها } للقصة والحادثة وهو المسمى بضمير الشأن ، وهو يقع بصورة ضمير المفردة المؤنثة بتأويل القصة ، ويختار تأنيث هذا الضمير إذا كان في القصة لفظ مؤنث كما في قوله تعالى { فإنها لا تَعْمَى الأبصار } [ الحج : 46 ] ، ويكثر وقوع ضمير الشأن بعد ( إنَّ ) كقوله تعالى { إنه مَن يأتِ ربه مجرماً فإنَّ له جَهَنم لا يَمُوت فيها ولا يَحْيى } [ طه : 74 ] ، ومن ذلك تقدير ضمير الشأن اسماً لحرف ( أنَّ ) المفتوحة المخففة ، وهو يفيد الاهتمام بإقبال المخاطب على ما يأتي بعده ، فاجتمع في هذه الجملة ثلاثة مؤكدات : النداء ، وإنَّ ، وضمير القصة ، لعظم خطر ما بعده المفيد تقرير وصفه تعالى بالعلم المحيط بجميع المعلومات من الكائنات ، ووصفه بالقدرة المحيطة بجميع الممكنات بقرينة قوله { يأت بها الله } .

وقد أفيد ذلك بطريق دلالة الفحوى ؛ فذُكر أدقُّ الكائنات حالاً من حيث تعلق العلم والقدرة به ، وذلك أدق الأجسام المختفي في أصْلَب مكان أو أقصاه وأعزِّه منالاً ، أو أوسعه وأشده انتشاراً ، ليعلم أن ما هو أقوى منه في الظهور والدّنو من التناول أولى بأن يحيط به علم الله وقدرته . وقرأه الباقون بنصب { مثقالَ } على الخبرية ل { تكُ } مِن ( كان ) الناقصة ، وتقدير اسم لها يدل عليه المقام مع كون الفعل مسنداً لمؤنث ، أي إن تك الكائنة ، فضمير { إنها } مراد منه الخصلة من حسنة أو سيئة أخذاً من المقام .

والمثقال بكسر الميم : ما يقدر به الثقل ولذلك صيغ على زنة اسم الآلة .

والحبة : واحدة الحَبّ وهو بذر النبات من سنابل أو قطنية بحيث تكون تلك الواحدة زريعة لنوعها من النبات ، وقد تقدم في سورة البقرة ( 261 ) قوله { كَمَثَل حَبَّة أنبتَتْ سَبْع سَنَابل } وقوله { إنَّ الله فَالِق الحَب والنَّوى } في سورة الأنعام ( 95 ) .

والخردل : نبت له جذر وساق قائمة متفرعة إسطوانية أوراقها كبيرة يُخرج أزهاراً صغيرة صُفْراً سنبلية تتحول إلى قرون دقيقة مربعة الزوايا تخرج بزوراً دقيقة تسمى الخردل أيضاً ، ولبّ تلك البزور شديد الحرارة يلدغ اللسان والجلد ، وهي سريعة التفتق ينفتق عنها قشرها بدقّ أو إذا بلت بمائع ، فتستعمل في الأدوية ضَمَّادات على المواضع التي فيها التهاب داخلي من نزلة أو ذات جنْب وهو كثير الاستعمال في الطب قديماً وحديثاً . وقد أخذ الأطباء يستغنون عنه بعقاقير أخرى . وتقدم نظير هذا في سورة الأنبياء ( 47 ) { فلا تُظْلَم نفس شيئاً وإن كان مثقالُ حَبة من خردل أتينَا بها } وقوله { أو في السموات } عطف على { في صخرة } لأن الصخرة من أجزاء الأرض فذكر بعدها { أو في السماوات } على معنى : أو كانت في أعزّ مَنَالاً من الصخرة ، وعطف عليه { أو في الأرض } وإنما الصخرة جزء من الأرض لقصد تعميم الأمكنة الأرضية فإن الظرفية تصدق بهما ، أي : ذلك كله سواء في جانب علم الله وقدرته ، كأنه قال : فتكن في صخرة أو حيث كانت من العالم العلوي والعالم السفلي وهو معنى قوله { وما يعزب عن ربك مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء ولا أصغرَ من ذلك ولا أكبرَ إلا في كتاب مبين } [ يونس : 61 ] .

والإتيان كناية عن التمكن منها ، وهو أيضاً كناية رمْزيَّة عن العلم بها لأن الإتيان بأدق الأجسام من أقصى الأمكنة وأعمقها وأصلبها لا يكون إلا عن علم بكونها في ذلك المكان وعلم بوسائل استخراجها منه .

وجملة { إن الله لطيف خبير } يجوز أن تكون من كلام لقمان فهي كالمقصد من المقدمة أو كالنتيجة من الدليل ، ولذلك فصلت ولم تعطف لأن النتيجة كبدل الاشتمال يشتمل عليها القياس ولذلك جيء بالنتيجة كلية بعد الاستدلال بجزئية . وإنما لم نجعلها تعليلاً لأن مقام تعليم لقمان ابنه يقتضي أن الابن جاهل بهذه الحقائق ، وشرط التعليل أن يكون مسلَّماً معلوماً قبل العلم بالمعلَّل ليصح الاستدلال به . ويجوز أن تكون معترضة بين كلام لقمان تعليماً من الله للمسلمين .

واللطيف : مَن يعلم دقائق الأشياء ويسلك في إيصالها إلى من تصلح به مسلك الرفق ، فهو وصف مؤذن بالعلم والقُدرة الكاملين ، أي يعلم ويقدر وينفذ قدرته ، وتقدم في قوله { وهو اللطيف الخبير } في سورة الأنعام ( 103 ) . ففي تعقيب { يأت بها الله } بوصفه ب ( اللطيف ) إيماء إلى أن التمكن منها وامتلاكها بكيفية دقيقة تناسب فلق الصخرة واستخراج الخردلة منها مع سلامتهما وسلامة ما اتصل بهما من اختلال نظام صُنعه . وهنا قد استوفى أصول الاعتقاد الصحيح .

وجملة { إن الله لطيف خبير } [ لقمان : 16 ] يجوز أن تكون من كلام لقمان وأن تكون معترضة من كلام الله تعالى .