فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثۡقَالَ حَبَّةٖ مِّنۡ خَرۡدَلٖ فَتَكُن فِي صَخۡرَةٍ أَوۡ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَوۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَأۡتِ بِهَا ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٞ} (16)

{ يا بنيّ إنها } الضمير عائد إلى الخطيئة ، لما روي أن ابن لقمان قال لأبيه : يا أبت إن عملت الخطيئة حيث لا يراني أحد هل يعلمها الله ؟ فقال إنها أي الخطيئة { إن تلك } بالفوقية على معنى إن تك الخطيئة ، أو المسألة أو الخصلة أو القصة { مثقال } قرئ بالنصب على أنه خبر كان ، واسمها هو أحد تلك المقدورات وقرئ بالرفع على أنه اسم كان وهي تامة وأنث الفعل في هذه القراءة لإضافة مثقال إلى المؤنث أي : زنة { حبة من خردل } والجملة الشرطية مفسرة للضمير ، قال الزجاج : التقدير أن التي سألتني عنها إن تك مثقال حبة من جنس الخردل ، وعبر بالخردلة لأنها أصغر الحبوب ، ولا يدرك ثقلها بالحس ، ولا ترجح ميزانا ، ثم زاد في بيان خفاء الحبة مع خفتها وصغرها فقال :

{ فتكن في صخرة } فإنها عند كونها في الصخرة قد صارت في أخفى مكان وأحرزه ، قرئ فتكن بضم الكاف ، ومن الكن الذي هو الشيء المغطى قال السدي : هذه صخرة ليست في السماوات والأرض ، وقال ابن عباس : صخرة تحت الأرضين السبع ، وهي التي تكتب فيها أعمال الفجار ، وهي السجين وخضرة السماء منها ، وقيل : غير ذلك .

{ أو في السماوات أو في الأرض } أي حيث كانت من بقاع السماوات أو بقاع الأرض ، أي : في أخفى مكان من ذلك ، فالأخفى من الصخرة كأن تكون في صخرة تحت الأرضين السبع ، والأخفى من السماوات كأن تكون في أعلاها ، والأخفى من الأرض كأن تكون في أسفلها .

{ يأت بها الله } أي : يحضرها يوم القيامة ، ويحاسب فاعلها عليها { إن الله لطيف } باستخراجها لا تخفى عليه خافية ، بل يصل علمه إلى كل خفي { خبير } بمكانها ، وبكل شيء لا يغيب عنه شيء ، ومعنى الآية الإحاطة بالأشياء صغيرها وكبيرها .