اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثۡقَالَ حَبَّةٖ مِّنۡ خَرۡدَلٖ فَتَكُن فِي صَخۡرَةٍ أَوۡ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَوۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَأۡتِ بِهَا ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٞ} (16)

قوله : { يا بني إِنَّهَا } هذا الضمير يرجع إلى الخطيئة ، وذلك أن ابنَ لقمان قال لأبيه : يا أبت إنْ عملت الخطيئةَ حيث لا يراني أحد كيف يعلمها ( الله{[42447]} ) ؟ فقال : { يا بني إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ } . قوله : «إِنْ تَكُ » الضمير ضمير القصة ، والجملة الشرطية مفسرة ( للضمير{[42448]} ) ، وتقدم أن نافعاً يقرأ مِثْقَال{[42449]} بالرفع على أن كَانَ تامة{[42450]} وهو فاعلها وعلى هذا فيقال : لم ألحقت فله تاء التأنيث ؟ قيل : لإضافته إلى مؤنث ؛ ولأنه بمعنى «زِنَةُ حَبَّةٍ »{[42451]} ، وجوز الزمخشري في ضمير «إِنَّهَا » أن تكون للحبة من{[42452]} السيئات والإحسان في قراءة من نصب «مِثْقَال » . وقيل : الضمير يعود على ما يفهم من{[42453]} سياق الكلام أي إنَّ التي سألتَ عنها ( إنْ تَكُ{[42454]} ) ، قال المفسرون : إنه سأل أباه أرأيت الحَبَّةَ تقع في{[42455]} مغاص البحر يعلمها الله ؟ .

قوله : «فتكن » الفاء لإفادة الاجتماع يعني إن كانت صغيرة ومع صغرها تكون خفيةً في موضع حريز{[42456]} كالصَّخْرَةِ لا تخفى على الله لأن الفاء للاتصال بالتعقيب وقرأ عبد الكريم الجَحْدَريُّ{[42457]} «فَتكِنَّ » بكسر{[42458]} الكاف ، وتشديد النون مفتوحة أي فتستقر .

وقرأ مُحَمَّدُ بْنُ أبي مُحَمَّد{[42459]} البَعْلَبَكِّيِّ : فَتُكَنَّ ، إِلا أنه مبنيٌّ للمجهول{[42460]} ، وقتادة «فَتَكِنْ » بكسر الكاف وتخفيف النون مضارع «وَكَنَ »{[42461]} أي استقر في وَكْنِهِ ووَكْرِهِ .

فصل :

الصخرة لا بد وأن تكون في السموات أو في الأرض فما الفائدة من ذكرها ؟ قال بعض المفسرين المراد بالصخرة صخرة عليها الثَّوْرُ وهي لا في الأرض{[42462]} ولا في السماء ، ( وقال{[42463]} الزمخشري : فيه إضمار تقديره إن تَكُنْ في صخرةٍ أو في موضع آخَرَ في السموات أو في الأرض ) . وقيل : هذا من تقديم الخاصّ وتأخر العام ، وهو جائز في مثل هذا التقسيم{[42464]} ، وقيل : خفاء الشيء يكون بطرق منها أن يكون في غاية الصِّغَرِ ، ومنها أن يكون بعيداً ، ومنها أن يكون في ظلمة ومنها أن يكون وراء حجاب فإن بيّن أحد هذه الأمور فلا يخفى في العادة فأثبت الله الرؤية والعلم مع انتفاء الشرائط فقوله : { إنْ تَكُ مثقال حبة من خردل } إشارة إلى الصغر ، وقوله : { فتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ } إشارة ( إلى الحِجَاب ، وقوله : «فِي السَّمَوَاتِ » إشارة{[42465]} إلى البُعد ، فإنها أبعدُ الأبعاد ، وقوله : { أَوْ فِي الأَرْضِ } إشارة ) إلى الظلمة فإن جوْف الأرض أظلمُ الأماكن ، وقوله : { يأت بها الله } أبلغ من قول القائل : يعلمه الله لأن من يظهر له شيء ( ولا يقدر{[42466]} على إظهاره لغيره يكون حاله في العلم دونَ حال من يَظْهَرُ له الشيء ) ويُظْهِرُهُ لغيره فقوله : { يَأْتِ بِهَا الله } أي يظهرها ( للإشهار{[42467]} ) { إِنَّ الله لَطِيفٌ } نافذ القدرة ، «خَبِيرٌ » عالم ببواطن الأمور ، روي في بعض الكتب أن هذه آخر كلمة تكلم بها لقمانُ فانشقتْ مرارتُه من هَيْبَتِهَا فمات ، قال الحسن : معنى الآية هو{[42468]} الإحاطة بالأشياء صغيرها وكبيرها .


[42447]:ساقط من "ب".
[42448]:ساقط من "ب".
[42449]:تقدمت كلمة: "مثقال" في السور النساء ويونس، والأنبياء، ولكنه يقصد آية الأنبياء وهي قول الله- عز وجل-: "وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين". وهي الآية 47 من السورة هذه. انظر: اللباب 6/321. حيث أوضح هناك أن نافعاً يقرأ بالرفع كما ذكر أعلى.
[42450]:كان التامة هي التي لا تحتاج إلى اسم وخبر بل تحتاج إلى فاعل فقط كأي فعل متعدٍّ كهذه التي معنا، وكقول الله تعالى: "وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة".
[42451]:ذكره أبو حيان في بحره 7/187.
[42452]:انظر: كشافه 3/233 قال: "فمن نصب كان الضمير للهنة من الإساءة والإحسان أي: إن كانت مثلاً في الصغر والقماءة كحبة الخردل فكانت مع صغرها في أخفى موضع وأحرزه كجوف الصخرة".
[42453]:وهو ما يسمى بضمير القصة والبصريون يجيزون ذلك في المؤنث والمذكر على حدّ، بينما لم يجزه الكوفيون في المذكر. القرطبي 14/67.
[42454]:ساقط من "ب".
[42455]:نقله الكشاف 3/233.
[42456]:في "ب" جلد.
[42457]:لم أقف عليه.
[42458]:انظر: مختصر ابن خالويه في شواذ القراءات 117.
[42459]:هو محمد بن هاشم بن سعيد البعلبكي روى عنه أحمد بن عمير الدمشقي وغيره. انظر: اللباب في تهذيب الأسماء لابن الأثير 1/161 و 162.
[42460]:المرجع السابق.
[42461]:السابق والمحتسب 2/168 وانظر في هذه القراءات الشاذة أيضاً البحر 7/187 والقرطبي 14/67 والكشاف 3/233.
[42462]:انظر: تفسير الفخر الرازي 25/148.
[42463]:ما بين القوسين ساقط من "ب".
[42464]:في "ب" التفسير.
[42465]:ساقط من "ب".
[42466]:ما بين القوسين أيضاً ساقط من "ب".
[42467]:ساقط من "ب".
[42468]:في "ب" هي.