الآية 16 وقوله تعالى : { يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله } .
لا يحتمل أن يكون هذا الكلام والقول من لقمان ، كان لابنه ابتداء من غير سؤال . لكن لا يعلم ما كان السؤال وعما كان ؟
فأما إن كان السؤال عن علمه ، فأخبره( {[16198]} ) بما ذكر من حبة مستترة( {[16199]} ) مكنونة في أخفى الأمكنة عن الخلق في ما لا يطلع أحد منهم ، ولا يبلغه علم الخلائق { يأت بها الله } أي يعلمها الله .
فإن كان على هذا ذكر فيلزمهم أن يكونوا أبدا مراقبين أعمالهم وأحوالهم في جميع حالاتهم وأوقاتهم وجميع أمورهم لما لا يخفى عليه شيء .
[ وأما إن كان ]( {[16200]} ) السؤال عن قدرة الله وسلطانه فأخبر أن الله تعالى قادر على استخراج تلك الحبة التي استترت ، واحتجبت عن الخلق بالحجب التي ذكر ما تعجز الخلائق عن استخراج مثلها من مثل تلك الحجب والأمكنة ، فيخافون قدرة الله ، ويهابون سلطانه في الانتقام منهم في مخالفة أمره ونهيه .
[ وأما إن كان ]( {[16201]} ) السؤال عن الرزق ، فيخبر بهذا : أن الشيء ، وإن كان في مكان لا يبلغه وسع البشر وحيلتهم في استخراج ذلك منه والوصول إليه بحال ، فالله سبحانه بلطفه يرزق الخلق /417-أ/ بأشياء خارجة عن وسعهم وحيلهم ما لا يقع لهم الطمع في ذلك ليكونوا أبدا في حال مطمئنين في الرزق ، لا يؤلمهم( {[16202]} ) عجزهم ولا تعذر حيلهم عن ذلك ، ولا يعلقون( {[16203]} ) قلوبهم في الرزق بالأسباب التي بها يكتسبون . ولذلك قال : { ويرزقه من حيث لا يحتسب } [ الطلاق : 3 ] .
[ وأما إن كان ]( {[16204]} ) السؤال عن جزاء ما يعمل المرء من قليل أو كثير ومما عظم ، ولطف ، فيخبر أنه يجزي بقليل العمل أو كثيره . وكذلك يقول بعض أهل التأويل ذلك : { يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل } من خير أو شر { فتكن في صخرة } في جبل { أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله } [ أي يجاز بها ]( {[16205]} ) الله ، فيكون على هذا التأويل كقوله : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره } [ الزلزلة : 7 ] .
فأي شيء كان ففي ذلك دلالة وحدانية الله ودلالة علمه وتدبيره ودلالة قدرته وسلطانه ودلالة الثقة به والتوكل عليه في الرزق والتفويض في الأمر في كل ما خرج عن وسع الخلق ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { إن الله لطيف خبير } قال عامة أهل التأويل { إن الله لطيف } في استخراج تلك الحبة { خبير } بمكانها . وتأويل هذا الكلام أي يستخرج تلك الحبة من الحجب التي ذكر والأستار التي بين استخراجا ، لا يشعر بها أحد ، ولا يعلم( {[16206]} ) كيفية الاستخراج منها ولا ماهيته . واللطيف هو بار . ثم يخرج هو على وجهين :
أحدهما : البار( {[16207]} ) في ما أرسل من الرسل( {[16208]} ) وما أنزل من الكتب ليدلهم إلى ما يهتدون إلى ما به نجاتهم ، والخبير( {[16209]} ) بحوائجهم .
والثاني : في استخراج أمور ، لا يبلغها وسع الخلق ولا علمهم وحيلهم ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.