ثم إن ابن لقمان قال لأبيه : يا أبتِ إن عملت الخطيئة حيث لا يراني أحد كيف يعلمها الله تعالى فقال : { يا بني } مجيباً له مستعطفاً مصغراً له بالنسبة إلى حلم شيء من غضب الله تعالى { إنها } أي : الخطيئة { إن تك } وأسقط النون لغرض الإيجاز في الإيصاء { مثقال } أي : وزن ، ثم حقرها بقوله { حبة } وزاد في ذلك بقوله { من خردل } أي : إن تكن في الصغر كحبة الخردل ، وقرأ نافع مثقال بالرفع على أنّ الهاء ضمير الخطيئة كما مر أو القصة وكان تامة ، وتأنيثها الإضافة المثقال إلى الحبة كقول الأعشى :
وتشرق بالقول الذي قد ذكرته *** كما شرقت صدر القناة من الدم
والشرق الغصة ، يقال شرق بريقه أي : غص ، والشاهد في شرقت حيث إنه لإضافة الصدر إلى القناة ، وصدرها ما فوق نصفها ، ثم أثبت النون في قوله مبيناً عن صغرها { فتكن } إشارة إلى ثباتها في مكانها وليزداد شوق النفس إلى محط الفائدة ويذهب الوهم كل مذهب معبراً عن أعظم الخفاء وأتم الأحوال { في صخرة } أيّ صخرة كانت ولو أنها أشد الصخور وأخفاها .
ولما أخفى وضيق أظهر ووسع ورفع وخفض ليكون أعظم لضياعها لحقارتها بقوله { أو في السماوات } أي : في أيّ مكان منها على سعة أرجائها وتباعد أنحائها ، وأعاد أو نصاً على إرادة كل منهما على حدته بقوله { أو في الأرض } أي : كذلك وهذا كما ترى لا ينفي أن تكون الصخرة فيهما أو في غيرهما أو في أحدهما .
وأخرج ابن أبي حاتم عن عليّ بن رياح أنه لما وعظ لقمان ابنه وقال إنها إن تك الآية أخذ حبة من خردل فأتى بها إلى اليرموك فألقاها في عرضه ، ثم مكث ما شاء الله تعالى ، ثم ذكرها وبسط يده فأقبل بها ذباب حتى وضعها في راحته ، وقال بعض المفسرين : المراد بالصخرة : صخرة عليها الثور وهي لا في الأرض ولا في السماء ، وقال الزمخشري : فيه إضمار تقديره إن تكن في صخرة أو في موضع آخر في السماوات أو في الأرض ، وقيل : هذا من تقديم الخاص وتأخير العامّ وهو جائز في مثل هذا التقسيم ، وقيل : خفاء الشيء يكون بطرق : منها : أن يكون في غاية الصغر ، ومنها : أن يكون بعيداً ، ومنها أن يكون في ظلمة ، ومنها : أن يكون وراء حجاب فإذا امتنعت هذه الأمور فلا يخفى في العادة فأثبت لله الرؤية والعلم مع انتفاء الشرائط بقوله إن تك مثقال حبة من خردل إشارة إلى الصغر ، وقوله فتكن في صخرة إشارة إلى الحجاب وقوله أو في السماوات إشارة إلى البعد فإنها أبعد الأبعاد ، وقوله أو في الأرض إشارة إلى الظلمات فإن جوف الأرض أظلم الأماكن وقوله { يأت بها الله } أبلغ من قول القائل يعلمها الله لأنّ من يظهر له شيء ولا يقدر على إظهاره لغيره يكون حاله في العلم دون حال من يظهر له الشيء ويظهره لغيره ، فقوله يأت بها الله أي : يظهرها للإشهاد يوم القيامة فيحاسب بها عاملها .
{ إنّ الله } أي : الملك العظيم { لطيف } أي : نافذ القدرة يتوصل علمه إلى كل خفي عالم بكنهه ، وعن قتادة لطيف باستخراجها { خبير } أي : عالم ببواطن الأمور فيعلم مستقرها ، روي في بعض الكتب أنّ هذه آخر كلمة تكلم بها لقمان فانشقت مرارته من هيبتها فمات .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.