قوله تعالى : { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى } الآية . قال ابن عباس :نزلت في ثابت بن قيس ، وقوله للرجل الذي لم يفسح له : ابن فلانة ، يعيره بأمه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : من الذاكر فلانة ؟ فقال ثابت : أنا يا نبي الله ، فقال :انظر في وجوه القوم فنظر فقال : ما رأيت يا ثابت ؟ قال : رأيت أبيض وأحمر وأسود ، قال : فإنك لا تفضلهم إلا في الدين والتقوى ، فنزلت في ثابت هذه الآية ، وفي الذي لم يتفسح : { يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا } ( المجادلة-11 ) . وقال مقاتل : لما كان يوم فتح مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً حتى علا ظهر الكعبة وأذن له ، فقال عتاب بن أسيد بن أبي العيص : الحمد لله الذي قبض أبي حتى لم ير هذا اليوم ، وقال الحارث بن هشام : أما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذناً ، وقال سهيل ابن عمرو : إن يرد الله شيئاً يغيره . وقال أبو سفيان : إني لا أقول شيئا أخاف أن يخبر به رب السماء ، فنزل جبريل فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قالوا : فدعاهم وسألهم عما قالوا فأقروا فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وزجرهم عن التفاخر بالأنساب والتكاثر بالأموال والإزار بالفقراء ، فقال : { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى } يعني آدم وحواء أي إنكم متساوون في النسب . { وجعلناكم شعوباً } جمع شعب بفتح الشين ، وهي رؤوس القبائل مثل : ربيعة ومضر والأوس والخزرج ، سموا شعوباً لتشعبهم واجتماعهم ، كشعب أغصان الشجر ، والشعب من الأضداد يقال : شعب ، أي : جمع ، وشعب أي : فرق . { وقبائل } وهي دون الشعوب ، واحدتها قبيلة وهي كبكر من ربيعة وتميم من مضر ، ودون القبائل العمائر ، واحدتها عمارة ، بفتح العين ، وهم كشيبان من بكر ، ودارم من تميم ، ودون العمائر البطون ، واحدتها بطن ، وهم كبني غالب ولؤي من قريش ، ودون البطون الأفخاذ واحدتها فخذهم كبني هاشم وأمية من بني لؤي ، ثم الفصائل ، والعشائر واحدتها فصيلة وعشيرة ، بعد العشيرة حتى يوصف به . وقيل : الشعوب من العجم ، والقبائل العرب ، والأسباط من بني إسرائيل . وقال أبو روق : الشعوب من الذين لا يعتزون إلى أحد ، بل ينتسبون إلى المدائن والقرى ، والقبائل العرب الذين ينتسبون إلى آبائهم . { لتعارفوا } ليعرف بعضكم بعضاً في قرب النسب وبعده ، لا ليتفاخروا . ثم أخبر أن أرفعهم منزلة عند الله أتقاهم فقال : { إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير } قال قتادة في هذه الآية : إن أكرم الكرم التقوى ، وألأم اللؤم الفجور .
أخبرنا أبو بكر بن أبي الهيثم الترابي ، أنبأنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حمويه ، أنبأنا إبراهيم بن خزيم الشاسي ، حدثنا عبد الله بن حميد ، حدثنا يونس بن محمد ، حدثنا سلام بن أبي مطيع ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة بن جندب قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " الحسب المال ، والكرم التقوى " ، وقال ابن عباس : كرم الدنيا الغنى ، وكرم الآخرة التقوى . أخبرنا أبو بكر بن أبي الهيثم ، أنبأنا عبد الله بن أحمد بن حمويه ، أنبأنا إبراهيم بن خزيم ، حدثنا عبد الله بن حميد ، أنبأنا الضحاك بن مخلد ، عن موسى بن عبيدة ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف يوم الفتح على راحلته يستلم الأركان بمحجنه ، فلما خرج لم يجد مناخاً ، فنزل على أيدي الرجال ، ثم قام فخطبهم فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : الحمد لله الذي أذهب عنكم عيبة الجاهلية وتكبرها بآبائها ، إنما الناس رجلان بر تقي كريم على الله ، وفاجر شقي هين على الله ، ثم تلا { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى } ثم قال : أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم " .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا محمد هو ابن سلام ، حدثنا عبدة عن عبيد الله ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة قال : " سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الناس أكرم ؟ قال : أكرمهم عند الله أتقاهم ، قالوا : ليس عن هذا نسألك ، قال : فأكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله . قالوا : ليس عن هذا نسألك ، قال : فعن معادن العرب تسألوني ؟ قالوا : نعم قال : فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا " .
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد ، أنبأنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا عمرو الناقد ، حدثنا كثير بن هشام ، حدثنا جعفر بن برقان ، عن يزيد بن الأصم ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " .
{ 13 } { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }
يخبر تعالى أنه خلق بني آدم ، من أصل واحد ، وجنس واحد ، وكلهم من ذكر وأنثى ، ويرجعون جميعهم إلى آدم وحواء ، ولكن الله [ تعالى ] بث منهما رجالاً كثيرا ونساء ، وفرقهم ، وجعلهم شعوبًا وقبائل أي : قبائل صغارًا وكبارًا ، وذلك لأجل أن يتعارفوا ، فإنهم لو استقل كل واحد منهم بنفسه ، لم يحصل بذلك ، التعارف الذي يترتب عليه التناصر والتعاون ، والتوارث ، والقيام بحقوق الأقارب ، ولكن الله جعلهم شعوبًا وقبائل ، لأجل أن تحصل هذه الأمور وغيرها ، مما يتوقف على التعارف ، ولحوق الأنساب ، ولكن الكرم بالتقوى ، فأكرمهم عند الله ، أتقاهم ، وهو أكثرهم طاعة وانكفافًا عن المعاصي ، لا أكثرهم قرابة وقومًا ، ولا أشرفهم نسبًا ، ولكن الله تعالى عليم خبير ، يعلم من يقوم منهم بتقوى الله ، ظاهرًا وباطنًا ، ممن يقوم بذلك ، ظاهرًا لا باطنًا ، فيجازي كلا ، بما يستحق .
وفي هذه الآية دليل على أن معرفة الأنساب ، مطلوبة مشروعة ، لأن الله جعلهم شعوبًا وقبائل ، لأجل ذلك .
وبعد هذه النداءات الخمسة للمؤمنين ، التى اشتملت على الآداب النفسية والاجتماعية . . وجه - سبحانه - نداء إلى الناس جميعا ، ذكرهم فيه بأصلهم وبميزان قبولهم عنده ، فقال - سبحانه - : { ياأيها الناس . . . } .
وقد ورد فى سبب نزول هذه الآية روايات منها : أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمر بنى بياضة أن يزوجوا امرأة منهم لأبى عند - وكان حجاما للنبى - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : يا رسول الله ، نزوج بناتنا - موالينا - أى : عبيدنا ، فأنزل الله - تعالى - هذه الآية .
والمراد بالذكر والأنثى : آدم وحواء . أى : خلقناكم من أب واحد ومن أم واحدة ، فأنتم جميعا تنتسبون إلى اصل واحد ، ويجمعكم وعاء واحد ، وما داما لأمر كذلك فلا وجه للتفاخر بالحساب والأنساب .
قال الآلوسى : أى خلقناكم من آدم وحواء ، فالكل سواء فى ذلك ، فلا وجه للتفاخر بالنسب ، كما قال الشاعر :
الناس فى عالم التمثيل أكفاء . . . أبوهم آدم والأم حواء .
وجوز أن يكون المراد هنا : إنا خلقنا كل واحد منكم من أب وأم ، ويبعده عدم ظهور ترتب ذم التفاخر بالنسب عليه ، والكلام مساق له . .
وقوله : { وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لتعارفوا } بيان لما ترتب على خلقهم على تلك الصورة ، وللحكمة من ذلك .
والشعوب : جمع شعب ، وهو العدد الكثير من الناس يجمعهم - فى الغالب أصل واحد .
والقبائل : جمع قبيلة وتمثل جزاء من الشعب ، إذ أن الشعب مجموعة من القبائل .
قال صاحب الكشاف : والشعب الطبقة من الطبقات الست التى علها العرب .
وهى : الشعب ، والقبيلة ، والعمارة ، والبطن ، والفخذ ، والفصيلة . . وسميت الشعوب بذلك ، لأن قبائل تشعبت منها . .
والمعنى : خلقناكم - أيها الناس - من ذكر وأنثى ، وجعلناكم شعوبا وقبائل { لتعارفوا } أى : ليعرف بعضكم نسب بعض ، فينتسب كل فرد إلى آياته ، ولتتواصلوا فيما بينكم وتتعاونوا على البر والتقوى ، لا ليتفاخر بعضكم على بعض بحسبه أو نسبه أو جاهه .
وقوله - سبحانه - { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أَتْقَاكُمْ } تعليل لما بدل ------------ النهى عن التفاخر بالأنساب .
أى : إن أرفعكم منزلة عند الله ، وأعلاكم عنده - سبحانه - درجة . . هو أكثرهم تقوى وخشية منه - تعالى - فإنه أردتم الفخر ففاخروا بالتقوى وبالعمل الصالح .
{ إِنَّ الله عَلِيمٌ } بكل أحوالكم { خَبِيرٌ } بما ترونه وتعلنونه من أقوال وأفعال .
وقد ساق الإِمام ابن كثير - رحمه الله - عند تفسيره لهذه الآية . جملة من الأحاديث التى تنهى عن التفاخر ، وتحض على التقوى ، فقال : فجميع الناس فى الشرف بالنسبة الطينية إلى آدم وحواء سواء ، وإنما يتفاضلون بالأمر الدينية ، وهى طاعة الله ورسوله . .
روى البخارى - بسدنه - عن أبى هريرة قال : " سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أى الناس كرم ؟ قال : " أكرمهم اتقاهم قالوا : ليس عن هذا نسألك قال : فأكرم الناس يوسف نبى لله ، ابن خليل الله ، قالوا : ليس عن هذا نسألك . قال : فعن معادن العرب تسألونى ؟ قالوا : نعم . قال : فخياركم فى الجاهلية خياركم فى الإِسلام إذا فقهوا " " .
وروى مسلم عن أبى هريرة قال : " قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن الله لا ينظر إلى صوركم موالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " .
وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس يوم فتح مكة قال : " يأيها الناس إن الله قد أذهب عنكم عُبَيَّةَ الجاهلية - أى تكبرها ، وتعظمها بآبائها ، الناس رجلان ، رجل يرتقى كريم على الله ، وفاجر شقى هين على الله . إن الله - تعالى - يقول : { ياأيها الناس إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأنثى . . } ثم قال : " أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم " " .
يقول تعالى مخبرًا للناس أنه خلقهم من نفس واحدة ، وجعل منها زوجها ، وهما آدم وحواء ، وجعلهم شعوبا ، وهي أعم من القبائل ، وبعد القبائل مراتب أخر كالفصائل والعشائر والعمائر والأفخاذ وغير ذلك .
وقيل : المراد بالشعوب بطون العَجَم ، وبالقبائل بطون العرب ، كما أن الأسباط بطون بني إسرائيل . وقد لخصت هذا في مقدمة مفردة جمعتها من كتاب : " الإنباه " لأبي عمر{[27198]} بن عبد البر ، ومن كتاب " القصد والأمم ، في معرفة أنساب العرب والعجم " . فجميع الناس في الشرف بالنسبة الطينية إلى آدم وحواء سواء ، وإنما يتفاضلون بالأمور الدينية ، وهي طاعة الله ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ ولهذا قال تعالى بعد النهي عن الغيبة واحتقار بعض الناس بعضًا ، منبها على تساويهم في البشرية : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا } أي : ليحصل التعارف بينهم ، كلٌ يرجع إلى قبيلته .
وقال مجاهد في قوله : { لِتَعَارَفُوا } ، كما يقال : فلان بن فلان من كذا وكذا ، أي : من قبيلة كذا وكذا .
وقال سفيان الثوري : كانت حِمْير ينتسبون إلى مَخَالِيفها ، وكانت عرب الحجاز ينتسبون إلى قبائلها .
وقد قال{[27199]} أبو عيسى الترمذي : حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن عبد الملك بن عيسى الثقفي ، عن يزيد - مولى المنبعث - عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ؛ فإن صلة الرحم محبة في الأهل ، مثراة في المال ، منسأة في الأثر " . ثم قال : غريب ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه {[27200]} .
وقوله : { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } أي : إنما تتفاضلون عند الله بالتقوى لا بالأحساب . وقد وردت الأحاديث بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
قال {[27201]} البخاري رحمه الله : حدثنا محمد بن سلام ، حدثنا عبدة ، عن عبيد الله ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الناس أكرم ؟ قال : " أكرمهم عند الله أتقاهم " قالوا : ليس عن هذا نسألك . قال : " فأكرم الناس يوسف نبي الله ، ابن نبي الله ، ابن خليل الله " . قالوا : ليس عن هذا نسألك . قال : " فعن معادن العرب تسألوني ؟ " قالوا : نعم . قال : " فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فَقِهُوا " {[27202]} .
وقد رواه البخاري في غير موضع من طرق عن عبدة بن سليمان {[27203]} . ورواه النسائي في التفسير من حديث عبيد الله - وهو ابن عمر العمري - به{[27204]} .
حديث آخر : قال مسلم{[27205]} ، رحمه الله : حدثنا عمرو الناقد ، حدثنا كَثِير بن هشام ، حدثنا جعفر بن برقان ، عن يزيد بن الأصم ، عن أبي هريرة{[27206]} قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " .
ورواه ابن ماجه عن أحمد بن سنان ، عن كَثِير بن هشام ، به {[27207]} .
حديث آخر : وقال{[27208]} الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، عن أبي هلال ، عن بكر ، عن أبي ذر قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : " انظر ، فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود إلا أن تفضله بتقوى {[27209]} . تفرد به أحمد {[27210]} .
حديث آخر : وقال {[27211]} الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا أبو عبيدة عبد الوارث بن إبراهيم العسكري ، حدثنا عبد الرحمن بن عمرو بن جَبَلة ، حدثنا عبيد بن حنين الطائي ، سمعت محمد بن حبيب بن خِرَاش العَصَرِيّ ، يحدث عن أبيه : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول{[27212]} : المسلمون إخوة ، لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى " {[27213]}
حديث آخر : قال {[27214]} أبو بكر البزار في مسنده : حدثنا أحمد بن يحيى الكوفي ، حدثنا الحسن بن الحسين ، حدثنا قيس - يعني ابن الربيع - عن شبيب بن غَرْقَدَة {[27215]} ، عن المستظل بن حصين ، عن حذيفة {[27216]} قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كلكم بنو آدم . وآدم خلق من تراب ، ولينتهين قوم يفخرون بآبائهم ، أو ليكونن أهون على الله من الجِعْلان " .
ثم قال : لا نعرفه عن حذيفة إلا من هذا الوجه {[27217]} .
حديث آخر : قال {[27218]} ابن أبي حاتم : حدثنا الربيع بن سليمان ، حدثنا أسد بن موسى ، حدثنا يحيى بن زكريا القطان ، حدثنا موسى بن عبيدة ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر قال : طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقته القَصْواء يستلم الأركان{[27219]} بمحجن في يده ، فما وجد لها مناخًا في المسجد حتى نزل صلى الله عليه وسلم على أيدي الرجال ، فخرج بها إلى بطن المسيل فأنيخت . ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبهم على راحلته ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو له أهل{[27220]} ثم قال : " يا أيها الناس ، إن الله قد أذهب عنكم عُبِّية الجاهلية وتعظمها بآبائها ، فالناس رجلان : رجل بر تقي كريم على الله ، وفاجر شقي هين على الله . إن الله يقول : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } ثم قال : " أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم " .
هكذا {[27221]} رواه عبد بن حميد ، عن أبي عاصم الضحاك بن مَخْلَد ، عن موسى بن عبيدة ، به {[27222]} .
حديث آخر : قال {[27223]} الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن إسحاق ، حدثنا ابن لَهِيعة ، عن الحارث بن يزيد ، عن علي بن رباح ، عن عقبة بن عامر ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن أنسابكم هذه ليست بمسبة على أحد ، كلكم بنو آدم طَفَّ الصاع لم يملؤه ، ليس لأحد على أحد فضل إلا بدين وتقوى ، وكفى بالرجل أن يكون بَذِيّا بخيلا فاحشًا " .
وقد رواه ابن جرير ، عن يونس ، عن ابن وهب ، عن ابن لَهِيعة ، به {[27224]} ولفظه : " الناس لآدم وحواء ، طف الصاع لم يَمْلَئُوه ، إن الله لا يسألكم عن أحسابكم ولا عن أنسابكم يوم القيامة ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم " .
وليس هو في شيء من الكتب الستة من هذا الوجه .
حديث آخر : قال{[27225]} الإمام أحمد : حدثنا أحمد بن عبد الملك ، حدثنا شريك ، عن سِمَاك ، عن عبد الله بن عَمِيرة زوج درة ابنة أبي لهب ، عن درة بنت أبي لهب قالت : قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر ، فقال : يا رسول الله ، أي الناس خير ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " خير الناس أقرؤهم ، وأتقاهم لله عز وجل ، وآمرهم بالمعروف ، وأنهاهم عن المنكر ، وأوصلهم للرحم " {[27226]} .
حديث آخر : قال{[27227]} الإمام أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا أبو الأسود ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة قالت : ما أعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء من الدنيا ، ولا أعجبه أحد قط ، إلا ذو تقى . تفرد به أحمد رحمه الله{[27228]} .
وقوله : { إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } أي : عليم بكم ، خبير بأموركم ، فيهدي من يشاء ، ويضل من يشاء ، ويرحم من يشاء ، ويعذب من يشاء ، ويفضل من يشاء على من يشاء ، وهو الحكيم العليم الخبير في ذلك كله . وقد استدل بهذه الآية الكريمة وهذه الأحاديث الشريفة ، من ذهب من العلماء إلى أن الكفاءة في النكاح لا تشترط ، ولا يشترط سوى الدين ، لقوله : { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } وذهب الآخرون إلى أدلة أخرى مذكورة في كتب الفقه ، وقد ذكرنا طرفا من ذلك في " كتاب الأحكام " ولله الحمد والمنة . وقد روى الطبراني عن عبد الرحمن أنه سمع رجلا من بني هاشم يقول : أنا أولى الناس برسول الله . فقال : غيرك أولى به منك ، ولك منه نسبه .
القول في تأويل قوله تعالى : { يَأَيّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىَ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوَاْ إِنّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } .
يقول تعالى ذكره : يا أيها الناس إنا أنشأنا خلقكم من ماء ذكر من الرجال ، وماء أنثى من النساء وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو هشام ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، قال : أخبرنا عثمان بن الأسود ، عن مجاهد ، قال : خلق الله الولد من ماء الرجل وماء المرأة ، وقد قال تبارك وتعالى يا أيّها النّاسُ إنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وأُنْثَى .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، قال : حدثنا عثمان بن الأسود ، عن مجاهد ، قوله : إنّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وأُنْثَى قال : ما خلق الله الولد إلا من نطفة الرجل والمرأة جميعا ، لأن الله يقول خَلَقْناكمْ مِنْ ذكَرٍ وأُنْثَى .
وقوله : وَجَعَلْناكُمْ شُعُوبا وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا يقول : وجعلناكم متناسبين ، فبعضكم يناسب بعضا نسبا بعيدا ، وبعضكم يناسب بعضا نسبا قريبا فالمناسب النسب البعيد من لم ينسبه أهل الشعوب ، وذلك إذا قيل للرجل من العرب : من أيّ شعب أنت ؟ قال : أنا من مضر ، أو من ربيعة . وأما أهل المناسبة القريبة أهل القبائل ، وهم كتميم من مضر ، وبكر من ربيعة ، وأقرب القبائل الأفخاذ وهما كشيبان من بكر ودارم من تميم ، ونحو ذلك ، ومن الشّعْب قول ابن أحمر الباهلي :
مِن شَعْبِ هَمْدانَ أوْ سَعْدِ العَشِيرَةِ أوْ *** خَوْلانَ أوْ مَذْحِجٍ هاجُوا لَهُ طَرَبا
وبنحو الذي قلنا في معنى قوله : وَجَعَلْناكُمْ شُعُوبا وَقَبائِلَ قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا بكر بن عياش ، قال : حدثنا أبو حُصين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس وَجَعلْناكُمْ شُعُوبا وَقَبائِلَ قال : الشعوب : الجُمّاع ، والقبائل : البطون .
حدثنا خلاد بن أسلم ، قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ، في قوله : وَجَعَلْناكُمْ شُعُوبا وَقَبائِلَ قال : الشعوب : الجُمّاع . قال خلاد ، قال أبو بكر : القبائل العظام ، مثل بني تميم ، والقبائل : الأفخاذ .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن عطية ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جُبَير وَجَعلْناكُمْ شُعُوبا وَقَبائِلَ قال : الشعوب : الجمهور ، والقبائل : الأفخاذ .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : شُعُوبا قال : النسب البعيد . وَقَبائِلَ دون ذلك .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَجَعَلْناكُمْ شُعُوبا وَقَبَائِلَ قال : الشعوب : النسب البعيد ، والقبائل كقوله : فلان من بني فلان ، وفلان من بني فلان .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وَجَعَلْناكُمْ شُعُوبا قال : هو النسب البعيد . قال : والقبائل : كما تسمعه يقال : فلان من بني فلان .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَجَعَلْناكُمْ شُعُوبا قال : أما الشعوب : فالنسب البعيد .
وقال بعضهم : الشعوب : الأفخاذ . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جُبير وَجَعَلْناكُمْ شُعُوبا وَقَبائِلَ قال : الشعوب : الأفخاذ ، والقبائل : القبائل .
وقال آخرون : الشعوب : البطون ، والقبائل : الأفخاذ . ذكر من قال ذلك :
حدثني يحيى بن طلحة ، قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس وَجَعَلْناكُمْ شُعُوبا وَقَبائِلَ قال : الشعوب : البطون ، والقبائل : الأفخاذ الكبار .
وقال آخرون : الشعوب : الأنساب . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثنى أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : وَجَعَلْناكُمْ شُعُوبا وَقَبائِلَ قال : الشعوب : الأنساب .
وقوله : لِتَعارَفُوا يقول : ليعرف بعضكم بعضا في النسب ، يقول تعالى ذكره : إنما جعلنا هذه الشعوب والقبائل لكم أيها الناس ، ليعرف بعضكم بعضا في قرب القرابة منه وبعده ، لا لفضيلة لكم في ذلك ، وقُربة تقرّبكم إلى الله ، بل أكرمكم عند الله أتقاكم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا قال : جعلنا هذا لتعارفوا ، فلان بن فلان من كذا وكذا .
وقوله : إنّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أتْقاكُمْ يقول تعالى ذكره : إن أكرمكم أيها الناس عند ربكم ، أشدّكم اتقاء له بأداء فرائضه واجتناب معاصيه ، لا أعظمكم بيتا ولا أكثركم عشيرة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني ابن لهيعة ، عن الحارث بن يزيد ، عن عليّ بن رباح ، عن عقبة بن عامر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «النّاسُ لاَدَمَ وَحَوّاءَ كَطَفّ الصّاعِ لَمْ يَملأوه ، إنّ اللّهَ لا يسألُكُمْ عَنْ أحْسابِكُمْ وَلا عَنْ أنْسابِكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ ، إن أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أتْقاكُمْ » .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني ابن لهيعة ، عن الحارث بن يزيد عن عليّ بن رباح ، عن عقبة بن عامر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إنّ أنْسابَكُمْ هَذِه لَيْسَتْ بِمَسابّ عَلى أحَدٍ ، وإنّمَا أنْتُمْ وَلَدُ آدَمَ طَفّ الصّاعِ لَمْ تملأوه ، لَيْسَ لأَحَدٍ على أحَد فَضْلٌ إلاّ بِدَيْنٍ أوْ عَمَلٍ صالِحٍ حَسْبُ الرّجُل أنْ يَكُونَ فاحِشا بَذِيّا بَخِيلاً جَبانا » .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن ابن جُرَيج ، قال : سمعت عطاء يقول : قال ابن عباس : ثلاث آيات جحدهنّ الناس : الإذن كله ، وقال : إنّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أتْقاكُمْ وقال الناس أكرمكم : أعظمكم بيتا وقال عطاء : نسيت الثالثة .
وقوله : إنّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ يقول تعالى ذكره : إن الله أيها الناس ذو علم بأتقاكم عند الله وأكرمكم عنده ، ذو خبرة بكم وبمصالحكم ، وغير ذلك من أموركم ، لا تخفى عليه خافية .
روي : أن رجلين من الصحابة بعثا سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يبغي لهما إداما : وكان أسامة على طعامه فقال : ما عندي شيء فأخبرهما سلمان فقالا : لو بعثناه إلى بئر سميحة لغار ماؤها ، فلما راحا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهما : " ما لي أرى حضرة اللحم في أفواهكما " فقالا : ما تناولنا لحما ، فقال : " إنكما قد اغتبتما " فنزلت .
{ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى } من آدم وحواء عليهما السلام ، أو خلقنا كل واحد منكم من أب وأم فالكل سواء في ذلك فلا وجه للتفاخر بالنسب . ويجوز أن يكون تقريرا للأخوة المانعة عن الاغتياب . { وجعلناكم شعوبا وقبائل } الشعب الجمع العظيم المنتسبون إلى أصل واحد وهو يجمع القبائل . والقبيلة تجمع العمائر . والعمارة تجمع البطون . والبطن تجمع الأفخاذ . والفخذ يجمع الفضائل ، فخزيمة شعب ، وكنانة قبيلة ، وقريش عمارة ، وقصي بطن ، وهاشم فخذ ، وعباس فصيلة . وقبل الشعوب بطون العجم والقبائل بطون العرب . { لتعارفوا } ليعرف بعضكم بعضا لا للتفاخر بالآباء والقبائل . وقرئ { لتعارفوا } بالإدغام و " لتتعارفوا " و " لتعرفوا " . { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } فإن التقوى بها تكمل النفوس وتتفاضل بها الأشخاص ، فمن أراد شرفا فليلتمسه منها كما قال عليه الصلاة والسلام " من سره أن يكون أكرم الناس فليتق الله " وقال عليه الصلاة والسلام " يا أيها الناس إنما الناس رجلان مؤمن تقي كريم على الله ، وفاجر شقي هين على الله " . { إن الله عليم } بكم { خبير } ببواطنكم .
قوله تعالى : { من ذكر وأنثى } يحتمل أن يريد آدم وحواء . فكأنه قال : إنا خلقنا جميعكم من آدم وحواء . ويحتمل أن يريد الذكر والأنثى اسم الجنس . فكأنه قال : إنا خلقنا كل واحد منكم من ماء ذكر وما أنثى . وقصد هذه الآية التسوية بين الناس . ثم قال تعالى : { وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا } أي لئلا تفاخروا ويريد بعضكم أن يكون أكرم من بعض . فإن الطريق إلى الكرم غير هذا : { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } وروى بو بكرة : قيل يا رسول الله : من خير الناس ؟ قال : «من طال عمره وحسن عمله »{[10492]} . وفي حديث آخر من خير الناس ؟ قال : «آمرهم بالمعروف . وأنهاهم عن المنكر . وأوصلهم للرحم وأتقاهم »{[10493]} . وحكى الزهراوي أن سبب هذه الآية غضب الحارث بن هشام وعتاب بن أسيد حين أذن بلال يوم فتح مكة على الكعبة{[10494]} ، وحكى الثعلبي عن ابن عباس أن سببها قول ثابت بن قيس لرجل لم يفسح عند النبي صلى الله عليه وسلم : يا ابن فلانة ، فوبخه النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال له : «إنك لا تفضل أحداً إلا في الدين والتقوى »{[10495]} فنزلت هذه الآية ونزل الأمر بالتفسح في ذلك أيضاً .
والشعوب : جمع شعب وهو أعظم ما يوجد من جماعات الناس مرتبطاً بنسب واحد ، ويتلوه القبيلة ، ثم العمارة ، ثم البطن ، ثم الفخذ ، ثم الأسرة والفصيلة : وهما قرابة الرجل الأدنون فمضر وربيعة وحمير شعوب ، وقيس وتميم ومذحج ومراد ، قبائل مشبهة بقبائل الرأس ، «لأنها قطع تقابلت » وقريش ومحارب وسليم عمارات ، وبنو قصي وبنو مخزوم بطون ، وبنو هاشم وبنو أمية أفخاذ ، وبنو عبد المطلب أسرة وفصيلة ، وقال ابن جبير : الشعوب : الأفخاذ . وروي عن ابن عباس الشعوب : البطون ، وهذا غير ما تمالأ{[10496]} عليه اللغويون . قال الثعلبي ، وقيل : الشعوب في العجم والقبائل في العرب ، والأسباط في بني إسرائيل . وأما الشعب الذي هو في همدان الذي ينسب إليه الشعبي فهو بطن يقال له الشعب .
قال القاضي أبو محمد : وقيل للأمم التي ليست بعرب : شعوبية ، نسبة إلى الشعوب ، وذلك أن تفصيل أنسابها خفي فلم يعرف أحد منهم إلا بأن يقال : فارسي تركي رومي زناتي . فعرفوا بشعوبهم وهي أعم ما يعبر به عن جماعتهم ، ويقال لهم الشعوبية بفتح الشين ، وهذا من تغيير النسب ، وقد قيل فيهم غير ما ذكرت ، وهذا أولى عندي .
وقرأ الأعمش : «لتتعارفوا » وقرأ عبد الله بن عباس : «لتعرفوا أن » ، على وزن تفعِلوا بكسر العين وفتح الألف من «أن » ، وبإعمال «لتعرفوا » فيها ، ويحتمل على هذه القراءة أن تكون اللام في قوله : «لتعرفوا » لام كي ، ويضطرب معنى الآية مع ذلك ، ويحتمل أن تكون لام الأمر ، وهو أجود في المعنى ، ويحتمل أن يكون المفعول محذوفاً تقديره : الحق ، وإذا كانت لام كي فكأنه قال : يا أيها الناس أنتم سواء من حيث أنتم مخلوقون لأن تتعارفوا ولأن تعرفوا الحقائق ، وأما الشرف والكرم فهو بتقوى الله تعالى وسلامة القلوب .
وقرأ ابن مسعود : «لتعارفوا بينكم وخيركم عند الله أتقاكم » . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «من سره أن يكون أكرم الناس ، فليتق الله ربه »{[10497]} . ثم نبه تعالى على الحذر بقوله : { إن الله عليم خبير } أي بالمتقي الذي يستحق رتبة الكرم .