وحين علم المؤمنين تلك الآداب الجميلة عمم الخطاب منعاً من السخرية واللمز وغير ذلك على الإطلاق فقال { يا أيها الناس } الآية . قال بعض الرواة : " إن ثابت بن قيس حين قال " فلان ابن فلانة " قال النبي صلى الله عليه وسلم : من الذاكر فلانة ؟ فقام ثابت فقال : أنا يا رسول الله . فقال : انظر في وجوه القوم فنظر فقال : ما رأيت يا ثابت ؟ قال : رأيت أبيض وأسود وأحمر . قال : فإنك لا تفضلهم إلا بالتقوى والدين " ، فأنزل الله هذه الآية . وعن مقاتل : لما كان يوم فتح مكة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالاً حتى أذن على ظهر الكعبة فقال عتاب بن أسيد : الحمد لله الذي قبض أبي حتى لم ير هذا اليوم . وقال الحرث بن هشام : أما وجه محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذناَ . وقال سهيل بن عمرو : إن يرد الله شيئاً يغيره . وقال أبو سفيان : إني لا أقول شيئاً أخاف أن يخبر به رب السماء . فأتى جبريل عليه السلام فأخبره . وأقول : الآية تزجرهم عن التفاخر بالأنساب والتكاثر بالأموال والازدراء بالفقراء . ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأي في سوق المدينة غلاماً أسود يقول : من اشتراني فعلى شرط لا يمنعني عن الصلوات الخمس خلف النبي صلى الله عليه وسلم : فاشتراه رجل وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يراه عند كل صلاة ففقده يوماً فسأل عنه صاحبه فقال : محموم . فعاده ثم سأل عنه بعد أيام فقيل : هو في ذمائه . فجاءه وتولى غسله ودفنه فدخل على المهاجرين والأنصار أمر عظيم فنزلت . وقوله { من ذكر وأنثى } فيه وجهان : أحدهما من آدم وحوّاء فيدل على أنه لا تفاخر لبعض على بعض لكونهم أولاد رجل واحد وامرأة واحدة ، والثاني كل واحد منكم أيها الموجودون وقت النداء خلقناه من أب وأم ، والتفاوت في الجنس دون التفاوت في الجنسين كالذباب والذئاب مثلاً ، لكن التفاوت بين الناس بالكفر والإيمان كالتفاوت الذي بين الجنسين ، لأن الكافر كالأنعام بل أضل ، والمؤمن هو الناس وغيره كالنسناس . والحاصل أن الشيء إما أن يترجح على غيره بأمر يلحقه ويترتب عليه بعد وجوده ، وإما أن يترجح عليه بأمر هو قبله . وهذا القسم إما أن يرجع إلى القابل أو إلى الفاعل كما يقال " كان هذا من النحاس وهذا من الفضة وهذا عمل فلان " فذكر الله سبحانه أنه لا ترجح بحسب الأصل القابل لأنكم كلكم من ذكر وأنثى ، ولا بحسب الفاعل فإن الله هو خالقكم . فإن كان تفاوت فبأمور لاحقة وأحقها بالتمييز هو التقوى لما قلنا ، ولهذا يصلح للمناصب الدينية كالقضاء والشهادة كل شريف ووضيع إذا كان ديناً عالماً ، ولا يصلح للمناصب الدينية كالقضاء والشهادة كل شريف ووضيع إذا كان ديناً عالماً ، ولا يصلح لشيء منها فاسق وإن كان قرشي النسب قارونيّ النشب . ثم بين الحكمة التي من أجلها رتبهم على شعوب وقبائل وهي أن يعرف بعضهم نسب بعض فلا يعتزى إلى غير آبائه فقال { وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا } أي ليقع بينكم التعارف بسبب ذلك لا أن تتفاخروا بالأنساب . قيل : الشعوب بطون العجم ، والقبائل بطون العرب . وقال جار الله : الشعب بالفتح الطبقة الأولى من الطبقات الست التي عليها العرب . أوّلها شعب وهي أعم سمي بذلك لأن القبيلة تنشعب منها ، ثم قبيلة ، ثم عمارة ، ثم بطن ، ثم فخذ ، ثم فصيلة وهي الأخص مثال ذلك : خزيمة شعب ، وكنانة قبيلة ، وقريش عمارة ، وقصي بطن ، وهاشم فخذ ، والعباس فصيلة .
فائدة : لا ريب أن الخلق يستعمل في الأصول أكثر ، والجعل يستعمل فيما يتفرع عليه ، ولهذا قال { خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور } وقال في الآية { خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل } ولكنه قال في موضع آخر { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } [ الذاريات : 56 ] فبين أن الأصل في الخلق والغرض الأقدم هو العبادة ليعلم منه أن اعتبار النسب وغيره مؤخر عن اعتبار العبادة فلهذا قال { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } وفيه معنيان : أحدهما أن التقوى تفيد الإكرام عند الله . والثاني أن الإكرام في حكم الله يورث التقوى والأول أشهر كما يقال " ألذ الأطعمة أحلاها " أي اللذة بقدر الحلاوة لا أن الحلاوة بقدر اللذة . عن النبي صلى الله عيله وسلم أنه طاف يوم فتح مكة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال " الحمد لله الذي أذهب عنكم عيبة الجاهلية وتكبرها . يا أيها الناس إنما الناس رجلان : مؤمن تقي كريم على الله وفاجر شقي هين على الله ثم قرأ الآية " وعنه صلى الله عليه وسلم " من سره أن يكون أكرم الناس فليتق الله " قال ابن عباس : كرم الدنيا الغنى وكرم الآخرة التقوى . { إن الله عليم } بظواهركم { خبير } ببواطنكم وحق مثله أن يخشى ويتقى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.