تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٞ} (13)

11

المفردات :

من ذكر وأنثى : من آدم وحواء ، قال إسحاق الموصلي :

الناس في عالم التمثيل أكفاء *** أبوهم آدم والأم حواء

فإن يكن لهم في أصلهم شرف *** يفاخرون به فالطين والماء

شعوبا وقبائل : الشعوب : رؤوس القبائل ، كربيعة ومضر ، والقبائل فروعها .

قال في تفسير المراغي :

والشعوب واحدهم شعب ( بفتح الشين وسكون العين ) ، وهو الحي العظيم المنتسب إلى أصل واحد ، كربيعة ومضر ، والقبيلة دونه كبكر من ربيعة ، وتميم من مضر ، وحكى أبو عبيدة أن طبقات النسل التي عليها العرب سبع :

الشعب ، ثم القبيلة ، ثم العمارة ، ثم البطن ، ثم الفخذ ، ثم الفصيلة ، ثم العشيرة ، وكل واحد منها يدخل فيما قبله .

فالقبائل تحت الشعوب ، والعمائر تحت القبائل ، والبطون تحت العمائر ، والأفخاذ تحت البطون ، والفصائل تحت الأفخاذ ، والعشائر تحت الفصائل .

فخزيمة شعب ، وكنانة قبيلة ، وقريش عمارة ( بفتح العين وكسرها ) وقصيّ بطن ، وعبد مناف فخذ ، وهاشم فصيلة ، والعباس عشيرة ، وسمي الشعب شعبا لتشعب القبائل منه كتشعب أغصان الشجرة .

التفسير :

13- { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } .

تأتي هذه الآية في أعقاب الآداب الإسلامية السابقة ، والنهي عن السخرية واللمز والتنابز بالألقاب ، وظن السوء ، والتجسس والغيبة .

والمعنى :

يا كل الناس ، لماذا التعالي على عباد الله ، أو السخرية منهم ، أو غيبتهم ، أو ظن السوء بهم ، إنكم جميعا من أصل واحد ، كلكم لآدم وآدم من تراب ، فقد خلق الله آدم بيده وزوّجه حواء ، ومن نسل آدم وحواء خلق جميع البشر ، فلماذا التعالي والتفاخر والترفع والتكبر على الآخرين إذا كنتم جميعا من أصل واحد ، ومن إناء واحد ؟

قال صلى الله عليه وسلم : ( يا أيها الناس ، ألا إن ربكم واحد ، وإن أباكم واحد ، ألا لا فضل لعربي على عجمي ، ولا لعجمي على عربي ، ولا لأسود على أحمر ، ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى ، ألا هل بلّغت ) ؟ قالوا : اللهم نعم ، قال : ( ليبلّغ الشاهد منكم الغائب )22 .

{ وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا . . . }

الشعوب : الجمهور الكبير من الناس ، والقبائل : العائلات الكبيرة ، ومنها تتفرع الفروع الصغيرة ، تقول : أنا من شعب مصر ، ومن محافظة كذا ، ومن بلدة كذا ، ومن قبيلة كذا ، أو من عائلة كذا ، وبذلك يعرف الناس أنسابهم وأصولهم ، ويحافظون على أنسابهم بالزواج الشرعي ، والبعد عن الزنا والسفاح .

قال صلى الله عليه وسلم : ( ولدت من نكاح ، ولم أولد من سفاح )23 .

وقد كان الناس -عربا أو عجما- عند نزول الآية قبائل متمايزة ، ضمن شعوب تعمهم ، ولكنهم الآن في معظم الأمم قد اختلط بعضهم ببعض ، وأصبح التعارف بينهم بالانتماء إلى الأمم ، وبيان البلدان التي يعيشون فيها ، والمساكن التي يأوون إليها .

{ إن أكرمكم عند الله أتقاكم . . . }

أي : لقد جعلت النسب للتعارف وصلة الرحم ، وليس للتعالي والتفاخر بالأنساب والأحساب ، فإن السمو الحقيقي ورفعة المنزلة إنما تكون بتقوى الله ومراقبته ، والعمل بما يرضيه ، والبعد عما نهى الله عنه .

أخرج ابن أبي حاتم ، والترمذي ، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم فتح مكة فقال : ( يا أيها الناس ، إن الله قد أذهب عنكم عيبة الجاهلية –أي : تكبرها- وتعظمها بآبائها ، فالناس رجلان : رجل بر تقي كريم على الله ، ورجل فاجر شقي هين على الله تعالى ، إن الله عز وجل يقول : { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير } . ثم قال صلى الله عليه وسلم : ( أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ) .

وروى مسلم ، وابن ماجة ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم )24 .

وعند الطبراني ، عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله لا ينظر إلى أحسابكم ولا إلى أنسابكم ولا إلى أجسامكم ولا إلى أموالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم ، فمن كان له قلب صالح تحنن الله عليه ، وإنما أنتم بنو آدم ، وأحبكم إليه أتقاكم )25 .

{ إن الله عليم خبير } .

هو سبحانه مطلع على القلوب ، عليم بأحوال عباده ، خبير بأفعالهم ، فيثيب من تخلق بهذه الأخلاق ، ويعاقب من أعرض عنها .

في أعقاب التفسير

1- احتج مالك بقوله تعالى : { إنا خلقناكم من ذكر وأنثى . . . } على عدم اشتراط النسب في الكفاءة في الزواج ، إلا الدين ، فيجوز زواج المولى بالعربية ، وقد تزوج سالم مولى امرأة26 من الأنصار امرأة عربية حرة ، حيث تبناه أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة ، وأنكحه هند بنت أخيه الوليد بن عتبة ، وتزوج بلال بن رباح أخت عبد الرحمان بن عوف ، وتزوج زيد بن حارثة زينب بنت جحش ، فالكفاءة إنما تراعى في الدين فقط .

روى أحمد ، وأصحاب الكتب الستة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( تنكح المرأة لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك )27 .

وقال الجمهور : يراعى الحسب والمال عملا بالأعراف ، ومراعاة لواقع الحياة المعيشية ، وتحقيقا لهدف الزواج وهو الدوام والاستقرار .

وأرى أن هذه الأمور متشابكة ، ولا نستطيع الفصل بينها بسهولة .

والحل :

1- أن نعطي للدين والتقوى درجات كبيرة للزوجة والزوج ، مع مراعاة الأمور الأخرى بنسبة ما ، وبذلك نجمع بين ما رآه مالك وما رآه غيره .

2- أورد الإمام ابن كثير طائفة من الأحاديث النبوية التي تنهي عن التفاخر ، وتحض على التقوى ، ثم قال : فجميع الناس في الشرف بالنسبة الطينية إلى آدم وحواء سواء ، وإنما يتفاضلون بالأمور الدينية ، وهي طاعة الله ورسوله .

روى البخاري بسنده ، عن أبي هريرة قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الناس أكرمهم ؟ قال : ( أكرمهم أتقاهم ) ، قالوا : ليس عن هذا نسألك ، قال : ( فأكرم الناس يوسف نبي الله ، ابن يعقوب نبي الله ، ابن إبراهيم خليل الله ) ، قالوا : ليس عن هذا نسألك ، قال : ( فعن معادن العرب تسألون ) ؟ قالوا : نعم ، قال : ( خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا )28 .

3- وردت أحاديث نبوية كريمة في معنى الآية ، منها ما رواه أبو بكر البزار في مسنده ، عن حذيفة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كلكم بنو آدم ، وآدم خلق من تراب ، ولينتهين قوم يفخرون بآبائهم ، أو ليكونن أهون على الله تعالى من الجُعْلان )29 .

وعن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله تعالى يقول يوم القيامة : إني جعلت نسبا وجعلتم نسبا ، فجعلت أكرمكم عند الله أتقاكم ، وأبيتم إلا أن تقولوا : فلان ابن فلان ، وأنا اليوم أرفع نسبي لأضع أنسابكم ، أين المتقون ) ؟

وفي صحيح مسلم ، من حديث عبد الله بن عمرو قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول جهارا : ( إن أولياء أبي ليسوا لي بأولياء ، إن وليي الله وصالحو المؤمنين )30 .